تطور جائحة الطاعون

خلال الصيف، أعلن الباحثون أنهم حددوا مصدر جائحة مميتة. قد يبدو هذا وكأنه قصة أخرى عن جائحة COVID-19، ولكن في الواقع، لم يركز البحث على الخفافيش في الصين في عام 2019، بل على شواهد القبور في قيرغيزستان حوالي عام 1340.

قتل الموت الأسود، وهو اندلاع للطاعون الدبلي، ما يقدر بـ 60% من سكان أوروبا الغربية وآسيا في أقل من 10 سنوات. ينتج الطاعون الدبلي عن جراثيم اليَرْسَنِيَّةُ الطَّاعونِيَّة (Yersinia pestis)، والتي يمكن أن تنتشر من خلال لدغات البراغيث التي تنقل الجرثومة من حيوان مصاب إلى آخر، ومباشرة من شخص لآخر أيضًا.

ما يزال هذا الوباء موجودًا عند القوارض والحيوانات الصغيرة الأخرى حول العالم اليوم، لكننا الآن نعالج المرض بالمضادات الحيوية ونفهم انتقاله جيدًا بما يكفي للحد من تفشي المرض. ومع ذلك، ما تزال هناك العديد من الأسئلة حول الوباء الأكثر فتكًا في أواخر العصور الوسطى. إنها ألغاز يبدو أن المقابر القديمة تحمل أدلة على حلها …

أين التطور من هذا؟

حُفرت المقابر بالقرب من بحيرة إيسيك كول في قيرغيزستان الحديثة لأول مرة في أواخر القرن التاسع عشر. لطالما اشتبه الباحثون في أن الطاعون الدبلي كان مسؤولًا عن الكثير من الموتى هناك، ودعم البحث الجديد هذه الفكرة بشكل أكبر. يرجع تاريخ عدد كبير بشكل غير عادي من المدافن إلى عامي 1338 و1339، قبل الموت الأسود في أوروبا مباشرة، وتحدد بعض نقوش شواهد القبور أن سبب الوفاة هو «وباء». للحصول على المزيد من الأدلة المباشرة، بحث العلماء عن الحمض النووي القديم في البقايا البشرية التي نقبوا عنها ووجدوا ما كانوا يبحثون عنه: التسلسلات الجينية من اليَرْسَنِيَّةُ الطَّاعونِيَّة، والتي شكلت دليلًا واضحًا على الطاعون الدبلي.

بالنسبة للتوقيت، بدا من المعقول أن يكون وباء الطاعون الذي ضرب قيرغيزستان القديمة في عامي 1338 و1339 قد انتشر غربًا، مما أدى إلى اندلاع الموت الأسود في أوروبا وغرب آسيا وشمال إفريقيا في عام 1346، لكن هذه الأدلة هي أدلة ظرفية. تتطلب الإجابة الأكثر تحديدًا تفكيرًا تطوريًا.

جمع الباحثون تسلسلات الحمض النووي لليَرْسَنِيَّةُ الطَّاعونِيَّة من أماكن وأزمنة أخرى، بما في ذلك تسلسلات الحمض النووي القديمة الأخرى التي كانت بوضوح جزءًا من الموت الأسود وتسلسلات من سلالات حديثة من اليَرْسَنِيَّةُ الطَّاعونِيَّة. استخدموا ذلك لبناء شجرة تطورية، أو سلالة توضح كيف ترتبط جميع السلالات المختلفة ببعضها البعض. دعمت الشجرة البحث السابق، الذي وجد أن هناك العديد من السلالات الحديثة المختلفة (الفروع 0، 1، 2، 3، 4 على الشجرة أدناه)، وتسلسلات بكتيريا اليَرْسَنِيَّةُ الطَّاعونِيَّة التي سببت الموت الأسود (باللون الأزرق أدناه) متجمعة في فرع واحد. ترتبط تسلسلات بكتيريا اليَرْسَنِيَّةُ الطَّاعونِيَّة التي سببت الموت الأسود، بالإضافة إلى تلك التي حدثت لاحقًا عند تفشي المرض في أوروبا (باللون الأخضر أدناه) ارتباطًا وثيقًا وهي في الواقع أقرب الأقارب لبعضها البعض. يشير هذا إلى أن الموت الأسود وما حدث لاحقًا من تفشي الطاعون الدبلي لم يكن ناتجًا عن غزوات متعددة لسلالات مختلفة قليلاً من اليَرْسَنِيَّةُ الطَّاعونِيَّة من مناطق مختلفة، ولكن حدث واحد أدت فيه سلالة من السلالات إلى انتشار جائحة من ثم بقائها واستمرار تنوعها.

وضع التحليل التطوري تسلسل الحمض النووي لليَرْسَنِيَّةُ الطَّاعونِيَّة من قبور قيرغيزستان (باللون الوردي أعلاه) في عقدة مركزية للشجرة، بين الفروع 2 و3 و4 وتسلسلات الموت الأسود. يعني هذا أن الحمض النووي لليَرْسَنِيَّةُ الطَّاعونِيَّة من قبور قيرغيزستان يطابق تمامًا التسلسل الذي نتوقع أن يكون لدى السلف التطوري لسلالة اليَرْسَنِيَّةُ الطَّاعونِيَّة التي سببت الموت الأسود (بالإضافة إلى سلف الفروع 2 و3 و4). هذا دليل قوي على أن سلالة اليَرْسَنِيَّةُ الطَّاعونِيَّة التي تسببت في الموت الأسود مرت عبر المجتمعات المحيطة ببحيرة إيسيك كول قبل الوصول إلى أوروبا، في نوع من الطاعون «المسبق».

لمحاولة معرفة مكان وجود سلالة الطاعون قبل إصابة الناس بالقرب من بحيرة إيسيك كول، بحث العلماء عن تسلسل الحمض النووي لليَرْسَنِيَّةُ الطَّاعونِيَّة الذي تفرّع من الشجرة قبل ظهور تسلسل طاعون قيرغيزستان. تمثل هذه السلالات الأخرى من اليَرْسَنِيَّةُ الطَّاعونِيَّة القديمة (طاعون ما قبل الطاعون) السلالات التي أدت إلى ظهور طاعون قيرغيزستان. يمكنك مشاهدتهم على الشجرة على أنهم سلالات 0.ANT سوداء. جاءت هذه السلالات، السلالة الحديثة لسلالة اليَرْسَنِيَّةُ الطَّاعونِيَّة السابقة بشكل أساسي من الحيوانات البرية القريبة جدًا من موقع قرغيزستان. يشير هذا إلى أن طاعون قيرغيزستان ربما نشأ محليًا، وامتد من مجموعات الغرير المحلية إلى السكان، ومن هناك انتقل غربًا.

نظرًا لأن موقع قرغيزستان قريب أيضًا من طرق التجارة القديمة بين شرق آسيا وأوروبا، يفترض الباحثون أيضًا أن التجارة ربما لعبت دورًا في انتشار هذه السلالة من البكتيريا من قيرغيزستان إلى أوروبا وشمال إفريقيا، حيث تسببت في حدوث جائحة أدت إلى ما لا يقل عن 10 أضعاف الوفيات التي سببها فيروس COVID-19 حتى الآن. يمكن أن تساعدنا النظرية التطورية في فهم الظروف التي أدت إلى الأوبئة الماضية، على أمل أن نتمكن من استخدام هذه المعرفة لمنعها بشكل أفضل في المستقبل.

 

ترجمة: ولاء سليمان

المصدر: evolution.berkeley

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *