تعرية الأنهار يمكن أن تؤثر على تطور الأسماك

تعرية الأنهار يمكن أن تؤثر على تطور الأسماك.

إذا استعدنا شريط تطور الأنواع حول العالم على مدى مئات الملايين من السنين وأسقطناه حتى زمننا الراهن، فسنرى تجمعات التنوع البيولوجي حول مناطق الاضطرابات التكتونية. المناطق النشطة تكتونيًا كجبال الهيمالايا والأنديز غنية بشكل خاص بالنباتات والحيوانات بسبب مناظرها الطبيعية المتغيرة التي تعمل على تقسيم الأنواع وتنويعها بمرور الوقت.

لكن التنوع البيولوجي يمكن أن يزدهر أيضًا في بعض المناطق الأكثر هدوءًا جيولوجيًا، حيث لم تتحرك الطبقات التكتونية منذ آلاف السنين. تعد جبال الأبالاش مثالًا رئيسيًا على ذلك: لم تشهد سلسلة الجبال هذه الكثير من النشاط التكتوني على مدى مئات الملايين من السنين، ومع ذلك تعد المنطقة نقطة ساخنة بارزة للتنوع البيولوجي للمياه العذبة.

تحدد حاليًا دراسة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا عملية جيولوجية قد تشكل تنوع الأنواع في المناطق غير النشطة تكتونيًا. في ورقة بحثية نُشرت في Science، أفاد الباحثون أن انحسار الأنهار يمكن أن يكون محركًا للتنوع البيولوجي في هذه البيئات الأقدم والأهدأ.

يناقش العلماء قضيتهم في جبال الأبلاش الجنوبية، وتحديداً حوض نهر تينيسي، وهي منطقة معروفة بتنوعها الهائل بأسماك المياه العذبة. وجد الفريق أنه مع حت مساري الأنهار عبر أنواع الصخور المختلفة في المنطقة، دفعت المناظر الطبيعية المتغيرة نوعًا من الأسماك المعروف باسم النبّال أخضر الزعانف «Greenfin Darter» إلى روافد مختلفة للنهر. بمرور الوقت، تطورت هذه المجموعات المنفصلة إلى سلالات مميزة خاصة بها.

يتكهن الفريق بأن التعرية ربما دفعت أسماك النبّال أخضر الزعانف كي تتنوع. رغم أن المجموعات المنفصلة تبدو متشابهة ظاهريًا من حيث زعانف النبّال أخضر الزعانف الفريدة، إلا أنها تختلف اختلافًا جوهريًا في تركيبتها الجينية. في الوقت الحالي، يتم تصنيف المجموعات المنفصلة على أنها نوع واحد.

تقول مايا ستوكس الحائزة على درجة الدكتوراه «إذا ما منحنا عملية التعرية مزيدًا من الوقت، أعتقد أن هذه السلالات المنفصلة ستصبح أنواعًا قائمة بحد ذاتها». ستوكس نفذت جزءًا من العمل كطالبة دراسات عليا في قسم علوم الأرض والغلاف الجوي والكواكب (EAPS) في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.

قد لا يكون النبّال أخضر الزعانف النوع الوحيد الذي يتنوع نتيجة حت الأنهار. يعتقد الباحثون أن التعرية ربما دفع العديد من الأنواع الأخرى إلى التنوع في جميع أنحاء الحوض، وربما مناطق أخرى غير نشطة تكتونيًا حول العالم.

يقول تايلور بيرون، أستاذ علوم الأرض والغلاف الجوي والكواكب في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، سيسيل وإيدا غرين: «إذا استطعنا فهم العوامل الجيولوجية التي تساهم في التنوع البيولوجي، فيمكننا القيام بعمل أفضل للحفاظ عليه»

يشمل المؤلفون المشاركون في الدراسة متعاونين في جامعة ييل وجامعة ولاية كولورادو وجامعة تينيسي وجامعة ماساتشوستس في أمهيرست وسلطة وادي تينيسي .ستوكس حاليا أستاذة مساعدة في جامعة ولاية فلوريدا.

الأسماك على الأشجار

انبثقت الدراسة الجديدة عن دكتوراه ستوكس. عملت في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، حيث كانت هي وبيرون يستكشفان الصلات بين الجيومورفولوجيا (دراسة كيفية تطور المناظر الطبيعية) وعلم الأحياء. صادفا عملًا في جامعة ييل من تأليف توماس نير، الذي يدرس سلالات أسماك المياه العذبة في أمريكا الشمالية. يستخدم نير بيانات تسلسل الحمض النووي التي تم جمعها من أسماك المياه العذبة عبر مناطق مختلفة من أمريكا الشمالية لإظهار كيف تطورت وتمايزت أنواع معينة بالتوازي مع الأنواع الأخرى.

نوه نير لملاحظة مثيرة للفضول: تبين خريطة توزع الموائل الخاصة بالنبّال أخضر الزعانف أن السمكة تم العثور عليها في حوض نهر تينيسي، إنما فقط في النصف الجنوبي منه. علاوة على ذلك، كان لدى نير بيانات تسلسل الحمض النووي للميتوكوندريا تظهر أن مجموعات الأسماك بدت مختلفة في تركيبها الجيني وفقًا للرافد الذي تم العثور عليها فيه.

وللتحقق من أسباب هذا النمط، جمعت ستوكس عينات من الأنسجة الرقيقة للنبّال أخضر الزعانف من مجموعة نير الواسعة في جامعة ييل، وكذلك عينات ميدانية بمساعدة زملائها في سلطة وادي تينيس. ثم قامت بتحليل تسلسلات الحمض النووي عبر الجينوم بأكمله، وقارنت جينات كل سمكة بأقرانها في مجموعة البيانات. قام الفريق بعد ذلك بإنشاء شجرة فيلوجينية من ربت الزعانف الخضراء، بناءً على التشابه الجيني بين الأسماك.

لاحظوا أن الأسماك الموجودة داخل أحد الروافد كانت مرتبطة ببعضها البعض أكثر من ارتباطها بأسماك الروافد الأخرى. علاوة على ذلك، كانت الأسماك الموجودة داخل الروافد المجاورة أكثر تشابهًا مع بعضها البعض من تشابهها مع الأسماك من الروافد البعيدة.

يقول بيرون «السؤال الذي طرحناه، هل كان من الممكن وجود آلية جيولوجية قسمت هذا النوع بمرور الزمن إلى مجموعات مختلفة ومتفردة وراثيًا؟»

منظر طبيعي آخذ بالتغير

بدأت ستكوس وبيرن ملاحظة «ارتباط وثيق» بين موائل النبّال أخضر الزعانف ونوع الصخور بأماكن تواجدها. على وجه الخصوص، يتكون النصف الجنوبي من حوض نهر تينيسي من الصخور المتحولة حيث تكثر الأنواع، بينما يتكون النصف الشمالي من الصخور الرسوبية حيث لا توجد الأسماك.

لاحظا أيضًآ أن الأنهار التي تمر عبر الصخور المتحولة تكون أكثر انحدارًا وضيقًا، ما يؤدي عمومًا إلى اضطراب أكبر في المياه، الأمر الذي تفضله الأساك ذات الزعانف الخضراء. تساءل الفريق: هل يمكن أن يكون توزيع الموائل الخضراء الزعانف قد تم تشكيله من خلال المناظر الطبيعية المتغيرة لنوع الصخور، حيث تآكلت الأنهار في الأرض بمرور الوقت؟

للتحقق من هذه الفكرة، طور الباحثون نموذجًا لمحاكاة كيفية تطور المناظر الطبيعية مع حت الأنهار عبر أنواع الصخور المختلفة. أدخلوا المعلومات النموذجية حول أنواع الصخور في حوض نهر تينيسي، ثم قاموا بتشغيل المحاكاة مرة أخرى لمعرفة كيف كان للمنطقة ذاتها أن تبدو قبل ملايين السنين عندما تم الكشف عن المزيد من الصخور المتحولة.

ثم قاموا بتشغيل النموذج إلى الأمام ولاحظوا كيف تقلص تعرض الصخور المتحولة بمرور الوقت. أخذوا ملاحظات خاصة عن مكان وزمن تحول الروابط بين الروافد إلى صخور غير متحولة، مما يمنع الأسماك من المرور بين تلك الروافد.

وضعوا خطًا زمنيًا بسيطًا لأحداث الفصل بين مجموعات لأسماك وقارنوه بشجرة الوراثة العرقية للنبّال أخضر الزعانف المفترق عن نوعه الأساسي. كان الاثنان متشابهين بشكل ملحوظ: يبدو أن الأسماك شكلت سلالات منفصلة بالتزامن مع انفصال روافدها عن روافد النهر الأخرى.

تقول ستوكس: «هذا يعني أنه من المعقول أن عمليات التعرية من خلال طبقات الصخور المختلفة تسببت في العزلة بين مجموعات مختلفة من النبّال أخضر الزعانف وتسببت في تنوع السلالات».

 

ترجمة: حاتم زيداني

المصدر: phys.org

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *