اكتشاف حفريات نباتية مذهلة حفظتها لنا البراكين منذ 30 مليون سنة

اكتشاف حفريات نباتية أسترالية مذهلة في كبسولات زمنية نادرة حفظتها لنا البراكين منذ 30 مليون سنة

إن القارة الأسترالية الآن هي مكان مستقر جيولوجيًا. لكن تُظهر لنا الصخور البركانية وتدفقات الحمم البركانية والمناظر الطبيعية المعاصرة المليئة بالبراكين الخامدة أن هذا الحال لم يكن دائمًا.

منذ حوالي 40 إلى 20 مليون سنة مضت (خلال عصر الإيوسين حتى عصر الميوسين) كان هناك نشاط بركاني واسع النطاق في جميع أنحاء شرق أستراليا. وكان النشاط البركاني في أماكن مثل غرب فيكتوريا وأراضي أثرتون في كوينزلاند أكثر حداثة.

قد يكون لثوران البراكين عواقب مدمرة على المستوطنات البشرية، كما نعلم من مدينة بومبي في إيطاليا، التي دفنها الرماد عندما ثار بركان جبل فيزوف عام 79 م. لكن تساقط الرماد وتدفقات الحمم البركانية يمكن أن يؤدي أيضًا إلى دفن غابات بأكملها، أو على الأقل دفن مجموعة من النباتات الموجودة فيها.

تكشف دراساتنا لهذه الكبسولات الزمنية النباتية النادرة والفريدة من نوعها عن نباتات أحفورية محفوظة بشكل رائع ورؤى جديدة في تاريخ أستراليا النباتي. نُشر هذا العمل الجديد في مجلة Gondwana Research.

انحفاظ مذهل

الصخور البركانية الأكثر شيوعًا هي البازلت. تعتبر التربة الحمراء الغنية المشتقة منها من بين أكثر أنواع التربة خصوبة في أستراليا.

لكن الصخور التي توجد فيها الحفريات تكون مدفونة تحت البازلت أو الصخور البركانية الأخرى، والتي تسمى السيلكريت، تعود أصولها إلى المياه الجوفية الغنية بالسيليكا. والسيليكا هي المكون الرئيسي للرمل، وهو مألوف لدى معظمنا مثل الكوارتز.

ما يجعل حفريات نبات السيلكريت رائعة جدًا هو الحفاظ الدقيق على المواد النباتية. ويشمل ذلك الجذور الدقيقة والعقيدات الجذرية، وسعف السرخس غير الملتف وسيقانها تحت الأرض، واللحاء الخارجي الناعم للخشب، وآثار التغذية وفضلات الحشرات، وحتى الأنسجة الدقيقة وتشريح الفواكه والبذور.

لكي يحدث هذا الحفظ الجيد، يجب أولًا أن يكون هناك دفن سريع، مثل ذلك الذي يحدث عند الانفجار البركاني. ومن ثم، يجب أن يكون هناك مصدر وفير للسيليكا، وهي الحالة التي تحققت عندما بدأت الصخور البركانية في التقلب.

يشار إلى العملية التي تملأ فيها السيليكا هياكل النباتات وتحافظ عليها باسم «التسيليك» أو «التمعدن». عندما تندفن المواد النباتية، فإنها توفر الظروف الحمضية المثالية لحدوث ذلك.

ولا تحتاج العملية إلى ملايين السنين. أظهرت الدراسات الخارجية للنباتات في الينابيع الساخنة أو التي أجريت في المختبر أن بعض أنواع السيليكا سوف تتسلل بسرعة إلى الأنسجة الخشبية والنباتية.

لماذا تعتبر هذه الحفريات النباتية مهمة؟

بسبب دفنها السريع بفعل البراكين، يمكننا التأكد من أن النباتات كانت في مكانها الأصلي (أي موقعها الأصلي) وكانت تنمو بنشاط. وهذا يعني أنه يمكننا الحصول على معلومات مفصلة حول تكوين هذه المجتمعات النباتية السابقة.

في المناطق الأخرى التي يمكن أن تتراكم فيها الحفريات النباتية (مثل دلتا الأنهار) لا يمكننا أبدًا التأكد إلى أي مدى انتقلت أجزاء النباتات، وما إذا كانت من أنواع مختلفة من النباتات.

لا تحافظ عملية التسيليك على النباتات فحسب، بل تحافظ أيضًا على فضلات الأوراق الموجودة على أرضية الغابة وحتى التربة الأساسية التي تحتوي على الجذور والعقيدات الجذرية. تختلف النباتات الأحفورية المحفوظة في مواقع مختلفة، مما يشير إلى وجود مجتمعات نباتية متميزة.

أشارت لنا وفرة البذور والفواكه في موقع واحد بالقرب من كابيلا، في وسط كوينزلاند إلى أن الانفجارات البركانية المحلية من المحتمل أنها حدثت في الصيف أو أوائل الخريف خلال موسم الإثمار.

إن الحفظ الاستثنائي لهذه الحفريات يسمح لنا بمقارنتها بالنباتات الحديثة. وهذا بدوره يعني أنه يمكننا التعرف عليهم بدقة.

تشتمل السرخس على سعف وسيقان تحت الأرض (جذور) من سرخس بتيريديوم المعروف. لقد وجدنا أيضًا البذور المميزة والكروميات لعائلة العنب (Vitaceae)، بالإضافة إلى دليل على تخريب الحشرات للخشب. وكان هناك موقعان يحتويان على أدلة على وجود أشجار النخيل.

على الرغم من وجود القليل من الدراسات السابقة على هذه النباتات المحفوظة، لكننا كشفنا عن رؤى جديدة حول تاريخ النباتات الأسترالية الحديثة.

شكلت البراكين مجتمعات نباتية خاصة

يدمر النشاط البركاني ويعدل المجتمعات النباتية الموجودة، ويوفر ركائز جديدة للنباتات لاستعمارها.

تحتوي العديد من المواقع على السراخس، ربما لأنها من أوائل النباتات الحية التي استعمرت تضاريس بركانية جديدة عبر أبواغها الصغيرة التي تحملها الرياح. فمثلًا وثق الباحثون أن السرخس بتيريديوم المعروف كان من النباتات الرائدة في المخروط القاحل لبركان كراكاتوا الشهير بعد ثورانه في عام 1883.

لكن تنوع البذور والفواكه في موقع آخر يشير إلى أن غابة موجودة قد دُفنت بسبب النشاط البركاني.

اقترح الباحثون أن العوامل الرئيسية المسؤولة عن تطور الحيوانات والنباتات الأسترالية خلال فترة حقب الحياة الحديثة (آخر 66 مليون سنة) كانت في الغالب المناخ والتغير البيئي. وقد حدث ذلك جزئيًا بسبب حركة الصفيحة القارية الأسترالية شمالًا.

لكن نادرًا ما استند العلماء على النشاط البركاني واسع النطاق الذي حدث في شرق أستراليا خلال حقبة الحياة الحديثة كمحرك رئيسي لمثل هذه التغييرات.

تقدم الآن هذه الحفريات المحفوظة بشكل رائع رؤى جديدة مذهلة حول تاريخ بعض مجموعات النباتات الأسترالية وأنواع النباتات التي نمت فيها.

 

ترجمة ولاء سليمان

المصدر: phys.org

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *