تواكب الطيور تغير المناخ في سياق الانتقاء الطبيعي

تحتاج الطيور إلى التكيف مع تغير المناخ، لكن التطور عملية بطيئة. تعد الأنواع النموذجية مثل القرقف الكبير مقياسًا لا غنى عنه لقدرتنا على التنبؤ بتأثير تغير المناخ على الطبيعة. باستخدام أساليب مبتكرة، ألقى فريق من المعهد الهولندي للبيئة (NIOO-KNAW) نظرة خاطفة على مستقبل الطيور.

هل تستطيع الأنواع مواكبة التغير المناخي؟ ما مدى سرعة التكيف؟ إننا بحاجة إلى فهم هذا قبل أن نتمكن من التنبؤ بشكل صحيح بآثار تغير المناخ على الطبيعة بشكل عام. يؤكد قائد البحث مارسيل فيسر «من المهم أن نعرف ذلك؛ إذ يحتاج تغير المناخ والتطور إلى الحفاظ على وتيرة متساوية نسبيًا لتواكب الأنواع كل ذلك».

العودة إلى المستقبل

يوضح فيسر: «لهذا السبب شرعنا في دراسة القرقف الكبير. في العقود القادمة، سينتج الانتقاء الطبيعي طيورًا ذات تركيبة جينية معينة. للتنبؤ بمدى استجابة هذه الطيور للانتقاء الطبيعي، عملنا على زيادة سرعة التطور من خلال الانتقاء الاصطناعي للطيور المبكرة والمتأخرة وراثيًا. أخذنا بعد ذلك البيض إلى حديقة دي هوغي فيلوفي De Hoge Veluwe الوطنية، لمعرفة كيف كان أداء ذريتهم مقارنة بطيور القرقف البرية الكبيرة».

تضيف الباحثة ميلاني ليندنر: «في الغابة، وضعت الطيور المبكرة وراثيًا بيضها في وقت أبكر من القرقف الكبير المتأخر وراثيًا. لذلك تمكنا من الاختيار بنجاح من سيضع البيض مبكرًا أو متأخرًا في الربيع. ولكن الطيور الباكرة لم تضع بيضها أبكر بكثير من القرقف البري الكبير في الغابة، في حين أن الطيور التي اخترناها لوضع بيضها في وقت متأخر، تأخرت بشكل ملحوظ».

في النهاية، لم تتكاثر هذه الطيور المبكرة بنجاح أكبر من تلك الموجودة في البرية. تبين أن التكيف الجيني مع المواعيد المبكرة للوضع هو عملية بطيئة للغاية. نُشرت نتائج الدراسة في مجلة Science Advances، وكانت ليندنر هي المؤلفة الأولى.

مشاكل العلاقة البيئية

يؤدي تغير المناخ إلى مشاكل بيئية للطيور المغردة آكلة الحشرات مثل طائر القرقف الكبير. فلم يعد توقيتهم يتطابق مع توقيت الحشرات التي يتغذى صغارها عليها: فلم تعد «ذروة اليرقة» والوقت الذي تفقس فيه طيور القرقف الكبير متزامنة. وبالتالي، فإنهم يفقدون أكبر اليرقات وأكثرها عصارة، والتي تحتوي على البروتينات المغذية. يمكن أن يكون تغيير توقيتها حلًا، ولكن حتى الآن لا يزال من غير الواضح إلى أي مدى يمكن للطيور أن تضع بيضها في وقت مبكر.

إذًا ما الذي سيحدث لطيور القرقف الكبيرة في العقد القادم؟ يقول مارسيل فيسر: «ما نراه الآن هو أن التغير المناخي يسير بسرعة كبيرة جدًا بالنسبة لهم. ولن يكونوا قادرين على التكيف بشكل كاف. في أسوأ السيناريوهات المناخية، سوف تتخلف الطيور أكثر وأكثر». نتيجة لذلك، سينخفض عدد طيور القرقف الكبيرة الناشئة.

التمويه

لماذا إذًا لا نشهد انخفاضًا في أعداد طيور القرقف الكبير حتى الآن؟ يقول فيسر: «في الوقت الحالي، لا تظهر التأثيرات السكانية بشكل واضح نتيجة عمليات تعتمد على الكثافة. يُخبّأ حاليًا التأثير الحقيقي لتغير المناخ: من بين كل عشرة فراخ، يموت ثمانية أو تسعة في العادة في السنة الأولى نتيجة الافتراس أو المرض أو نقص الغذاء أو المنافسة أو مجرد سوء الحظ. ولكن إذا مات ثلاثة منهم قبل أن يكونوا قادرين على الطيران بسبب تغير المناخ، ستتحسن فرص السبعة الباقين. سيكون هناك المزيد من الطعام للتجول، ومنافسة أقل. لكن هناك حد لذلك».

«يوجد أيضًا قدر كبير من الاختلاف من سنة إلى أخرى فيما يتعلق بالطقس، مما يجعل من الصعب قياس التأثير على الطيور في الحقل. في سنوات الدراسة، كان عدم التوافق بين طيور القرقف الكبيرة البرية وطعامها (يرقات فراشة الشتاء) صغير بشكل مدهش».

إذًا ما الذي نحتاج إلى اكتشافه أيضًا؟ يعطي فيسر بعض الاقتراحات: «الآن بعد أن درسنا تأثير تغير المناخ على السلسلة الغذائية المباشرة نسبيًا لشجرة السنديان وعثة الشتاء (أرفية الشتاء) وطائر القرقف الكبير، حان الوقت لمعرفة ما إذا كان بإمكاننا تضمين عدد أكبر من الأنواع التي تصنع معًا شبكة طعام. مثل حديقة دي هوغي فيلوفي بأكملها على سبيل المثال».

إن هذا بشكل خاص أحد أهداف برنامج LTER-LIFE الكبير، والذي على وشك أن يبدأ في يوليو: تطوير «توائم رقمية» للأنظمة البيئية للمساعدة في التنبؤ بكيفية تأثير التغيير العالمي على الطبيعة. وستكون منطقة فيلوفي الطبيعية هي الحالة الأولى.

 

ترجمة: ولاء سليمان

المصدر: phys.org

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *