أقدم تسجيل لحيوان برمائي يطلق لسانه بسرعة خيالية

ينتمي إلى الأسلاف التي أتت منها الضفادع الحديثة والسلمندر والضفادع الثعبانية.. وربما يخبرنا بالمزيد عن صفات أجداد البرمائيات الحديثة

في عام 2016، نشر جوان ديجو دازا -أستاذ البيولوجي المساعد بجامعة سام هوستون- دراسة سجل فيها -وفق اعتقاده آنذاك- حفرياتٍ نادرةً لبعض السحالي المحفوظة في الكهرمان في “مينامار” من 99 مليون سنة، واحدةٌ من تلك الحفريات المحفوظة في الكهرمان حيرت الفريق البحثي، في ظل خصائصها التشريحية التي كانت مختلفةً بعض الشيء؛ بسبب وجود عظم لسان متخصص، واستقر العلماء حينها على أنها حرباء صغيرة.

لكن دراسة حديثة، نشرتها دورية “ساينس” (Science)، وأجراها باحثون من متحف فلوريدا للتاريخ الطبيعي وجامعتي “سام هوستون” و”لندن كولدج”، فكت طلاسم تلك الحيرة.

عندما قرأت سوزان إيفان -أستاذ الحفريات بجامعة لندن كولدج، وهي من القائمين على الدراسة الحالية- البحث الذي نشره “دازا” عن الحرباء أدركت على الفور أنها ليست حرباء، بل هي واحدة من أكثر الحفريات غموضًا، وتُعرف باسم “ألبانيريتويدز” (Albanerpetontids)؛ ويُطلَق عليها اختصارًا “ألبي”.

Credit:Edward Stanley/Florida Museum of Natural History/VGStudioMax3.4

تقول “إيفان” في تصريحات لـ”للعلم”: أرسلت بريدًا إلكترونيًّا إلى “دازا” لمناقشته حول وجهة نظري حول مجموعة الـ”ألبانتيرويدز”، وهي من أكثر الحفريات غموضًا إلى الآن؛ إذ إن لديها مزيجًا من الصفات المشتركة بين الزواحف والبرمائيات، وتتميز الـ”ألبانتيرويدز” بوجود حراشف على جلدها ومخالب قرنية مثل السحالي، كما أن لديها أيضًا مفصل رقبة أكثر تعقيدًا من البرمائيات الحديثة، واثنين من الأضلاع (الأضلاع العجزية) تربط الحوض بالعمود الفقري (الضفادع والسلمندر لها ضلع عجزي واحد).

اكتسب الأمر مزيدًا من الإثارة، خاصةً بعدما تواصل “إيه بيريتي” -المتخصص في الأحجار الكريمة- مع “دازا”، مخبرًا إياه بأن لديه مجموعة من حفريات السحالي المحفوظة في الكهرمان من المنطقة نفسها في مينامار. وعلى الفور أرسل “دازا” و”بريتي” العينات إلى جامعة تكساس لعمل أشعة مقطعية لها (الأشعة المقطعية إحدى الطرق الفعالة في دراسة الحفريات الفقارية لتوضيح الأجزاء الداخلية للحفرية والتي لا يمكن مشاهدتها من الخارج).

عندما أجرى “دازا” الفحص بالأشعة المقطعية لمعت عيناه، إذ وجدَ واحدةً من العينات المحفوظة تمثل جمجمةً كاملة لأحد الـ”ألبانتيرويدز” البالغة. ففي كثير من الأوقات تتمعدن الحفريات الموجودة بالكهرمان وتُشوه الأنسجة الرخوة بطريقة لا يمكن دراستها.

يقول إدوارد ستانلي –المؤلف المشارك في الدراسة، ومدير متحف فلوريدا للتاريخ الطبيعي- في البيان الصحفي المُصاحب للدراسة: هذه العينة لم تكن ثلاثية الأبعاد فحسب، بل كانت في حالة جيدة جدًّا، كان كل شيء حيث يُفترض أن يكون، وحتى الأنسجة الرخوة كانت محفوظةً بشكل جيد، بما في ذلك وسادة اللسان وأجزاء من عضلات الفك والجفون.

عندما عرض “دازا” الأشعة المقطعية على “إيفان”، انبهرت من كم التفاصيل الغنية الموجودة بالعينات، خاصةً أنه كانت هناك صفات تُعرف لأول مرة.

وخلُص العلماء في دراستهم إلى أن العينة تعود إلى “ألبي” منقط، وأن طبيعة هذه الحيوانات حفّارة، ولا أحد يتوقع أنها تعيش حياةً تُشبه حياة الحرباء.

للحرباء لسانٌ يُعد أحد أسرع العضلات في المملكة الحيوانية، ويمكن أن ينطلق من 0 إلى 60 ميلًا في الساعة في جزء من مئة جزء من الثانية في بعض الأنواع. وتحصل على سرعتها من عضلة متخصصة تخزن الطاقة ثم تطلق اللسان المرن بتأثير الارتداد، في ظاهرة تشبه استخدام المنجنيق في الحروب الأولى.

لكن الجديد هنا أن الـ”ألبي” المُكتشف، والذي أُطلق عليه (Y. perettii)، لديه هذا اللسان؛ لذا فإن الميزة أقدم بكثير من الحرباء الأولى بملايين السنين، إذ ظهرت الحرباء في السجل الحفري قبل 120 مليون سنة، أما عمر الـ”ألبانيريتويدز” فلا يقل عن 165 مليون سنة، على الرغم من أن “إيفانز” قال إن سلالتهم يجب أن تكون أقدم بكثير؛ إذ نشأت منذ أكثر من 250 مليون سنة.

تقول إيفان”: رغم الصفات المحيرة لهذه المجموعة، يمكننا القول بأن الـ”ألبانتيرويدز” هي الأسلاف التي أتت منها الضفادع الحديثة والسلمندر والضفادع الثعبانية، ولدى الـ”ألبانتيرويدز” القدرة على إخبارنا المزيد عن صفات أجداد البرمائيات الحديثة؛ فقد عاشت جنبًا إلى جنب مع الضفادع الحديثة والسلمندر والضفادع الثعبانية، ولم نفقدها في السجل الحفري إلا منذ مليوني سنة.

وتتابع: في الوقت الحالي، يشير السجل الحفري إلى أن وجود الـ”ألبانتيرويدز” اقتصر على أجزاء من جنوب أوروبا في العصر الجليدي، لكننا لا نعرف ما إذا كان ذلك بسبب التغيرات المناخية أو المنافسة مع كائنات أخرى، ما نحتاج إلى فعله هو متابعة سجل الـ”ألبانتيرويدز” بعناية على مدار العشرين مليون سنة الماضية؛ لمعرفة ما إذا كان بإمكاننا اكتشاف نمط لانخفاض النطاق، ما قد يوفر لنا دليلًا حول سبب انقراضها.

تم نقل المقال من Scientific American بالتصرف.

اقرأ أيضًا: طول أجنة قرش «الميجالدون» بلغ مترين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *