تحليل لحمض نووي لإنسان قديم يظهر كيف غيرت الزراعة من طولنا وعملية الهضم ولون البشرة

قام العلماء للمرة الأولى بتحليل حمض نووي قديم يعود لبشر عاشوا قبل وخلال وبعد ثورة اكتشاف الزراعة، مما سمح للعلماء بوضع مخطط للطريقة التي تغير بها جينوم أسلافنا كاستجابة لتلك التغيرات المجتمعية.

من المعروف منذ وقت طويل أن الزراعة غيرت البشر للأبد وصولًا إلى الحمض النووي، ولكن حتى يومنا هذا يمكن تتبع هذه التغيرات جُملةً عن طريق النظر إلى الاختلافات الوراثية بين السكان اليوم، والتي هي ببساطة أصداء ونتائج لما حدث في الماضي.

يفتح هذا البحث الجديد المجال أمام العلماء لمعرفة التغيرات بطريقة أقرب لتلك التي حدثت بها في وقتها الفعلي.

يقول لين ماثيسون (Iain Mathieson ) الباحث الرئيسي ( يتيح لنا هذا البحث أن نحدد التاريخ الذي حدث فيه الانتقاء الطبيعي، و ربط هذا الانتقاء الطبيعي بتغيرات بيئية معينة، والتي هي في هذه الحالة: تطوير الزراعة، انتشار المزارعين الأوائل في أنحاء أوروبا.)

قام الفريق باستخدام تقنيات جديدة لاستخلاص الحمض النووي من بقايا الإنسان القديم، وصنع قاعدة بيانات جينية ل230 إنسان قديم عاشوا في أنحاء مختلفة من أوروبا في فترات بين 2300 و8500 عام مضى.

وبتحليل جينوم هذه العينات استطاع العلماء تحديد 12 منطقة معينة تغيرت في الجينوم خلال وبعد الانتقال من مرحلة المجتمعات البدائية حيث الصيد وجمع الثمار، إلى مرحلة الزراعة.

ووجد العلماء أن بعض هذه التغيرات تقع بالقرب من أو في مناطق من الجينوم مرتبطة بالطول، والقدرة على هضم سكر اللاكتوز، وأيض الأحماض الدهنية، وإعطاء لون البشرة الفاتح، ولون العين الأزرق- ولم يكن أمرًا مفاجئًا لأن جميع تلك الصفات هي الصفات المرتبطة بتحولنا إلى مجتمعات قائمة على الزراعة.

ولكن هذا البحث الجديد أمدنا برؤية أوسع مما كانت لدينا في أي وقت مضى حول كيف ومتى تكيف البشر القدماء على حياة الزراعة. أحد النتائج الكبرى لهذا البحث تشير إلى أن الجين الذي يسمح للبالغين بهضم الحليب لم يصبح شائعًا إلا منذ حوالي 4000 سنة مضت، أي بعد آلاف السنين مما كنا نعتقد سابقًا.

أظهرت الدراسة أيضًا أن المزارعين الأوائل كانوا ذوي بشرة داكنة، حتى أصبح جين البشرة الفاتحة أكثر شيوعًا منه بمرور آلاف السنين، وأشار أحد الباحثين في هذه الدراسة »دايفيد رايخ- David Reich «إلى أن هذا ربما يعود إلى تناول الإنسان المزارع كميات أقل من اللحوم مما كان يأكله الإنسان البدائي (الصياد وجامع الثمار)، مما قلل من كمية فيتامينD التي تدخل إلى الجسم، وهذا الفيتامين يمكن الحصول عليه أيضًا من التعرض لأشعة الشمس، ولكن البشر ذوي البشرة الداكنة يحصلون على كمية أقل من فيتامين D عند التعرض لأشعة الشمس من ذوي البشرة الفاتحة، مما كان ليضعف من بنيتهم لو ظلوا ببشرتهم الداكنة.

ومن التغيرات الكبرى أيضًا زيادة نشاط جهاز المناعة لدينا، الأمر الذي يبدو معقولًا بسبب زيادة شيوع الأمراض بصورة كبيرة، تلك الزيادة التي صاحبت فترة بداية الزراعة. ايضا تضمن العصر الحجري الحديث- Neolithic period -الذي اكتشفت فيه الزراعة- زيادة في كثافة السكان بسبب عيش الناس على مقربة من بعضهم البعض واستئناس الحيوانات، يستطرد ولفجانج هاك (Wolfgang Haak ) باحث بالفريق (على الرغم من أن هذه النتائج لم تكن مفاجئة كليًا بالنسبة لنا، إلا أنه من الرائع أن نرى كيف حدثت عمليات الانتقاء وقت حدوثها، بدلًا من رؤية نتائجها فقط).

كما يدعم الباحثون الفرضية القائلة بأن المزارعين الذين عاشوا في الأناضول-تركيا في وقتنا الحالي- هم من نقل الزراعة إلى أوروبا، ومعها جينات الِقَصر إلى جنوب أوروبا. أما سكان شمال أوروبا فهم طوال القامة جدًا؛ لأن لديهم انساب أكثر مع سكان السهوب الأوراسية.

ولكن على الرغم من أن حجم تلك العينة المكونة من 230 عينة لانسان مات قديما يبدو مثيرًا للإعجاب عند الحديث عن افراد ماتوا منذ فترة طويلة، إلا أنها ليست كبيرة إلى هذا الحد بالنظر إلى المقاييس العلمية، حيث لم يجد العلماء العدد الذي كانوا يريدونه. على سبيل المثال لم يكن لديهم ما يكفي من الأدلة للتوصل إلى استنتاج ما إذا كانت الجينات التي تساهم في مرض السكري من النوع الثاني أم ارتفاع مؤشر كتلة الجسم هي التي تم اختيارها خلال التحول إلى الزراعة.

والآن يتطلع الفريق إلى دراسة مزيد من الأحماض النووية القديمة في محاولة للحصول على فكرة أفضل للطريقة الدقيقة التي انتهينا بها إلى ما نحن عليه اليوم، وكيف هاجر أسلافنا وتخالطوا في أرجاء المعمورة.

ظلت الكيفية التي وصل بها البشر إلى ما نحن عليه الآن لغزًا كبيرًا لفترة طويلة، سواءً من حيث كيفية انتقال اسلافنا وامتزاجهم، أو الكيفية التي طوروا بها تلك التعديلات التي ساعدت على البقاء بصورة أفضل ولو قليلًا في البيئات المختلفة التي نعيش فيها. والآن وبعد أن صار الحمض النووي للإنسان القديم متاحًا لنا على نطاق واسع وعينات كبيرة الحجم نسبيًا، أصبحت لدينا أداة جديدة وغير عادية لدراسة مثل هذه المسائل.

تم نقل المقال من مجلة الباحثون المصريون بالتصرف.

اقرأ أيضًا: اكتشاف تحول في النظام الغذائي لأسلافنا البشر مبكرا عما اعتقد سابقا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *