منهج التطور 101 – الدليل على الانتواع

الانتواع أثناء العمل
في صيف عام 1995م، نجت 15 من سحالي الإغوانا على الأقل من إعصار مارلين على طوفٍ مكوّنٍ من مجموعةٍ من الأشجار التي اقتلعها الإعصار. وركبوا أعالي البحار لمدة شهرٍ قبل أن يستعمروا جزيرة “أنغيلا” في البحر الكاريبي. ربما كانت تلك الأفراد هي الأولى من نوع “سحالي الإغوانا” التي تصل إلى الجزيرة، وإن كان هناك غيرهم من سحالي الإغوانا الباسلة المستعمرة لجزيرة أنغيلا فقد ماتوا قبل أن يستطيع البشر تسجيل وجودها.
سيحب علماء البيولوجيا التطورية أن يعرفوا ماذا سيحدث بعدها؟ هل ستنقرض سحالي الإغوانا المستوطنة للجزيرة؟ هل ستبقى على قيد الحياة مع تغيرٍ ضئيلٍ؟ أم أنها ستتكاثر بانعزالٍ عن بقية سحالي الإغوانا لتنتج أنواعاً جديدةً؟ قد نشاهد أول حدث انتواعٍ جغرافيٍ، ولكن لا يمكننا أن نكون متأكدين في وقتٍ قصيرٍ كهذا.
نموذجٌ معقولٌ
لدينا العديد من النماذج المعقولة لكيفية حدوث الانتواع، ولكن الحصول على قصةٍ من شاهد عيانٍ على حدث الانتواع الطبيعي صعبٌ بالنسبة لنا طبعاً، حيث أن أكثر هذه الأحداث تمت في الماضي البعيد. يمكننا معرفة أحداث الانتواع التي حدثت وغالباً نعرف متى حدثت، ولكن من الصعب أن نعرف كيف حدثت. ومع ذلك، يمكننا استخدام نماذجنا لصنع التنبؤات ومن ثم التحقق من تلك التنبؤات بمقارنتها مع ملاحظاتنا للعالم الطبيعي ونتائج التجارب. وكمثالٍ على ذلك، سنقوم بدراسة بعض الأدلة المتعلقة بنموذج الانتواع الجغرافيّ.
وجد العلماء الكثير من الأدلة التي تنسجم مع كون الانتواع الجغرافي وسيلةً شائعةً لتشكل أنواعٍ جديدةٍ:

  • أنماطٌ جغرافيةٌ: سنتنبأ بأن الكتل السكانية من نفس النوع في مواقع جغرافيةٍ مختلفةٍ ستكون مختلفةً وراثياً إذا حدث انتواعٌ جغرافيٌ. وهناك ملاحظاتٌ وفيرةٌ تشير بأن ذلك غالباً ما يكون صحيحاً. فعلى سبيل المثال، العديد من الأنواع تحوي ضمنها “تنوعاتٍ” إقليميةٍ والتي تختلف قليلاً وراثياً وفي المظهر أيضاً، كما هو الحال في البومة الشمالية المُرَقَّطة والبومة المكسيكية المُرَقَّطة. كما أن الأنواع الحلقية هي أمثلةُ مقنعةُ لكيفية إعطاء الاختلافات الوراثية من خلال تقليل الانسياب الوراثي والمسافة الجغرافية.

سلالات للبومة المرقطَّة التي تعيش في مواقع جغرافيةٍ مختلفةٍ تُظهر بعض الاختلافات الوراثية والتشكلية. وتتفق هذه الملاحظة مع الفكرة القائلة بأن الأنواع الجديدة تتشكل من خلال العزلة الجغرافية.

النتائج التجريبية: تم إنتاج الخطوات الأولى للانتواع في عدة تجارب معمليةٍ شملت العزلة “الجغرافية”. على سبيل المثال، درست ديانا دود آثار العزلة الجغرافية والانتخاب على ذباب الفاكهة. حيث أخذت مجموعةً من ذباب الفاكهة من كتلةٍ سكانيةٍ واحدةٍ وقامت بتقسيمهم إلى كتلٍ سكانيةٍ منفصلةٍ لتعيش في أقفاصٍ مختلفةٍ، وذلك لمحاكاة العزلة الجغرافية. وكان نصف الكتل السكانية من ذبابات الفاكهة تعيش على الأطعمة التي تحوي سكر الشعير (المالتوز)، وكان الآخرون يعيشون على الأطعمة التي تحوي النشاء. وبعد أجيالٍ عديدةٍ، تم اختبار الذباب لمعرفة أيّ الذباب قد يفضلون التزاوج معه. فوجدت دود أن قليلاً من العزلة التناسلية حدثت كنتيجةٍ للعزلة الجغرافية واختيار مصادر الطعام في البيئتين: حيث فضلت الذبابات التي تغذت على سكر الشعير الذبابات الأخرى التي تغذت أيضاً على سكر الشعير، وكذلك فضلت الذبابات التي تغذت على النشاء الذبابات الأخرى التي تغذت على النشاء. وعلى الرغم من أننا لا نستطيع أن نكون متأكدين، إلا أنه من المحتمل أن وجود تلك الاختلافات التفضيلية قد يكون نتيجةً لانتخاب استخدام مصادر الغذاء المختلفة، والتي أثرت أيضاً على بعض الموروثات المسؤولة عن السلوك الإنجابي. هذه هي النتيجة التي سنتوقعها إذا كان الانتواع الجغرافي طريقةً نموذجيةً للانتواع.

 

تشير تجربة ذبابات الفاكهة الخاصة التي أجرتها ديانا دود إلى أن عزل الكتل السكانية في بيئاتٍ مختلفةٍ (مع وجود مصادر طعامٍ مختلفةٍ) يمكن أن يؤدي إلى بدء الانعزال التكاثري. هذه النتائج تتماشى مع الفكرة القائلة بأن العزلة الجغرافية هي خطوةٌ مهمةٌ لبعض أحداث الانتواع.

 

 

تم نقل المقال من مجلة السعودي العلمي بالتصرف.

اقرأ أيضًا: منهج التطور 101 – تعريف الانتواع

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *