القردة تتنصت على جيرانها وتفضل الذين يبدون اهتمامًا بمساعدة الآخرين

وجدت دراسة حديثة أن قردة القشة الأمريكية، كالجار المُتطفِّل، تسترق السمع على الآخرين من حولها، وتبني أحكامها أيضًا بناء على ما تسمعه.

تتصرف هذه القردة صغيرة الحجم بهذا السلوك بهدف تقييم الغرباء من القردة التي لا تعرفها، من أجل اختيار الزوج الأفضل لتربية أبنائها.

تقول سونيا كوسكي عالمة الأنثروبولوجيا التطورية من جامعة هلسنكي، مع أنها لم تشارك في الدراسة: «هذه الدراسة مذهلة للغاية لأنها تركز على ما يحدث داخل عقل الحيوان». تقصد عندما تسترق القردة السمع.

تعيش قردة القشة التقليدية، واسمها العلمي Callithrix jacchus، في غابات شمال شرق البرازيل، حيث تعدو مسرعة بين الأغصان كالسناجب، بفضل أظافرها المخلّبة.

تزن هذه القردة الصغيرة نحو 250 غرامًا، وتملك في آذانها خُصل شعر بيضاء تشبه بشدة شعر آلبرت آينشتاين. لكن ما تميزها حقًا هي بنيتها الاجتماعية الفريدة.

تضم عائلة قردة القشة نحو 15 قردًا تعيش، وتأكل، وتمضي وقتها معًا، لكن فقط فرد أو زوجان من العائلة من يحق لهما التزاوج.

عندما يُولد الأطفال، تجتمع القبيلة بأكملها: أشقاء، وأبناء عمومة، وعمات، وأعمام، وجميعها تلعب دورًا في رعاية الصغير. تتطلب رعاية القرد الصغير منها قرية بأكملها.

تقول جوديث بوركارت – Judith Burkart عالمة الأنثروبولوجيا التطورية من جامعة زيوريخ (UZH): «لكون قردة القشة تتّكئ على الآخرين كثيرًا للمساعدة، فمن المهم لها تمييز الأعضاء المتعاونة من غير المتعاونة». وهنا تأتي وظيفة استراق السمع.

لكن ماذا يجري بالضبط داخل عقل القرد عندما يتجسس على أحاديث الآخرين؟

تعاونت جوديث بوركات بهدف حل هذا اللغز مع عالم الأنثروبولوجيا التطوري من جامعة زيوريخ راحل بروغر. وضع العالمان بالتعاون مع زملائهما قردًا وحيدًا في غرفة، من ثم أسمعوه تسجيلات صوتية لقردة قشة أخرى عبر سماعة مخفية.

كانت المحادثة الصوتية التي سمعها إما إيجابية الطابع، مثل نداء مولود صغير من أجل الطعام واستجابة قرد بالغ بحنان، وإما كانت سلبية الطابع، كأن يتفاعل القرد البالغ مع المولود الصغير الجائع بكلام عنيف قاس. اعتمد العلماء تسجيلات صوتية تخص قردًا واحدًا بمفرده بمثابة عنصر معياري.

ثم وجه الباحثون كاميرا حساسة للأشعة تحت الحمراء نحو وجه قرد القشة بهدف قياس درجة حرارة أنفه – «أحد الأماكن الوحيدة من الوجه غير المغطاة بالشعر»، يقول بروغر.

فحص الباحثون 21 قردًا على امتداد 90 فصلًا كاملًا، بحثًا عن انخفاض في حرارة الأنف، ما يشير إلى انتباه القرد واهتمامه بالمحادثة المسجلة.

تصاعد انتباه القرد بشدة عند سماع التسجيلات الصوتية المتراكبة على العكس من سماعه تسجيلًا مفردًا لحيوان واحد، ما يشير إلى أنه (القرد) قد فهم التسجيلات المتراكبة على أنها محادثة بين كائنين، لا صوتًا مزعجًا فقط.

بعد سماع التسجيلات، أدخل العلماء القرد إلى غرفة تحوي مرآة مع بعض الدمى. وكون الرئيسيات لا تستطيع تمييز انعكاسها في المرآة، فمن المرجح أن تقترب منها وتتفاعل مع صورتها كأنه قرد غريب.

أيضًا، صمم الباحثون التجربة بأكملها ليظن القرد أن التسجيل الصوتي الذي سمعه لتوه قادم من غرفة المرآة وبالأخص من الانعكاس الظاهر على المرآة.

أخبر الباحثون أنه بعد سماع التسجيل الصوتي إيجابي الطابع، دخل القرد متحمسًا إلى الغرفة مسرعًا نحو المرآة ليتحدث مع الانعكاس.

لكن عند سماع التسجيل غير المتعاون سلبي الطابع، كان القرد مترددًا في الاقتراب من القرد الظاهر على المرآة. يخبر الباحثون في مجلة Science Advances أن القردة كانت أكثر اهتمامًا بالتفاعل مع القرد الغريب المتعاون.

تشير النتائج إلى أن قردة القشة ليس مجرد مراقب غير منفعل، بل يبني قراراته على ما يسمعه من الآخرين، مثل البشر تمامًا. يطمح العلماء أيضًا إلى استخدام تقنية التخطيط الحراري في البحث في مسائل أكبر تتعلق بأصل الصفات البشرية مثل الأخلاق.

ستنضم أيضًا العالمة سونيا كوسكي إلى الفريق، وتشير إلى أن استخدام القردة لفهم تطور السلوكيات البشرية «يعتمد على فكرة أن الحيوانات تفهم ما يجري حولها مع الآخرين، وقد أكد الباحثون بقوة هذه الحقيقة في هذه الدراسة».

 

اقرأ أيضًا:

كيف يتحول التبادل المنفعي بين الأنواع إلى معارك تطورية؟

ترجمة: يونس الجنيدي

تدقيق: نغم رابي

مراجعة: عون حدّاد

المصدر: sciencemag , sciencealert

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *