دراسة تكشف عن التغيرات التي طرأت على أدمغة الكلاب عبر القرون بفعل البشر

هل نظرت إلى كلبك يومًا وتساءلت لماذا يختلف عن كلب الجيران في قدراته وسلوكياته؟ وإن كانت إجابتك هو أنه من سلالة مختلفة، هل تعرف كيف ظهرت سلالات مختلفة من الكلاب؟، ومن الذي تسبب في ذلك؟ وهل نختلف أدمغة الكلاب عن بعضها؟ لنعرف ذلك معًا من إيرين هيشت الباحثة المتخصصة في الكلاب، التي خرجت علينا بدراسة جديدة تجيب على هذا السؤال.

التفاوت الكبير:

الكلاب حيوانات غريبة الأطوار، تتفاوت أحجامها من الضخم كالكلاب من نوع نيوفاوندلاند حتى الصغير منها كالمعجزة ميلي، تلك الكلبة من نوع تشيواوا التي دخلت موسوعة غينيس للأرقام القياسية كأقصر كلبة في العالم بطولها الذي لا يتجاوز 10 سنتيمترات.

كلب الداشهند

تختلف مهارات الكلاب باختلاف نوعها؛ فالبعض من سلالات الكلاب عداء سريع، والآخر بارع في القفز أو سباح ماهر أو حفار، لدى البعض منها حاسة شم دقيقة كالكلاب البوليسية، بينما البعض الآخر كالكلاب السلوقية تعتمد بشكل رئيسي على حاسة بصر قوية للقيام بعمليات الصيد. كلاب البوردر كولي بارعة في رعي القطعان، أما كلاب جاك راسل تلاحق الثعالب حتى جحورها.

ما الذي حدث؟

اهتم البشر بالكلاب منذ ما يقرب 15000 عام وصولًا للعصر الفيكتوري الذي وصل فيه البشر في إنجلترا بل وأوروبا لمرحلة الهوس بتهجين الكلاب لإنتاج سلالات جديدة منها نجد بعضها مُصورًا في لوحات البورتريه المحفوظة من تلك الحقبة، إذ اتجه الأثرياء لاقتناء الكلاب أو تهجينها سعيًا للشهرة والمال.

نتج عن هذا التهجين حدوث ما يُعرف في علم البيولوجيا التطورية باسم ”الاصطفاء الصناعي“؛ الذي أدى لتغير أنواع من الكلاب وإنتاج سلالات متفردة متباينة الأشكال والأحجام بأعداد تفوق ذلك في أي حيوان آخر تقريبًا من عالم الحيوان.

اليوم، وجد العلماء الدليل الأول على أن جميع هذه التغيرات الانتقائية لم تحدث تغييرًا في أحجام وأشكال وألوان وسلوكيات الكلاب فقط، إنما قد غيرت أيضًا الطريقة التي تتشكل بها أدمغتهم.

كلب الهاسكى

في مطلع أيلول/ سبتمبر الجاري، نُشر بحث في دورية علم الأعصاب الأسبوعية الأمريكية يحتوي تصويرًا بالرنين المغناطيسي أُجري على 62 كلبًا سبق لهم دخول المستشفى البيطري التعليمي بجامعة جورجيا في الولايات المتحدة لإجراء فحوصات عصبية.

تنوعت الكلاب بين 33 سلالةً خرجت جميعها من المستشفى دون تسجيل أي مشاكل في صحتها العقلية، لكن بهذا العدد من صور الرنين المغناطيسي أصبح لدى العلماء كنزًا دفينًا استخدمه بعضهم في الوصول لنتيجة هامة.

«هل تختلف أدمغة الكلاب من سلالة لأخرى؟»

كان هذا هو السؤال الأول الذي شغل دماغ المسؤولة الأولى عن الدراسة إيرين هيشت عالمة الأعصاب التي تدرس الإدراك المعرفي للكلاب بجامعة هارفارد.

اطلعت هيشت وفريقها المساعد من الباحثين على المناطق الدماغية المختلفة للكلاب من خلال التصوير بالرنين المغناطيسي الذي أُجري عليها، فاحصين الشبكات العصبية بأدمغتها إلى أن وجدوا بالفعل اختلافات واضحة جدًا بين أدمغة الكلاب مثل الداشهند عن أدمغة كلاب الدوبيرمان، ما أوصل الباحثين للاستنتاج بأن هنالك اختلاف في الشبكات العصبية بين السلالات المختلفة للكلاب.

وبالفحص تمكنوا من حصر ستة شبكات عصبية تشكل ما أسموها ”خارطةً عصبيةً“ له علاقة بوظائف محددة كحاسة الشم أو الإحساس بالحركة، ثم وجدوا ارتباطًا وثيقًا بين شكل هذه الشبكات والسمات المشتركة لكل سلالة، أي أن سلوك سلالة ما من الكلاب يرجع إلى النمط الذي يبرز في أدمغتها من هذه الشبكات أو بشكل آخر؛ سلوك الكلب يرجع إلى الخارطة العصبية الخاصة بسلالته.

كلب اللابرادور

كلبك يفعل هذا لأن جهازه العصبي مختلف عن كلب الجيران

أوضحت هيشت بهذه الدراسة أنه يمكننا الاستنتاج بأن هذه الاختلافات في التشريح الدماغي للكلاب التي حدثت بسبب الاصطفاء الصناعي أنتجت لنا ما نراه من أنواع مختلفة من الكلاب، التي تجيد مهارات سلوكية معينة مثل مهارة الصيد ورعي الماشية والحراسة.

يساعد هذا الاستنتاج المُكتشف على توضيح السبب الذي يجعل كل سلالة من الكلاب تسلك سلوكًا ما مغاير لسلالة أخرى: ما الذي جعل كلب البوكسر حارسًا مغوارًا وملاكمًا عنيفًا؟ ولما يقف الكلب المالطي بهذا الشكل الارستقراطي؟.

ثغرات في الدراسة:

تعليقًا على الدراسة، أعرب جيفري ستيفنز مدير مختبر أبحاث السلوك الإدراكي للكلاب وتفاعلها مع الإنسان بجامعة نبراسكا بولاية لينكون أن هذه الدراسة ”واعدة ومشوقة“، ولكنه لفت الانتباه إلى أنه كثيرًا ما يوجد اختلافات بين عناصر السلالة الواحدة؛ إذ يختلف الحيوان الذي يجوب الصحاري في سلوكياته عن شقيقه الذي ترعرع مُدللًا في المنزل.

كلب نيوفاوندلاند

فهل يصبح من الدقة تحديد سلوكيات واحدة للسلالة؟! من الطبيعي أن إجراء نفس الفحوصات على كلب آخر من نفس السلالة تربى في بيئة مختلفة سيؤدي لنتائج مختلفة. أشار ستيفنز إلى مشكلة أخرى تخص الاستناد للتصوير بالرنين المغناطيسي الذي اعتمدت عليه الدراسة وهو أن هذا التصوير لم يُجرَ أثناء قيام الكلاب بمهمات سلوكية مميزة لسلالتها، ما يجعل استنتاج صورة واضحة عامة تربط سلوكيات الكلاب بنوع سلالتها أمرًا عسيرًا.

هناك الكثير من الدراسات التي تظهر أن دماغك يتغير إذا تعلمت لغةً جديدةً أو مهارةً حركيةً جديدةً؛ لذا من الممكن جدًا أن نجد لدى دماغ كلب اللابرادور المُسترِد الذي يؤدي الوظيفة التي خُلق لأجلها وهي إعادة استرداد الطريدة إلى الصياد دماغًا مختلفًا عن دماغ لابرادور آخر تعود فقط على إعادة استرجاع البوشار العالق بين وسائد الأريكة.

أكد دانيال هوريشلر باحث الدكتوراة في مركز السلوك الإدراكي للكلاب بجامعة أريزونا على الأمر ذاته موضحًا أن التباينات بين السلالات المختلفة يرجع إلى فروقات كثيرة من بينها البيئة المحيطة بها، وتظل الفروقات العصبية التي تناولتها الدراسة فرقًا واحدًا من عدة فروقات محتملة.

الفائدة الحقيقية للبحث:

تعود هيشت لتقول أن فريقها يحاول أن يصل لفهم أفضل للسبب الذي يجعل هنالك اختلافات متواجدة في السلالة الواحدة، وإلى أي مدى يمكن أن يكون هذا؟ أو الفروقات بين القادرين على السلوك بمهارة عالية وغيرهم من غير القادرين على ذلك على حد قولها.

المستقبل:

تأمل أيضًا أن تتمكن من بناء جوانب أخرى عن أدمغة الكلاب بناءًا على النتائج التي ستتوصل إليها الدراسات القادمة، مثل حجم وشكل الجمجمة؛ الذين ربما يؤثران أيضًا في تشريح البطينات والفراغات التي تحوي السائل الدماغي الشوكي والبالغ الأهمية بالنسبة لصحة الدماغ. يومًا ما سيتمكن هذا النوع من الأبحاث حتى من المساعدة في علاج السلالات المختلفة بشكل مختلف لكل منها.

كلب الدوبيرمان

وجدت دراسة بالفعل استجابة مختلفة بين كلاب البوردر كولي والهاسكي السيبيري عند إعطاءها هورمون الأوكسايتوسين، الذي يعني تواجد أسباب تجعلنا نعتقد بأن سلالات الكلاب يمكن أن تكون لديها استجابات مختلفة للعقاقير والتخدير وغيرها من التدخلات الطبية.

لا تهتم هيشت بالكلاب فقط لأجل العلوم. بدأ سر حبها لهم في منزلها مع صغيريها الشيبرد الأسترالي ليفتي وإيزي. تقول: «ربما نحن البشر كائنات فريدة، اليوم وفي هذه المرحلة، ولكن إن عدنا بالزمن نجد أن لكل منا سلفه الذي انحدر منه، البشر والكلاب التي تعرضت لنوع من الضغط الانتقائي؛ لذا كلابي ههنا معي اليوم ويبدون هكذا بسبب ما فعله أجدادي بأجدادهم».

اقرأ أيضًا:

العلم بات يتيح لنا معرفة لون الثدييات من خلال أحافيرها

المصدر: washingtonpost

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *