قد تقود «مناطق مظلمة» من الجينوم تطور أنواع جديدة

وفقًا للدراسة، فإن هذه الشدفات الطويلة والمتكررة من الجينوم، والتي تسمى الدنا التابع أو الدنا الساتلي «satellite DNA»، قد تمنع تزاوج الحيوانات غير المتوافقة عن طريق خلط صبغيات النسل الهجين. وفي حال لم تتمكن الحيوانات من جمهرات مختلفة من التزاوج، فستتباين وتتشعب بمرور الوقت ما يؤدي إلى الانتواع.

فقط 1٪ من الثلاثة مليارات نكليوتيد في الجينوم البشري تصنع البروتينات التي تحدد سمات معينة كلون العين والطول. قد ترسل شدفات أخرى من الدنا إشارات للجسم عن كمية نُسخ البروتين المطلوب إنتاجها، أو تفعيل أو تثبيط جينات معينة في الأنسجة المختلفة، إلى جانب وظائف أخرى. ومع ذلك، فإن ما يقرب من 10٪ من الجينوم البشري يتكون من شدفات طويلة ومتكررة من الدنا التابع، والتي -لسنوات عديدة- لم يعتقد العلماء أن لها دورًا كبيرًا، وفقًا للمؤلف المشارك في الدراسة مادهاف جاغاناثان، وهو حاليًا أستاذ مساعد في المعهد الفدرالي السويسري في زيوريخ للكيمياء الحيوية في سويسرا.

قال جاغاناثان لـ Live Science في رسالة بالبريد الإلكتروني «تكرارات الدنا التابعي كانت غزيرة للغاية في الأنواع ولوحظت على نطاق واسع في حقيقيات النوى، أو أشكال الحياة ذات نوى الخلية. على الرغم من ذلك، دائمًا ما أُهملت هذي التكرارات باعتبارها شدفات دنا عديمة النفع».

ومع ذلك، في دراسة أجريت عام 2018، اكتشف جاغاناثان، الذي كان آنذاك في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، برفقة مستشاره السابق لما بعد الدكتوراه، عالم الأحياء يوكيكو ياماشيتا، أن بعضًا من هذا الدنا التابع يخدم غرضًا مهمًا: إذ ينظم الدنا داخل نواة الخلية. وجدت تلك الدراسة أن بعض البروتينات تلتقط جزيئات الدنا وتنسقها ضمن حزم كثيفة من الكروموسومات تسمى المراكز الكروموسومية. ووجدوا أن الدنا التابع يرشد هذه البروتينات حول كيفية تجميع الكروموسومات وتنظيمها.

في أحدث دراسة نُشرت في 24 يوليو في مجلة Molecular Biology and Evolution، وجد جاغاناثان وياماشيتا دورًا آخر للدنا التابع ألا وهو: قيادة الانتواع. كان الفريق يدرس الخصوبة في نوع ذبابة الفاكهة Drosophila melanogaster. عندما حذف الباحثون الجين الرامز لبروتين يدعى المهماز prod، والذي يرتبط بالدنا التابع لتكوين الكروموسنتر أو «المراكز الكروموسومية»، انبثقت كروموسومات الذباب خارج النواة. وبغياب القدرة على تنظيم الكروموسومات بالشكل الصحيح، مات الذباب.

كان أمرًا مدهشًا، لأن ذباب الفاكهة يتفرد بالبروتين المحذوف، وهذا يعني أن تسلسلات الدنا الساتلية سريعة التطور هذه تحتاج أيضًا بروتينات سريعة التطور كي ترتبط بها.

لاختبار هذه الفكرة، زاوج جاغاناثان إناث ذباب الفاكهة مع ذكور من نوع مختلف Drosophila simulans. كما هو متوقع، لم تعش السلالة الهجينة طويلاً. عندما فحص الباحثون خلايا الذباب، وجدوا نوى مشوهة مع دنا منتشر في جميع أنحاء الخلايا، تمامًا كما فعلوا عندما حذفوا بروتين المهماز في تجارب سابقة.

فكيف يعني أن الدنا التابع يمكن أن يقود الانتواع؟ يشتبه الفريق في أنه إذا تطور الدنا التابع بسرعة وقام كائنان بإنتاج نسخ مختلفة من البروتينات المرتبطة بالدنا التابع، فلن ينتجا سلالة سليمة. نظرًا لأن البروتينات المرتبطة بالكروموسنتر وشدف الدنا التابع تتطور بصورة متباينة في الجمهرات أو الأنواع المنفصلة، ويمكن لانعدام التوافق هذا أن ينشأ بسرعة إلى حد ما.

لاختبار هذه الفرضية، أجروا تحويرًا على جينات ربط الدنا التابع ما أدى إلى تضارب وعدم التوافق بين الوالدين. عندما أعادوا صياغة جينومات الذباب لتصبح متوافقة، أعطى الذباب سلالة هجينة صحية.

يشك جاغاناثان في أن مثل هذه التعارضات في الدنا التابع يمكن أن تكون عاملاً كبيرًا في تطور الأنواع الجديدة. وهو يأمل في أن تنجح المزيد من الأبحاث باختبار نموذجهم الخاص بعدم توافق السلالات الهجينة مع الأنواع الأخرى. في النهاية، يمكن أن يقود هذا البحث لوسيلة لإنقاذ السلالة الهجينة «المحكومة بالهلاك»، أو تلك الهجينة التي لا تعيش لفترة طويلة بعد الولادة. يمكن لذلك أن يمهد الطريق لاستخدام التهجين كوسيلة لإنقاذ الأنواع المهددة بالانقراض بشدة، كوحيد القرن الأبيض الشمالي، الذي تعيش منه أنثيان فقط.

في النهاية، أكد البحث الجديد حدس جاغاناثان بأن الدنا التابع يؤدي غرضًا معينًا.

قال جاغاناثان «كنت موقنًا أنه يستحيل على التطور أن ينتهج سبيلًا مبذرًا»

 

ترجمة: حاتم زيداني

المصدر: livescience

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *