من البرية إلى مائدتنا: الجينات تروي قصة 60 مليون عام من تطور التفاح

كشفت مقارنة وتحليل جديدان لجينومات الأنواع التابعة لجنس التفاح (Manus) الذي يضم التفاح المزروع وأقاربه البرية، عن العلاقات التطورية بين هذه الأنواع، وكيفية تطور جينوماتها على مدى 60 مليون سنة تقريبًا.

تمكّن القائمون على الدراسة من تحديد تغيرات بنيوية بين الجينومات، وطوروا طرقًا لتحديد الجينات المرتبطة بصفات مرغوبة، مثل النكهة، ومقاومة الأمراض، والقدرة على تحمّل البرد، ما قد يُسهم في توجيه برامج تحسين وتربية التفاح مستقبلًا.

نُشرت الورقة العلمية التي توثّق هذا البحث في مجلة نيتشر جينيتيكس (Nature Genetics)، وأُنجزت الدراسة على يد فريق بحثي دولي ضمّ علماء أحياء من جامعة ولاية بنسلفانيا.

أوضح البروفيسور هونغ ما، أستاذ علم الأحياء في برنامج هاك لتطور النباتات وتكاثرها في كلية إيبرلي للعلوم بجامعة ولاية بنسلفانيا، وأحد المشاركين في إعداد الدراسة، أن جنس التفاح يضم نحو 35 نوعًا. ومع أن التفاح يُعد من المحاصيل الزراعية المهمة، إلا أن جينومات هذا الجنس لم تخضع لدراسات شاملة حتى الآن.

وأضاف: «في هذه الدراسة، أجرينا تحليلًا معمّقًا لجينومات التفاح، وبنينا شجرة عائلة لجنس التفاح، ووثقنا أحداثًا تطورية مهمة مثل تضاعف الجينوم الكامل وعمليات التهجين بين الأنواع. كما تمكنا من تحديد مناطق في الجينوم مرتبطة بصفات محددة، مثل مقاومة مرض جرب التفاح».

حلّل الفريق التسلسل الجيني الكامل ل 30 نوعًا من جنس التفاح Malus، من بينها صنف التفاح المزروع «غولدن ديليشس». وتبيّن أن 20 نوعًا منها ثنائي الصيغة الصبغية، أي تمتلك نسختين من كل كروموسوم كما هو الحال لدى الإنسان، في حين أن الأنواع العشرة المتبقية متعددة الصيغ الصبغية، وتحوي ثلاث أو أربع نسخ من كل كروموسوم، ويُرجّح أن يكون ذلك نتيجة لعمليات تهجين حديثة نسبيًا بين الأنواع الثنائية الصيغة وأنواع أخرى من الجنس نفسه.

وباستخدام تسلسل ما يقرب من 1,000 جين من كل نوع، أنشأ الباحثون شجرة نسب لجنس التفاح، ثم استعانوا بتحليل جغرافي تطوري لتحديد أصل هذا الجنس، الذي يرجح أنه نشأ في قارة آسيا قبل نحو 56 مليون سنة.

قال البروفيسور هونغ ما: «التاريخ التطوري لجنس التفاح معقد للغاية، إذ يتضمن العديد من حالات التهجين بين الأنواع، إلى جانب حدث تضاعف جينومي كامل مشترك، ما يجعل المقارنة بين الأنواع أمرًا صعبًا».

وأضاف: «أتاح لنا امتلاك جينومات عالية الجودة لهذا العدد الكبير من الأنواع، وفهم العلاقات التطورية بينها، الغوصَ أعمق في فهم كيفية تطوّر هذا الجنس».

ولغرض التوسع في تحليل تاريخ وتطور جينومات جنس التفاح، اعتمد الفريق منهجية تحليلية تُعرف باسم علم الجينوم الشامل (pan-genomics). يرتكز هذا المنهج على إجراء مقارنة موسّعة تشمل الجينات المشتركة (أو المحفوظة تطوريًا) إلى جانب تسلسلات أخرى مثل الجينات القافزة (transposons)، وهي مقاطع من الحمض النووي قادرة على التنقل داخل الجينوم، إضافة إلى جينات لا تظهر إلا في عدد محدود من الأنواع دون غيرها.

تُتيح تحليلات الجينوم الشامل دمج المعلومات الوراثية من مجموعة مترابطة من الأنواع لفهم أوجه التشابه والاختلاف في تطورها، ويُسهِم استخدام أداة رسم خرائط الجينوم الشامل  (pan-genome graph tool)  في تبسيط هذا النوع من التحليل وتعزيزه بشكل كبير.

قال البروفيسور هونغ ما: «كان استخدام الجينوم الشامل ل 30 نوعًا أداة فعالة في الكشف عن التغيرات البنيوية، مثل تكرار الجينات وإعادة ترتيبها، والتي قد لا يتم اكتشافها من خلال مقارنة عدد محدود من الجينومات».

وأضاف: «في هذه الحالة، مكّننا أحد المتغيرات البنيوية المكتشفة من تحديد الجزء من الجينوم المسؤول عن مقاومة مرض جرب التفاح، وهو مرض فطري يصيب التفاح في جميع أنحاء العالم».

طور الفريق أيضًا أداة لتحليل الجينوم الشامل بهدف البحث عن دلائل على ما يُعرف بالمسح الاصطفائي (selective sweep)، وهي عملية ترتفع فيها وتيرة صفة وراثية مفيدة بسرعة داخل مجموعة سكانية.

وباستخدام هذه المنهجية، تمكن الباحثون من تحديد منطقة في الجينوم مسؤولة عن مقاومة البرد والأمراض في الأنواع البرية لجنس التفاح، ويُحتمل أن تكون هذه المنطقة مرتبطة أيضًا بمذاق غير مستحب في الثمار.

قال البروفيسور هونغ ما: «يُحتمل أن تكون محاولات تحسين مذاق ثمار التفاح قد أدّت، دون قصد، إلى تقليص قدرتها على تحمّل الظروف البيئية القاسية». وأضاف: «إن فهم التغيرات البنيوية في جينومات جنس التفاح، إلى جانب العلاقات التطورية بين أنواعه وتاريخ التهجين فيما بينها، باستخدام تحليل الجينوم الشامل، يمكن أن يُوجّه مستقبلًا برامج تربية التفاح نحو تحقيق توازن بين الطعم الجيد ومقاومة الأمراض».

ترجمة: علاء شاهين

المصدر: phys.org

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *