دورُ آسيا الغامض في الأصولِ الأولى للإنسانيّة

أحافير غريبة من الصين تكشف عن الأصول الآسيوية لأنواعنا، وتعيد كتابة تاريخ التطور البشري

التاريخ: ديسمبر 1945. كانت اليابان قد دخلت لتوها في الحرب العالمية الثانية، وكانت الصين على خط النار بالفعل، منخرطة في قتال مع جارتها. وفي مستشفى كلية الطب بجامعة بكين Peking Union Medical College Hospital، ملأ هو جينتشجي Hu Chengzhi بحذر صندوقين خشبيين بأثمن القطع الأثرية الأنثروبولوجية في العالم؛ ألا وهي بقايا رجل بكين Peking Man. فقد امتلأ الصندوق في الواقع بـ 200 قطعة من الأسنان والعظام المتأحفرة، بما في ذلك ست جماجم، ثمّ شُحِن إلى الولايات المتحدة لحمايته. كانت هذه هي المرة الأخيرة التي رآه فيها أي شخص على الإطلاق.

وكانت بقايا رجل بكين في ذلك الوقت هي أقدم أحافير تنتمي إلى أسلاف الإنسان، وقد أثار اكتشافها في العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي ضجة كبيرة، ممّا أدّى إلى صدور تصريحات تفيد بالعثور على مهد البشريّة. ولكن بعد مرور بضعة عقود فقط، تحوّلت جميع العيون إلى إفريقيا، حيث لم يترك سيل الاكتشافات هناك مجالا للشك في أن تكون هي موطن أجدادنا الحقيقي. فقد كانت آسيا خارج الصورة المتعلقة بالتطور البشري.

ولكن الحال اختلف. فقد شهد العقد الأخير اكتشاف أحافير آسيوية جديدة من بين المكتشفات الأخرى التي عثر عليها  الباليوأنثروبولوجيون الصينيون الذين تجدد اهتمامهم بتراثهم. ومع إعادة كتابة اللحظات الأساسية في ماضينا، يتحوّل الاهتمام مرّةً أخرى نحو الشرق.

لقد عُثِر على البقايا الأولى لرجل بكين في عام 1923 في موقع يبعد عن بكين نحو 50 كيلومترا. وإلى جانب الأفراد ذوي الأنوف العريضة والحواجب الكثيفة، كانت هنالك عظام حيوانات محترقة، مما يشير إلى قدرة سلف مبكر للإنسان على التحكم في النار. فلم يكن قد اكتُشِف وقتها سوى أربعة أنواع أخرى من الأجناس البشرية، بمن في ذلك إنسان نياندرتال Neanderthals في ألمانيا وأسترالوبيثيكوس أفريكانوس Australopithecus africanus الذي تعرفنا عليه من بقايا طفل تونغ Taung Child الذي يشبه القردة في جنوب إفريقيا. ويعتقد رئيس الفريق ديفيدسون بلاك Davidson Black أن الحفريات الصينية تمثل نوعًا جديدًا أُطلِق عليه اسم سينانثروبوس بيكينينسيس Sinanthropus pekinensis.

لقد ركّزت الإثارة الإنثربولوجية على شرق آسيا لفترة من الوقت، بعد ذلك وفي خمسينات القرن العشرين، بدأ الفريق المكوّن من لويس ليكي Louis Leakey وزوجته ماري Mary بالتنقيب في منطقة أولدفاي غورج (صدع أولدوفاي)  Olduvai gorge بتنزانيا. وبحلول عام 1959، اكتشفا نوعا Species يبلغ عمره 1.8 مليون عام، وهو النوع بارانثروبوس بويزي Paranthropus boisei. وقد أدّى ذلك إلى ظهور فيض من الاكتشافات الرائعة في شرق إفريقيا، بمن في ذلك أقدم أنواع الهومو، وهو هومو هابيلوس Homo habilis في أولدفاي. وتكشف آثار أقدام في موقع ليتويل Laetoli القريب من الصدع أن أسلافنا ساروا منتصبين منذ ما لا يقل عن 3.7 مليون سنة، كما تَكشِف عن “لوسي” الشهيرة (أوسترالوبيثيكوس أفارينيسيس Australopithecus afarensis) التي عاشت منذ 3.2 سنة في إثيوبيا. وهكذا اُبعِد رجل بكين وآسيا عن مركز الأحداث.

ومن هذه الاكتشافات وما تبعها، ظهر النموذج القياسي للتطور البشري الذي يتتبع شجرة أنواعنا إلى نقطة انقسام نشترك فيها مع أسلاف الشمبانزي منذ نحو 6 إلى 10 ملايين عام. شهدت ملايين السنين القليلة التي تلت ذلك تطور مجموعة وفيرة من أنواع الهومينين Hominin بطول إفريقيا وعرضها، وذلك قبل ظهور جنسنا Genus -الهومو- منذ نحو مليوني عام.

ومن الواضح أنّه كان لدى هومو إيركتوس  H. erectus، وهو عضو مبكّر في جنسنا، شغف الارتحال، فقد هاجر إلى شرق آسيا قبل نحو 1.8 مليون عام. واليوم، يُعرف رجل بكين على أنّه ممثل متأخر عاش منذ 700 ألف عام. وفي حين أنه لا أحد يطعن في حقيقة أن العديد من الأنواع البشرية قد سكنت أوراسيا في وقت مبكر، إلّا أنّ النسخة النظرية تعتبرها طريقا مسدودا من الناحية التطورية. تقول القصة إنّ نوعنا ينحدر مباشرة من هومو إيركتوس الإفريقي الذي لم يخرج من القارة سوى قبل نحو 60 ألف عام فقط، فاجتاح حينها جميع أنحاء العالم، وحلّ محل جميع أنواع الهومينين الآخرين.

وحتى وقت قريب، كانت هذه هي القصة المقبولة. فقد كنّا بحاجة إلى ملء بعض الفراغات، ولكن القصة والشخصيات الرئيسية كانتا واضحتين. ومع التدفق البطيء والمتقاطر للأحافير الآسيوية -وهو أمر لفت انتباها أقل في الغرب مما فعلته الأحافير الإفريقية- كان نصيبها هو التجاهل في العادة لكونها تتعارض مع الرواية السائدة.

البشر الانتقاليّون Transitional humans

وفي عام 1992 مثلا أعلن الباحثون عن اكتشاف زوج من الجماجم البالغ عمرها 900 ألف عام في مقاطعة يونيانغ Yunxian في وسط الصين. فقد كانت ملامحهما تبدو كمزيج بين هومو إيركتوس وهومو سابينس H. sapiens، وهو أمر غريب وفقا للنظرية التي تؤكد انعزال هومو سابينس انعزالا تاما في إفريقيا في ذلك الوقت. وكان “رجل دالي” Dali Man، وهو عبارة عن جمجمة يبلغ عمرها 260  ألف عام عُثر عليها قبل 14 عاما في مقاطعة شنشي Shaanxi بوسط الصين، يمتلك مزيجا مماثلا من الملامح النموذجية “ذات الأشكال الانتقاليّة” التي لا يمكن أن تُعزى إلى نوع محدّد. ومع أن أحافير يونيانغ ورجل دالي تعد أمثلة استثنائية بشكل خاص، إلا أنّه قد عُثِر على العديد من الأحافير الأخرى في شرق آسيا.

بعد ذلك وفي عام 2009، أعلن العلماء الصينيون اكتشاف عظام فك يبلغ عمرها 110 ألف عام في مقاطعة غوانجشي Guangxi الجنوبية. وعلى الرغم من أنّ هذه العظام بدائية نسبيا، إلّا أنّها أظهرت ذقنا بارزا يشبه ذقن الإنسان. وقد صنّفه العلماء على أنّه ينتمي إلى هومو سابينس، مما يعني أن نوعنا كان موجودا في آسيا قبل الفترة التي كنا نظنّها بخمسين ألف عام. ومع ذلك، فقد كان الكثير متشكّكين ومتردّدين في إعادة كتابة أصول البشرية. واقترح البعض أنّه قد يكون هجينا بين هومو سابينس ونوع آخر منقرض حاليا، على الرغم من هذا الدليل أنّ يشير ضمنيا إلى أن البشر كانوا موجودين في شرق آسيا. أما مسألة النوع أو الشيء الذي تنتمي إليه بقايا غوانجشي، فهي لا تزال موضع جدل ساخن.

لكن التيار بدأ بالتحوّل في عام 2015 عندما عُثِر على 47 سنا داخل كهف في دوكسيان بجنوب الصين كذلك. وتعد الأسنان واحدة من أفضل الطرق للتمييز بين أنواع الهومينين، وكانت هذه الأسنانُ بشريةً بالتأكيد، إذ تنتمي إلى نوعنا، ناهيك عن كونها قديمة للغاية. ووفقا لوو ليو Wu Liu وزملائه من معهد علم أحافير الفقارية والأنثروبولوجيا القديمة Institute of Vertebrate Paleontology and Paleoanthropology  في بكين فإنّ هذه الأسنان كانت موجودة منذ نحو 80 ألف إلى 120 ألف عام. وبالنسبة إلى وو، فإنّ هذه الأدلّة المتزايدة لا تعني سوى شيء واحد، وهو أنّ “البشر الحديثين الأوائل كانوا في جنوب الصين منذ ما لا يقل عن 100 ألف عام.”

وهذا سيحدد توقيت أول غزو لجنسنا خارج إفريقيا عند نحو 40 ألف عام على الأقل، وفرضية التوسع الآسيوية هذه تكتسب زخما واسعا. ويقول مايكل بتراجليا Michael Petraglia من معهد ماكس بلانك لعلوم التاريخ البشري Max Planck Institute for the Science of Human History في ألمانيا: “إن النظرة التقليدية التي تقول إن البشر المعاصرين قد نزحوا من إفريقيا منذ 60 ألف عام عبر هجرة جماعية واحدة صارت موضع شكٍّ في الوقت الحالي.”

وفي ديسمبر من عام 2017، شارك بتراجليا في كتابة مراجعة تدرس “المنظور الآسيوي” للتطور البشري، معتمدًا على كل الأدلة. ويضيف بتراجليا قائلا: صار كثير من علماء الأنثروبولوجيا في الوقت الحالي يقولون إن البشر بدأوا بالانتشار خارج إفريقيا منذ ما لا يقل عن 120 ألف عام، وعلى مرات عديدة، وذلك بناء على الأدلة الأحفورية والآركيولوجية والجينية.”

والخروج المبكر من إفريقيا  يتناسب بشكل أفضل مع الاكتشافات الحديثة الأخرى. فقد اقترحت مجموعة من الحفريات المغربية في عام 2017 أن عمر نوعنا يتراوح ما بين 300 و350 ألف عام، مضيفة بذلك ما لا يقل عن 100 ألف عام إلى تاريخنا. بعد ذلك وفي وقت سابق من هذا العام، علمنا أن مجموعة من هومو سابينس كانت تعيش قبل 177 ألف عام في فلسطين. كما كانت هنالك مجموعة أخرى تصنع الأدوات جنوب الهند في الوقت نفسه تقريبا. وفي أبريل 2018، أشار اكتشاف عظم إصبع متأحفر إلى وجود هومو سابينس فيما يعرف الآن بالمملكة العربية السعودية قبل 85 ألف سنة على الأقل. ومن الواضح أنّ البشر الأوائل لم يكونوا مقيمين في وطنهم الأصلي كما كنا نعتقد. ويبدو أن هناك بعض الشك في أن أسلافنا المباشرين قد غامروا بالهجرة من إفريقيا نحو الشرق قبل وقت أطول بكثير ممّا تسمح به الرواية القياسية.

ويعدّ هذا تغييرا كبيرا في النظرة القياسية، لكنّه لا يفسّر تلك الحفريات الانتقالية الغريبة من الصين، والتي تُظهر مزيجا من ملامح هومو إركتوس وهومو سابينس. فكونها تبلغ من العمر مئات آلاف السنين يجعلها تسبق حتى توقيت الخروج المبكر من إفريقيا. ويقول أكثر الاقتراحات تطرفا بأنّها دليل على تطوّر هومو إركتوس إلى وهومو سابينس في شرق آسيا. ويعد وو شينجي Wu Xinzhi من الأكاديمية الصينية للعلوم Chinese Academy of Sciences في بكين من أشد المؤيدين لهذا الاقتراح، والذي يقول بوجود شكل من أشكال “تعددية المناطق” Multiregionalism. فقد كان يُنظر ذات يوم إلى النظرية القائلة بأنّنا تطورنا من عدد مختلف من المجموعات السكانية على أنّها نظرية منشقة عن التيار السائد، أمّا الآن فقد اكتسبت المزيد من الاحترام، بل إنّ أحدث الأدلة القادمة من داخل إفريقيا تقوّض فكرة نشوء هومو سابينس من مجموعة واحدة في شرق القارة الإفريقية. وبدلاً من ذلك، يتفق معظم الفرضيات الآن على وجود مجموعات منعزلة من السكان في جميع أنحاء إفريقيا التي تجمعت وترابطت على نحو متقطع، الأمر الذي خلق مجموعة متنوعة من الأشكال البشرية.

“يقول البعض إن آسيا يجب أن تحصل على

 فرصة مساوية في أن تكون مهدا لنوعنا.”

 

 غير أنّ اقتراح وو شينجي لا يزال متطرفا، فهو يعتقد أن الحفريات الانتقالية دليل على تطوّر هومو إيركتوس الآسيوي إلى نوعنا في آسيا، وأن رجل بكين كان سلفًا لأناس آسيويين حديثين، وأن آسيا يجب أن تحصل على فرصة مساوية لإفريقيا في أن تكون مهدا لنوعنا. وفي حين يؤيد بعض علماء الأنثروبولوجيا الصينيين هذا الرأي، يرى آخرون وجود نزعة قومية تؤثر فيه. ولتعزيز حجّته بأنّ الهومينين الصينيين كانوا يتطورون بنفس منوال تطور الهومينين الإفريقيين، فوو شينجي، ومعه شيلا أثيريا Sheela Athreya من جامعة تكساس إي أند أم Texas A&M University، بيّنا مؤخراً اشتراك جمجمة دالي في العديد من السمات مع أحافير هومو سابينس المبكر من المغرب. ومع ذلك، فلا تزال الأدلة الجينية تشير إلى وجود أصل إفريقي مشترك، إذ يمكن إرجاع جزء من الحمض النووي DNA في السكان الصينيين إلى إفريقيا.

شرح الصورة: تخبرنا العظام القديمة، مثل هذه المستخرجة من كهف رجل بكين، قصصا جديدة.

ويعد التفسير الأكثر احتمالا للحفريات الانتقاليّة هو أن آسيا -مثلها في ذلك مثل إفريقيا- كانت ذات يوم موطنا لمجموعات بشرية مختلفة تبادلت الجينات. وإلى جانب هومو إيركتوس، كشفت الدراسات الجينية عن عدد من الهومينين الذين لا تزال هويّتهم لغزا. وفي وقت لاحق كان هناك “الهوبيت” Hobbit الضئيل؛ هومو فلوريسنسيس H. Floresiensis الذي عثر عليه في جزيرة فلوريس الإندونيسية والذي يبلغ عمره 10 آلاف عام، وقد سبقته أنواع من الأسلاف تعود إلى 700 ألف عام. ومن المرجح أيضا وجود إنسان دينيسوفا Denisovans هناك، على الرغم من أن بقاياهم التي عثر عليها هناك تصل حاليا  إلى ثلاثة أسنان وعظمة أصبع فقط موجودة في سيبيريا، كما تشير أدلة الأسنان والأدلة الجينية إلى وجوده في جنوب شرق آسيا كذلك. وحتى إنسان النياندرتال الذي لم يتحدد وجوده بشكل قاطع سوى في أقصى شرق جبال ألتاي بوسط آسيا، قد يكون تجوّل ذات يوم في أصقاع الشرق. وتكتشف الآن خصائصه المميزة في الحفريات الصينية.

وحتى إن كانت هذه الأنواع المختلفة قد تهجنت فيما بينها، فينبغي أن تكون لها أحافير متنوعة في شرق آسيا تشير إلى أن التهجين كان واسع الانتشار، وذلك على حد تعبير ماريا مارتينون-توريس María Martinón-Torres، مديرة المركز القومي لأبحاث التطور البشري National Research Centre on Human Evolution في إسبانيا. كما أظهرت ماريا وزملاؤها أن الهومينين في إفريقيا وأوراسيا قد تطوروا بشكل مستقل نسبيا لفترة طويلة. فعندما فحصوا 5000 سن أحفورية من سجل يمتد على مدى 2.4 مليون عام، وجدوا أن لكل قارة نوعا خاصا من الأسنان، وهو دليل قوي على أن أوراسيا كانت بحد ذاتها مركزا للتنوع.

وبدلا من تعدّدية المناطق، تقترح هي وزملاؤها نموذج “المصدر والمصب” sink Source and  لشرح الاستيطان البشري في شرق آسيا. إنّهم يعتقدون أن التنوع الهائل للحفريات يشير إلى الاستعمار المتكرر والتزاوج والتهجين، مع ازدهار السكان واختفائهم تبعا لتقلبات المناخ على مدى مئات الآلاف من السنين. فخلال فترات البرد تكون الكثير من مناطق آسيا الوسطى والسهوب الشمالية غير صالحة للسكن، وهذه هي “المصبات”. ولكن كانت باستطاعة الكثير من الهومينين النجاة في مناطق جنوبية أكثر، أي في بعض الجزر والمناطق التي بقي المناخ فيها مستقرا نسبيا كالشرق الأوسط، وهذه هي “المصادر”.

إذا صحّ هذا الأمر فإنّه سيشير إلى حدوث احتلال قوي، ولكن متقطّع، لشرق آسيا. وعلى الرغم من أنّ ماريا لا تعتقد أن نوعنا قد تطوّر بشكل مستقل في آسيا، إلّا أنها تطرح احتمال أن تكون لنا جذور في آسيا، ولكن ربما ليس في الشرق الأقصى. فقد كان رجل بكين رائدا حقيقيا، ولكن معظم أقاربه لم يسافروا بعيدا كما فعل هو، واستقرّوا بدلا من ذلك في الشرق الأوسط حيث كان المناخ أكثر ملاءمة. كما تعتقد أيضا أن هذا هو مصدر مجموعات النياندرتال والدينيسوفان وفرع آخر لشجرة عائلتنا، والذي هاجر إلى إفريقيا قبل أن يتطور هناك ليصبح هومو سابينس. وتضيف ماريا قائلة: “ربما لم تكن إفريقيا هي مهد البشرية الوحيد.”

والحقيقة هي أنّنا لا نزال في خضم إعادة كتابة قصة تطورنا، ولسنا متأكدين مما ستؤول إليه في النهاية. والأمر المؤكد هو أنّه لا يمكننا تهميش آسيا بعد الآن، إذ من الممكن أن يكون النوع الذي تطوّرنا منه قد هاجر إلى إفريقيا قبل أن يتسبّب في بعثنا، وبعدها غادر أسلافنا إفريقيا قبل 100 ألف عام على الأقل وسافروا عبر منطقة أوراسيا لآلاف السنين.

ومؤخرا، أنشأت الحكومة الصينية مختبرا بمعهد الأحافير الفقارية والأنثروبولوجيا القديمة في بكين لاستخراج المواد الوراثية القديمة وسَلْسَلتها. وتقول رئيسة المختبر كيومي فو Qiaomei Fu: “لدينا جينوم وحد فقط.” فقد أتى هذا الجينوم من فرد يبلغ من العمر 40 ألف عام، والذي عُثِر عليه بالقرب من بكين. وينبغي أن يسلط المزيد من العمل على الحمض النووي DNA ضوءاً جديدا، بل قد يحدّد أنواعا بشريّة جديدة. ومن المؤكد أن تكشف هذه الاستكشافات الحالية والأخرى المستقبلية في آسيا عن المزيد من نقاط التحول المثيرة في الحكاية. وتضيف ماريا مارتينون-توريس: “إن آسيا مثل صندوق باندور ،” مما يجعلها أكثر إثارة للاهتمام.

كيف تتعرف على أحفورة مهجنة؟ How to spot a hybrid fossil

نحن نعلم الآن أنّ اسلافنا، بجميع أشكالهم، كانوا مجموعةً مُختلطة، إذ يبدو كما لو أن كل دراسة وراثية جديدة تكشف عن المزيد من التزاوج بين المجموعات التي كان يُعتقد في الماضي أنها أنواع مختلفة. ولكن كيف يمكننا تحديد العظام المهجّنة ونحن في خضم عملية استخراج العظام؟ تقدّم لنا الدراسات التي أُجريت على الرئيسيّات الحيّة أفكارا مفيدة.

وعلى العكس من التوقعات، فإنّ الأنواع المهجّنة ليست عبارة عن فسيفساء من خصائص آبائهم. وبدلا من ذلك، يؤدي التهجين في كثير من الأحيان في أنواع نسانيس الرماح (البابون) إلى الابتكار التطوّري، إذ يميل النسل إلى اتخاذ أشكال متغيّرة للغاية، إمّا كبيرة أو صغيرة بطريقة غير اعتيادية، وتكون له أسنان مكتظة وغير متّسقة.

قاد هذا ماريا مارتينون-توريس، مديرة المركز القومي لأبحاث التطور البشري في وإسبانيا، وزملاءها بالصين، إلى اقتراح تفسير جديد للعديد من الأشكال البشرية الغريبة التي عُثِر عليها في جزيرة فلوريس الإندونيسية. إنّهم يقولون ربما يكون الهوبيت، أو هومو فلوريسينسيس، تهجّن مع هومو سابينس أو حتى مع هومو إيركتوس، “وهذا ما يفسّر العدد الكبير للأمراض الباثولوجية والسمات غير الاعتيادية لديه،” على حد تعبير ماريا.

تم نقل المقال من مجلة العلوم الكويتية بالتصرف.

اقرأ أيضًا: لماذا تمارس “الثعالب الحمراء” سلوكيات عدوانية تجاه البشر؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *