تفسير الأصل المشترك للثديات مع ذوات الدم الحار بفضل القنوات الأذنية لأسلافنا

كشفت دراسة أجريت على قنوات أذنية أحفورية أن قدرتنا على تنظيم درجة حرارة الجسم أقدم بـ 20 مليون سنة لدى الثدييات مما كان يُعتقد سابقًا.

يعتبر تطور خاصية الدم الحار، المعروف اصطلاحًا باسم الاستحرار الداخلي، مفتاحًا لبقاء الثدييات بعد حادثة انقراض نهاية العصر الطباشيري وهيمنتنا اللاحقة على العالم. إن معرفة وقت تطور هذه الخاصية أمر بالغ الأهمية في علم الإحاثة. تشير أدلة جديدة إلى أنها ظهرت في الوقت الذي أصبح فيه أسلافنا ثدييات بشكل واضح.

يُعتبر تنظيم درجة الحرارة أمرًا أساسيًا لهويتنا البشرية، فنحن نستخدم وَصْف «أصحاب القلوب الباردة» كإهانة، في إشارة إلى أن الزواحف والأسماك عاجزة عن التعاطف. ساهم هذا في احتدام الجدل طويل الأمد حول درجة حرارة جسم الديناصورات.

أُوليَ اهتمام أقل لمسألة متى طور أسلافنا هذه القدرة، لكن الدكتور رومين ديفيد من متحف التاريخ الطبيعي والمؤلفين المشاركين تناولوها بطريقة جديدة في مجلة Nature

تتشابه عظام الكائنات داخليات الحرارة مع تلك التي تحتاج حرارة ضوء الشمس. ومع ذلك، أدرك المؤلفون أن ثمة جزء وحيد في الجسم يخفي دليلًا على ذلك.

تتوازن الفقاريات وتتحرك بمساعدة سائل يدعى اللمف الداخلي في قنوات أذننا النصف الدائرية، ومثل معظم السوائل، فإنه يصبح أكثر جريانًا (أقل لزوجة) في درجات الحرارة الأعلى. استفادت الكائنات ذوات الدم الحار من هذه الخاصية عبر تطوير قنوات أذن أصغر – إذ تحتاج الزواحف لاستخدام مساحة إضافية صغيرة للسماح بتدفق اللمف الداخلي. تتطلب الثدييات أنظمة أكفأ هيكليًا كونها أكثر نشاطًا وأسرع حركةً.

«حتى الآن، كانت القنوات نصف الدائرية تُستخدم عمومًا للتنبؤ بحركة الكائنات الأحفورية. ومع ذلك، بدراستنا للميكانيكا الحيوية خاصتها، توصلنا إلى أنه يمكننا أيضًا استخدامها لاستنتاج درجات حرارة الجسم» قال ديفيد.

قد يكون الاختلاف صغيرًا، لكن ديفيد والمؤلفين المشاركين كانوا مايزالون قادرين على تتبعه عبر 243 نوعًا حيًا و64 نظيرًا منقرضًا. ووجدوا أن آذانًا داخلية ضيقة ظهرت لأول مرة في أسلاف الثدييات منذ 233 مليون سنة.

قد يبدو هذا التوقيت قديمًا للغاية، إلا أنه في الواقع يأتي بعد 20 مليون سنة من توقيت ظهور الاستحرار الداخلي المُعتقد سابقًا. من غير المحتمل وجود فجوة طويلة كهذه بين تطور الاستحرار الداخلي وتطور قنوات الأذن.

بمجرد أن اختبرت الثدييات البدائية الدم الحار، راق لها جدًا على ما يبدو! قال الدكتور ريكاردو أراوجو من جامعة لشبونة: «على عكس التفكير العلمي الحالي، توضح ورقتنا البحثية بشكل مدهش أن اكتساب خاصية الاستحرار الداخلي قد حدث بسرعة كبيرة من الناحية الجيولوجية، خلال أقل من مليون عام. لم تكن عملية تدريجية وبطيئة على مدى عشرات الملايين من السنين كما كان يعتقد سابقًا». إذ ازداد متوسط ​​درجات حرارة الجسم من 5 إلى 9 درجات مئوية (9-16 درجة فهرنهايت) خلال هذا الوقت، وأصبح أيضًا أكثر استقرارًا.

يبدو أن الاستحرار الداخلي قد تزامن مع سمات أخرى مميزة للثدييات كالفراء والشعيرات والتغيرات في العمود الفقري. ازدادت السعات الهوائية واللاهوائية لتوفير حرارة إضافية مصحوبة بمتطلبات غذائية إضافية. يعتبر الترابط الزمني مع اكتساب الفراء أمر منطقي، لأن ذوات الدم الحار -لا سيما الصغيرة منها- تحتاج طريقة ما لمنع ضياع الدفء المُولّد.

إن حجم القناة ليس دليلاً مثاليًا – إذ سُتصنف بعض الأنواع الحية خطأً إن حاولنا تقييم درجة حرارة أجسامها بناءً على قنوات الأذن وحدها، ولكنه معيار ناجح في الغالبية العظمى من الحالات.

يمكن اعتبار النتائج بمثابة ضربة موجعة لهيبة الثدييات في سياق ورقة بحثية حديثة تقدم دليلاً على أن الديناصورات المبكرة والتيروصورات أصبحت داخلية الحرارة بالتزامن مع الثدييات تقريبًا أو حتى أبكر بقليل. على الجانب الإيجابي، يبدو أن اكتساب الاستحرار الداخلي مرتبط باكتساب أدمغة أكبر، وهو أمر افتقرت له الديناصورات.

 

ترجمة: حاتم زيداني

المصدر: iflscience

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *