دراسة جديدة تلقي الضوء على تطور الحيوانات

اقتربت دراسة أجرتها جامعة أكسفورد خطوة واحدة من حل لغز حير علماء الطبيعة منذ تشارلز داروين: متى ظهرت الحيوانات لأول مرة في تاريخ الأرض؟ نُشرت الدراسة «عمليات التحجر وقراءتنا للعصور التي عاشت بها الحيوانات القديمة» في مجلة Trends in Ecology & Evolution.

ظهرت الحيوانات لأول مرة في السجل الأحفوري منذ حوالي 574 مليون سنة. يظهر وصولهم بشكل انفجار مفاجئ في العصر الكمبري (منذ 539 مليون سنة إلى 485 مليون سنة ماضية) ويبدو أنه يتعارض مع الوتيرة التدريجية المعتادة للتغير التطوري. يعتقد العديد من العلماء (بما في ذلك داروين نفسه) أن الحيوانات الأولى تطورت بالفعل قبل فترة طويلة من العصر الكمبري، لكنهم لا يستطيعون تفسير سبب فقدها من السجل الأحفوري.

تقترح طريقة «الساعة الجزيئية» أن الحيوانات تطورت لأول مرة منذ 800 مليون سنة، خلال الجزء الأول من حقبة الطلائع الحديثة، وهي الحقبة الثالثة والأخيرة من حقب الدهر السحيق الثلاثة، والأخيرة في عصر ما قبل الكمبري (منذ 1000 مليون سنة إلى 539 مليون سنة ماضية). يستخدم هذا النهج المعدلات التي تتراكم فيها الطفرات الجينية لتحديد النقطة الزمنية التي احتوت على نوعين أو أكثر من الكائنات الحية التي تشترك في سلف واحد. ولكن على الرغم من أن الصخور التي تعود إلى بدايات الحياة المبكرة تحتوي على كائنات دقيقة أحفورية، مثل البكتيريا والطلائعيات، لكن لم يُعثر على أحافير حيوانية.

طرح هذا معضلة لعلماء الحفريات: هل تبالغ طريقة الساعة الجزيئية في تقدير النقطة التي تطورت عندها الحيوانات لأول مرة؟ أم أن الحيوانات كانت موجودة خلال حقبة الطلائع الحديثة، لكنها كانت لينة وهشة للغاية بحيث لا يمكن الحفاظ عليها؟

للتحقيق في ذلك، أجرى فريق من الباحثين بقيادة الدكتور روس أندرسون من قسم علوم الأرض بجامعة أكسفورد التقييم الأكثر شمولاً حتى الآن لظروف الحفظ التي من المتوقع أن تلتقط أقدم حفريات حيوانية.

قال المؤلف الرئيسي الدكتور روس أندرسون «من المفترض أن الحيوانات الأولى كانت تفتقر إلى الأصداف المعدنية أو الهياكل العظمية، وكانت تتطلب ظروفًا استثنائية لتتحجر. لكن بعض رواسب الحجر الطيني الكمبري تظهر حفظًا استثنائيًا، حتى للأنسجة الحيوانية الرخوة والهشة. لقد فكرنا بأنه إذا حدثت هذه الظروف، المعروفة باسم نمط بورغس شيل للحفظ (BST) Burgess Shale-Type، أيضًا في صخور حقبة الطلائع الحديثة، سيشير الافتقار إلى الحفريات إلى غياب حقيقي للحيوانات في ذلك الوقت».

للتحقيق في ذلك، استخدم فريق البحث مجموعة من التقنيات التحليلية على عينات من رواسب طينية كامبرية من حوالي 20 موقعًا، لمقارنة تلك التي تحتوي على أحافير من نمط بورغس شيل (BST) مع تلك التي تحافظ فقط على أحافير البقايا المعدنية (مثل ثلاثية الفصوص). تضمنت هذه الطرق التحليل الطيفي للأشعة السينية المشتتة للطاقة وحيود الأشعة السينية التي أجريت في أقسام علوم الأرض والمواد بجامعة أكسفورد، إلى جانب التحليل الطيفي بالأشعة تحت الحمراء الذي أُجري في مركزDiamond Light Source هو مرفق علوم السنكروترون الوطني في المملكة المتحدة لعلوم مصدر الضوء.

وجد التحليل أن الحفريات ذات الحفظ الاستثنائي من نمط بورغس شيل تحتوي بشكل خاص على طين مضاد للبكتيريا يسمى بيرتيرين. وُجد في العينات التي تحتوي على 20% على الأقل من البرثيرين على أحافير من نمط بورغس شيل في حوالي 90% من الحالات.

كشفت الخرائط المعدنية الدقيقة لأحفوريات نمط بورغس شيل أن طينًا آخر مضادًا للبكتيريا، يسمى كاولينيت kaolinite، يرتبط ارتباطًا مباشرًا بالأنسجة المتحللة في مرحلة مبكرة، ويشكل هالة واقية أثناء التحجر.

قال الدكتور أندرسون: «كان وجود هذا الطين هو المؤشر الرئيسي الذي يوجهنا لاحتواء الصخور على أحافير نمط بورغس شيل أم لا. يشير هذا إلى أن جزيئات الطين تعمل كحاجز مضاد للجراثيم يمنع البكتيريا والكائنات الحية الدقيقة الأخرى من تكسير المواد العضوية».

استخدم الباحثون بعد ذلك هذه التقنيات لتحليل عينات من العديد من رواسب الحجر الطيني الغنية بالأحافير. كشف التحليل أن معظمهم لم يكن لديهم التركيبات اللازمة للحفاظ على نمط بورغس شيل. وجد العلماء في ثلاثة رواسب في نونافوت (كندا) وسيبيريا (روسيا) وسفالبارد (النرويج) تركيبات متطابقة تقريبًا لصخور نمط بورغس شيل من العصر الكمبري. ومع ذلك، لم تحتوي أي من العينات على أحافير حيوانية، على الرغم من أن الظروف كانت مواتية على الأرجح للحفاظ عليها.

وأضاف الدكتور أندرسون، «تشير أوجه التشابه في توزع الطين مع الأحافير في هذه العينات النادرة المبكرة من حقبة الطلائع الحديثة مع الرواسب الكمبرية الاستثنائية إلى أنه في كلتا الحالتين، يرتبط الطين بالأنسجة المتحللة، وأن الظروف التي تساعد على حفظ الحفريات بنمط بورغس شيل كانت متاحة في كلتا الفترتين الزمنيتين. يوفر هذا أول «دليل على الغياب» ويدعم وجهة النظر القائلة بأن الحيوانات لم تتطور بحلول أوائل حقبة الطلائع الحديثة، على عكس تقديرات الساعة الجزيئية».

وفقًا للباحثين، تقترح الدراسة حدًا أقصى لعمر أصل الحيوانات يبلغ حوالي 789 مليون سنة: أصغر عمر مقدر لتكوين سفالبارد. ينوي الفريق الآن البحث عن رواسب حقبة الطلائع الحديثة الأصغر سنًا بشكل تدريجي مع شروط للحفاظ على نمط بورغس شيل. سيؤكد هذا عمر الصخور التي فقدت فيها الحيوانات من سجل الحفريات لأنها كانت غائبة بالفعل، وليس لأن الظروف لم تمكنها من التحجر. يعتزمون أيضًا إجراء تجارب معملية للتحقيق في الآليات التي تدعم التفاعلات العضوية الطينية في الحفاظ على نمط بورغس شيل.

وأضاف الدكتور أندرسون: «إن رسم خرائط لتكوينات هذه الصخور على المستوى المجهري يسمح لنا بفهم طبيعة السجل الأحفوري الاستثنائي بطريقة لم نكن قادرين على فهمها من قبل. وفي النهاية، يمكن أن يساعد هذا في تحديد كيفية انحياز سجل الحفريات نحو الحفاظ على أنواع وأنسجة معينة، مما يؤدي إلى تغيير تصورنا للتنوع البيولوجي عبر العصور الجيولوجية المختلفة».

ترجمة: ولاء سليمان

المصدر: phys.org

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *