فهم أعمق لأصل مشاركة الطعام لدى البشر

شكل التعاون لدى البشر مفتاحًا أساسيًا للبقاء كنوع، وذلك في ظل تطوره ليمارس الصيد والالتقاط ومشاركة الطعام. ورغم أن الشمبانزي وبعض الرئيسيات تشارك طعامها، إلا أن البشر يبرزون هنا سلوكيًا. توقف بقاؤنا كصيادين-ملتقطين، وهي الاستراتيجية المعيشية التي اتبعها الإنسان حتى اختراع الزراعة، على مشاركة الطعام يوميًا بين البالغين من الذكور والإناث غير الأقارب.

ورغم أن الصيادين-الملتقطين اليوم يتكئون بشدة على الصيد والطبخ، فقد عملت أنواع كالقرد الجنوبي على استخراج الطعام كالجذور والدرنات والمكسرات قبل وقت طويل من أن تصبح هذه النشاطات مهمة لأسلافنا. وبما أن الصيادين-الملتقطين والرئيسيات غير البشرية تميل لتشارك الطعام الكثير والقيم والقابل للقسمة، فقد كانت هذه الأطعمة الغنية بالعناصر الغذائية خيارًا جيدًا للمشاركة، ولربما كانت عرضة للسرقة من قبل أعضاء الجماعة الجائعين.

في بحث جديد منشور في مجلة Proceedings of the National Academy of Science، طور فريق بقيادة الأستاذ مايكل ويلسون من كلية العلوم البيولوجية نموذجًا مفاهميًا رياضيًا لتطور إنتاج الطعام ومشاركته لدى أسلاف البشر الأوائل. تضمن الفريق متعدد التخصصات عالم اقتصاد وعالم بيولوجيا نظرية وعالم إناسي وعالم رئيسيات.

صُمم النموذج باستخدام منطق التطور بالانتقاء الطبيعي للتنبؤ بسلوك الحصول على الطعام ومشاركته في مواسم التزاوج لدى الأنواع دون وجود ترابطات زوجية، كالغوريلا مثلًا. تألف التحليل من مقارنة هذه التنبؤات في محاول لفهم أفضل كيف يمكن لنظام التزاوج أن يؤثر على سلوكيات استحصال الطعام ومشاركته.

وجد الفريق التالي:

  • وفقًا للنموذج، فإن للنظام التزاوج والترابطات الزوجية آثار جلية على إنتاج الطعام وتشاركه
  • لو أن الذكور والإناث شكلوا ترابطات الزوجية، وعمل الذكور على حماية الإناث من باقي الذكور، يمكن لهذا السلوك أن يحمي جهود الأنثى في بحثها عن الطعام، وهذا يجعل من عملية الحصول على الطعام المغذي ومشاركته مع الأزواج أمرًا يستحق العناء بالنسبة للإناث.
  • وجود الترابطات الزوجية ربما عززت تطور تقنيات التفتيش عن الطعام كالحفر لاستخراج الجذور والدرنات
  • ربما ساهمت الترابطات الزوجية بدفع الإناث كي يشاركن الطعام المغذي مع أزواجهن: إذ تستفيد الإناث من هذه التشاركية في تقوية علاقتها مع الذكر الذي يؤمن لهن الحماية من المفترسات.

وفقًا لويلسون «صُدمنا بتأثير نظام التزاوج على نتائجنا. في حال كان التزاوج غير رسميًا، يشارك الذكور الطعام مع الإناث، وهو ما يحدث أحيانًا لدى الشمبانزي. لكن في حال وجود الترابطات الزوجية، تشارك الإناث الطعام مع ذكور لا تربطها بهم صلة قرابة، وهذا يحدث أحيانًا في المجتمعات البشرية كل يوم، لكن بالكاد نراه لدى أنواع الرئيسيات. علاوة على ذلك، تحظى الإناث بطاقة أكبر في سيناريوهات الترابطات الزوجية مقارنةً بغير الرسمية منها. هذه الطاقة الفائضة تمكن الأمهات من التكاثر بسرعة أكبر وتضمن بقاء سلالتها. وفي حال أن أسلاف البشر الأوائل قد فضلوا الترابطات الزوجية على التزاوج غير الرسمي، لربما ذلك عزز تطور تقنيات الاستحصال على الطعام بالتزامن مع تشاركه وهو ما سهل التوسع من الغابات نحو الموائل الأكثر انفتاحًا».

يخطط الفريق في الأبحاث المستقبلية لإجراء دراسات ميدانية على الرئيسيات لاختبار لأي مدى يمكن للذكر أن يحمي الأنثى وجهودها في البحث عن الطعام ومقارنتها بين الأنواع. يأمل الفريق أيضًا باستكشاف نماذج رياضية وحاسوبية لتطور سلوكيات تشارك الطعام والتواصل ومن ضمنها تطور اللغة.

 

ترجمة: حاتم زيداني

المصدر: phys.org

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *