تكشف الدراسة المقارنة لتشريح مجموعات من الحيوانات أو النباتات عن تشابه عام في خصائص بنيوية معينة. مثلًا: البنية الأساسية لكل الأزهار تتكون من سبلات، وبتلات، ومبيض وقلم وميسم؛ إلا أن أحجام الأزهار، وألوانها، وأعداد أجزائها، وبنياتها الخاصة متباينة بين الأنواع.
التأسل الرجعي
التأسل هو الرجعية التطورية، مثل ظهور صفات على متعضية مرة أخرى بعد أن انحسرت منذ أجيال. يقع التأسل لأن مورثات الخصائص الظاهرية التي وجدت في السابق ما زالت محفوظة في الدنا، وإن كانت تلك المورثات لا يعبَّر عنها ظاهريًا في أغلب المتعضيات التي تحوزها. من أمثلة ذلك ظهور الأرجل الخلفية في الثعابين أو الحيتان (انظر الأمثلة المحددة أدناه)، وأصابع الأقدام الزائدة لدى الحافريات والتي لا تصل إلى الأرض أصلًا، ووجود أسنان للدجاج، وعودة التكاثر الجنسي في ينم وCrotoniidae بعد اختفائه، وظهور ذيل للإنسان، وظهور حلمات زائدة، وتضخم الأنياب.
علم الأحياء التطوري التنموي والنمو الجنيني
علم الأحياء التطوري التنموي هو فرع علم الأحياء الذي يعنى بمقارنة عملية النمو في متعضيات مختلفة لتحديد العلاقات الوراثية بين أنواعها. تحتوي جينومات مجموعة متنوعة من المتعضيات جزءًا صغيرًا من المورثات التي تتحكم في نمو المتعضية.
تعد مورثات العلبة المثلية من أمثلة تلك المورثات الشاملة في المتعضيات كلها تقريبًا والتي تشير إلى أصل السلف المشترك. يظهر الدليل الجنيني من دراسة نمو المتعضيات في طورها الجنيني ومقارنته بأجنة متعضيات أخرى وملاحظة التشابه بينها.
عادة ما تظهر بقايا صفات سلفية وتختفي أثناء مراحل النمو الجنيني المختلفة. من أمثلة ذلك إنماء الشعر وفقدانه (زغب) أثناء نمو جنين الإنسان، ووجود التحول الظاهري أثناء النمو الجنيني لدى الثدييات من مظهر الأسماك إلى البرمائيات إلى الزواحف وحتى الثدييات، ونمو الكيس المحّي ثم تنكّسه، وكون الضفادع والسمندلات البرية تمر بطور اليرقة -التي تتصف بصفات اليرقات المائية- داخل البيضة ولكنها تفقس جاهزة للحياة على اليابسة، وظهور تركيبات خيشومية الشكل (الأقواس البلعومية) أثناء نمو الجنين الفقاري، والتي تستمر في النمو لدى الأسماك في صورة أقواس خيشومية حيث تشكل منشأ عدد من التركيبات في الرأس والعنق تختلف عن التي تنتجها الأقواس البلعومية في الإنسان مثلًا.
التنادد البنيوي والتطور التباعدي (التكيفي)
إن كانت مجموعتان متباعدتان من المتعضيات قد انحدرتا من أصل مشترك فمن المتوقع أن يكونا مشتركتين في خصائص أساسية معينة. يفترض أن تحدد درجة التشابه بين متعضيتين مدى قرابتهما تطوريًا:
- يُفترض أن المجموعات التي تتشارك صفات قليلة قد تفرعت عن أصل مشترك في زمن أقدم في التاريخ الجيولوجي عن تلك التي تتشابه كثيرًا.
- عند تقدير مدى القرابة التطورية بين حيوانين، يبحث عالم الأحياء المقارن عن البنى المتشابهة جوهريًا، حتى وإن كان لها وظائف مختلفة في الحيوان البالغ. تسمى هذه البنى بالمتناددة، وهي تشير إلى اشتراك الأصل.
- في حالات تشابه بنيتين واختلاف وظائفهما قد يكون من الضروري تتبع أصلهما ونموهما الجنيني. تشابه الأصل التنموي يشير إلى تطابق البنيتين، وعليه ترجيح أنهما مشتقتان من سلف مشترك.
عندما تتشارك مجموعة من المتعضيات في بنية متناددة تؤدي وظائف متعددة للتكيف مع ظروف بيئية وأنماط حياة مختلفة فإن ذلك يسمى التشعب التكيفي. ويسمى الانتشار التدريجي للمتعضيات ذات التشعب التكيفي بالتطور التباعدي.
التصنيف والمراتب المتداخلة
يعتمد التصنيف على حقيقة أن المتعضيات كلها مرتبطة وراثيًا في مراتب متداخلة مبنية على أساس الخصائص المشتركة. يمكن توزيع أغلب الأنواع المعاصرة في تصنيف مراتبي متداخل بسهولة.
يتضح هذا من نظام التصنيف اللينيوسي. يمكن وضع الأنواع القريبة في مجموعة واحدة (كالجنس) اعتمادًا على الخصائص المشتركة بينها، ويمكن أن تُجمع عدة أجناس في فصيلة واحدة، وأن تجمع عدة فصائل معًا في رتبة واحدة…إلخ. اكتشف كثير من العلماء وجود هذه المراتب المتداخلة قبل دارون، ولكنه وضح أن نظريته التطورية بسلفها المشترك ونمطها المتشعب تستطيع تفسير تلك المراتب. وصف دارون كيف يمكن أن يكون اعتماد الأصل المشترك قاعدة منطقية للتصنيف:
إذا لم أكن في غاية الوهم، فإن كل ما سبق من قواعد وتسهيلات وصعوبات تصبح واضحة على أساس أن النظام الطبيعي مبني على التناسل مع التحوّر، وعلى أن الخصائص التي يرى الطبائعيون أنها تظهر قرابة حقيقية بين نوعين أو أكثر هي التي وُرثت عن سلف مشترك، وعلى ذلك فإن التصنيف الحقيقي تصنيف نَسَبي، وإن اشتراك السلف هو الرابطة الخفية التي يبحث عنها الطبائعيون لاشعوريًا… |
البنى الأثارية
تظهر أدلة قوية ومباشرة على السلف المشترك من دراسة البنى الأثارية. تطلق تسمية العضو الأثاري على الأجزاء الجسدية الردمية التي تمتاز بصغر الحجم والضعف لدى مقارنتها بنظيرتها في نوع السلف.
عادة ما تكون هذه الأعضاء ضعيفة ونموها متخلف. يمكن تفسير وجود الأعضاء الأثارية باعتبار التغيرات البيئية المحيطة بالنوع أو تغيرات نمط حياته. تكون تلك الأعضاء عاملة عادة في النوع السلفي ولكنها فقدت وظيفتها أو غيرتها. من أمثلة ذلك الحزام الحوضي لدى الحيتان، والأثقال (الأجنحة الخلفية) في الذباب والبعوض، وأجنحة الطيور غير الطائرة كالنعام، وأوراق بعض النباتات الصحراوية (مثل الصبار) والنباتات الطفيلية (مثل الحامول). إلا أن البنى الأثارية يمكن أن تستبدل وظائفها بوظائف جديدة. مثلًا: أثقال ذوات الجناحين تساعد في موازنة الحشرة أثناء طيرانها، وجناحا النعامة يستخدمان في طقوس التزاوج.
أكثر الاستنتاجات منطقية هي أن هذه المخلوقات انحدرت من مخلوقات كانت فيها تلك الأجزاء عاملة، مما يشير إلى أن أغلب (بل جميع) المخلوقات تنحدر من أسلاف مشتركين. |
أمثلة محددة
التركيبات الخلفية في الحيتان
للحيتان أجزاء خلفية داخلية مختزلة؛ كالحوض والأقدام الخلفية (شكل 3أ). أحيانًا تكون الجينات المسؤولة عن نمو الأطراف الطويلة سببًا في نمو ساقين صغيرتين لدى حوت حديث. في يوم 28 أكتوبر 2006، عثر على دلفين بأربع زعانف ودُرس طرفاه الخلفيان الزائدان. تعتبر هذه الحيتانيات ذات الأرجل مثالًا على أثارة يمكن توقعها بالنظر إلى سلفها المشترك.
تركيب فم الحشرات
تملك أنواع كثيرة من الحشرات أجزاء فم مشتقة من التركيبات الجنينية ذاتها، مما يشير إلى أن أجزاء الفم تلك هي تعديلات على الخصائص الأصلية لدى سلف مشترك. من هذه الأجزاء الشفة العليا، واللحى (الفكوك العلوية)، والبلعوم السفلي (اللسان أو قاع الفم)، والفكوك السفلية المساعدة، والشفة السفلى (شكل 3ب). أدى التطور إلى تضخم هذه التركيبات وتعديلها في بعض الأنواع، أو اختزالها وفقدانها في أنواع أخرى. تمكن تلك التعديلات الحشرات من الاستفادة من مواد غذائية متعددة ومختلفة.
أطراف مفصليات أخرى
تعتبر أجزاء أفواه الحشرات وقرون استشعارها متناظرة مع أرجلها. نلاحظ تطورًا متوازيًا في بعض العنكبيات: يمكن تعديل زوج الأرجل الأمامي ليصبح متناظرًا مع قرني الاستشعار، خاصة في العقارب السوطية التي تسير على ست أرجل. تدعم هذه التطورات نظرية أن التعديلات المعقدة تبدأ عادةً بتناسخ المكونات ثم تعديل كل نسخة على حدة في اتجاه مختلف.
الطرف خماسي الأصابع
إن نمط توزيع عظام الأطراف والمسمى الطرف خماسي الأصابع هو مثال على التركيبات المتناددة (شكل 3 ج). هذا النمط موجود في كل طوائف الفقاريات رباعية الأطراف (أي من البرمائيات وحتى الثدييات). كما يمكن تتبع أثره قديمًا في زعانف بعض الأسماك المتحجرة التي تطور منها أول البرمائيات، مثل تِكْتالِك.
يوجد في الطرف عظمة واحدة دانية (عظمة العضد)، وعظمتان قاصيتان (الكعبرة والزند)، ومجموعة من عظام الرسغ (في المعصم)، وبعدها خمس عظام للمشط (عظام الكف) ثم السلاميات (عظام الأصابع).
في كل رباعيات الأطراف نرى التركيب الأساسي للطرف خماسي الأصابع متطابقًا، مما يشير إلى أنها نشأت من سلف مشترك، لكن هذه التركيبات الأساسية قد عُدِّلت أثناء مسيرة التطور. أصبحت ظاهريًا تركيبات مختلفة وليست ذات علاقة ببعضها تقوم بوظائف مختلفة للتكيف مع البيئات وأنماط الحياة المتنوعة. نرى هذه الظاهرة بجلاء في الثدييات (شكل 3 ج)؛ مثلًا:
- في السعدان استطال الطرفان الأماميان كثيرًا ليكونا يدًا قابضة تساعد في تسلق الأشجار والتأرجح بينها.
- في الخنزير فُقد الإصبع الأول واختُزل الإصبعان الثاني والخامس. الإصبعان المتبقيان أطول وأكثر متانة من البقية ويحملان حافرًا لدعامة الجسد.
- في الحصان تكيفت الأطراف الأمامية للدعامة والجري عن طريق الاستطالة الشديدة للإصبع الثالث الذي يحمل حافرًا.
- في الخلد نجد طرفين أماميين قصيرين في صورة مجرفة للحفر والاختباء.
- آكلات النمل تستخدم إصبعها الثالث المتضخم لتحطيم تلال أوكار النمل وأعشاش الأرضة.
- في الحوت أصبح الطرفان الأماميان جدافتين (زعنفتين) لتوجيه السباحة والحفاظ على التوازن في الماء.
- في الخفاش تحول الطرفان الأماميان إلى جناحين للطيران باستطالة شديدة لأربعة أصابع، أما الإصبع الأول الذي يشبه الخطاف فبقي حرًا للتعلق والتدلي من الأشجار.
تركيب الحوض في الديناصورات
كما في الطرف خماسي الأصابع في الثدييات، فإن الديناصورات الأولى انقسمت إلى رتبتين مختلفتين: سحليات الحوض وطيريات الحوض. تُصنف الديناصورات في إحدى الرتبتين حسب ما يظهر في أحافيرها. في الشكل 3 د نرى أن أولى سحليات الحوض كانت تشبه أولى طيريات الحوض. نمط تركيب الحوض في كل أنواع الديناصورات هو مثال على التركيبات المتناددة. كل من رتبتي الديناصورات لها عظام حوضية مختلفة قليلًا مما يقدم دليلًا على السلف المشترك لهما. كما أن أحواض الطيور الحديثة تظهر تشابهًا مع التراكيب الحوضية في سحليات الحوض مما يشير إلى تطور الطيور من الديناصورات. يمكن مشاهدة ذلك في الشكل 3 د حيث تنقسم الطيور عن التحترتبة ثيروبودا.
العصب الحنجري الراجع في الزرافات
العصب الحنجري الراجع هو الفرع الرابع من العصب المبهم الذي هو أحد الأعصاب القحفية. عادة ما يكون مساره طويلًا في الثدييات. يخرج العصب الحنجري الراجع ابتداءً من المخ جزءًا من العصب المبهم، ثم يمر في الرقبة حتى القلب، ويلتف حول الأبهر الظهري ثم يرجع صعودًا إلى الحنجرة من خلال الرقبة. (شكل 3 هـ)
ويدعي التطوريون أن هذا المسار ليس هو المسار الأقصر حتى في الإنسان، لكن في الزرافات يصبح أدنى من المستوى الأمثل بكثير. بسبب طول رقبة الزرافة فإنه يمكن أن يمتد العصب الحنجري الراجع لديها إلى 4 أمتار بالرغم من أن مساره الأقصر لا يتجاوز طوله عدة بوصات. ويعلل المسار غير المباشر لهذا العصب بأنه نتيجة تطور الثدييات من الأسماك التي لم تكن لها رقبة وكان عصبها قصير نسبيًا ويعصِّب فلعة خيشومية واحدة ويمر بالقرب من القوس الخيشومية. بعد ذلك أصبح الخيشوم الذي يصل إليه العصب حنجرةً، وأصبحت القوس الخيشومية الشريان الأبهر الظهري في الثدييات.
أما وجهة النظر المعارضة لفكرة أن العصب الراجع دليل على التطور؛ أن هذا الاستدلال يقوم على أساس غير صحيح، وهو افتراض أن العصب يخص الحنجرة فقط وأن هذا الالتفاف لا فائدة منه، وبالتالي يعتبرونه خطأ تطوريًا، وقدم العلماء المعارضين لهذا الاستدلال شواهد تنقد الاستدلال البسيط بأنه خطأ تطوري:
- حالات عدم التفاف العصب شذوذ ضار: نشر عالم الأحياء ولف لونينغ Wolf-Ekkehard Lِnnig بحثًا بعنوان: “العصب الراجع في الزرافة: هل يثبت التطور؟! قال فيه أنَّ ذلك الالتفاف لا يعني بالضرورة سوء تصميم، مستدلًا بذلك على حالات عدم التفاف العصب عند البشر (0.3 إلى 1% من البشر)، حيث يسبب عدم حصول ذلك الالتفاف عند البشر عيبًا خلقيًا من نتائجه أنه يسبب تضخمًا في الشريان تحت الترقوة اليمنى من قوس الأبهر.
- تفرعات العصب الحنجري ووظائفها: ادعاء التطوريون بني على أن وظيفة العصب هي فقط تعصيب الحنجرة وكأنه عصب فردي وليس أحد تفرعات العصب المبهم الكثيرة؛ فهذا الالتفاف للعصب الحنجري كما يقول مرجع التشريح غرايز أناتومي تصدر منه تفرعات لأعضاء مختلفة خلال رحلته، منها
- للضفيرة العصبية القلبية،
- وللأغشية المخاطية والطبقة العضلية للمري،
- وكذلك فهو يعصب الغشاء المخاطي والأليف العضلية للرغامى.
أي أنه لا يختص بتعصيب الرغامى فحسب
- دور التفاف العصب الجنيني: أنَّ هذا الالتفاف ليس بلا فائدة كما يقول الأساس الذي بُني عليه الإشارة إلى أنه خطأ تطوري؛ إنما له دور هام في تكون القناة الشريانية في المرحلة الجنينية. فيوجه الدم المؤكسج الآتي للجنين ليوصله للقلب مباشرةً بدل وصوله للرئة
مسار الأسهر
كما في عصب الحنجرة في الزرافة فإن الأسهر (جزء من التشريح الذكري لكثير من الفقاريات ينقل الحيوانات المنوية من البربخ تحسبًا للقذف) في الإنسان يصعد الأسهر من الخصية، ويلف حول الحالب، ثم ينزل إلى الإحليل والقضيب. يشير البعض إلى أن هذا بسبب هبوط الخصيتين أثناء مدة تطور الإنسان لأسباب متعلقة بدرجة الحرارة على الأرجح. ومع هبوط الخصيتين، ازداد طول الأسهر لمواءمة الانعقافة غير المقصودة حول الحالب.
تم نقل المقال من ويكيبيديا بالعربية بالتصرف.
اقرأ أيضًا: أدلة السلف المشترك – أدلة من علم وظائف الأعضاء المقارن والكيمياء الحيوية المقارنة