التطوّر يحيد الطفرات الضارة ويخمدها

في بعض الأحيان، تحدث في الحمض النووي طفرات تعرف اصطلاحًا بالطفرات المتردافة (Synonymous mutations) ولا يَنتُج عن هذه الطفرات حدوث تغيّر في تسلسل البروتينات، إلا أنها قد تحمل آثارًا سلبية على قدرة البكتريا على البقاء. وأظهرت نتائج بحث حديث، كيف يمكن للمتعضيات (الكائنات الحية) ان تعوض بكفاءةٍ الآثار السلبية لهذه الطفرات.

ساد -ولوقتٍ طويل- الاعتقاد بأن الطفرات المترادفة هي طفرات صامتة؛ أي أنها غير مؤثرة على البروتينات، أو على نمو أو بقاء الكائن الحي، سواءٌ كانت إيجابية أم سلبية. ورغم ذلك، فقد أظهرت عدة أبحاث في السنوات الأخيرة أن هذه الطفرات لا تزال في أغلب الاحيان تسبب مشاكل للكائن الحي، حتى وإن لم تُغير من تسلسل البروتين.

قال دان آي آندرسون (Dan I. Andersson) وهو المحرر الرئيسي للدراسة: «لقد أضحى علماء الأحياء التطورية وعلماء الجينات أمام تساؤلٍ مهم، وهو: لماذا يكون لهذه الطفرات تأثيراتٌ سلبية؟ تظهر دراستنا هذه سبب كون هذه الطفرات ضارة، وكيف تعوض البكتريا وراثيًا عن الآثار السلبية لمثل لهذه الطفرات بسرعةٍ وفعالية، باستخدام وسائل الطفرات الإضافية الحديثة».

وفي هذا البحث، تفحص الباحثون بدقة أربع طفراتٍ مترادفة خطيرة في الجين المسؤول عن تشفير البروتين الريبوسومي. ولاحظوا أن المشكلة الرئيسية في هذه الطفرات تكمن في كونها تسبب تناقصًا في إنتاج البروتين الريبوسومي الذي جرى تطفيره. وبهذا تدخل الخلايا ما يشبه -حلقة ضارة-، وفيها تنتج مستويات البروتين المنخفضة ريبوسومات متضررة، والتي تسبب بدورها المزيد من المشاكل في تركيب البروتين.

فعند السماح لهذه البكتريا منخفضة اللياقة أو الملائمة* أن تستمتر لعدة أجيال، يمكن أن نرى كيف يقوم التطور بحل مشكلة الطفرات المترادفة، وذلك عبر تكوين طفرات تعويضية تعمل على استعادة مستوى البروتين الريبوسومي عند المستوى الطبيعي. واستطاع الباحثون بفضل هذه الطريقة أن يتفهموا بشكلٍ أفضل، السبب الذي قد يجعل الطفرات الصامتة تخفض اللياقة، وكيف للبكتريا أن تعوض آثارها السلبية.

قالت آنا نوبل (Anna Knöppel) وهي طالبة دكتوراه في قسم الكيمياء الحياتية الطبية وعلم الأحياء الدقيقة في جامعة أوبسالا: «ويمكن على الأرجح العثور على طفراتٍ صامتة في العديد من الجينات والأحياء، وخاصةً في الجينات المسؤولة عن تشفير البروتينات التي تساهم في تدفق المعلومات المركزية للخلية».

وللتفصيل في هذا الموضوع، نورد لكم ترجمة لملخص البحث المنشور في دوريات جامعة أوكسفورد البريطانية – دورية التطور وعلم الأحياء الجزيئي (Molecular Biology And Evolution)، حيث ورد البحث بعنوان: تعويض أضرار اللياقة الناتجة عن الطفرات المتردافة (Compensating the fitness costs of synonymous mutations).

ملخص:

لا تُغير الطفرات المترادفة تسلسل البوليببتيد** (polypeptide) إلا أنها تؤثر في اللياقة. وبَحَثنا كيف تؤدي أربع طفرات مترادفة في بكتريا سالمونيلا كوليرا الخنازير (Salmonella enterica) إلى تخفيض اللياقة (أي معدل النمو)، في الجين المعروف ب (rpsT) المسؤول عن تشفير البروتين الريبوسومي S20)) كذلك تقصينا الآليات الوراثية التي يمكن للبكتريا أن تعوض بواسطتها من ضرر هذه الطفرات.

يرتبط مستوى النمو المنخفض في البكتريا الحاملة لهذه الطفرات المترادفة، بمستوياتٍ منخفضة من عملية نسخ جين (rpsT) وبروتين (S20). وطبقًا لتجربةٍ تطورية تكيفية، يمكن تعويض هذه الأضرار التي تلحق باللياقة، أما بواسطة طفراتٍ تسبب ارتقاء التنظيم up-regulation*** لبروتين S20 عبر جرعاتٍ متزايدة من الجين (نتيجةً التضاعفات) مما أدى لزيادة في نَسِخ جين (rpsT) (كنتيجةٍ لطفرة في جين (rpoD) أو طفراتٍ في جين (rpsT)) أو أن يكون ذلك نتيجةً لتزايد الترجمة**** من نسخة جين (rpsT) (كنتيجةٍ لطفرات فيه).

نقترح أن انخفاض مستويات بروتين (S20) لدى حاملي الطفرة، يترتب عليه إنتاج جماعات متفرعة متضررة الوحدات الفرعية (30S)، والتي تفتقر إلى (S20) الذي يقلص تركيب البروتين والنمو البكتيري. وتؤدي الطفرات التعويضية لاستعادة مستويات (S20) مع عددٍ من الريبوسومات الوظيفية. وتبين نتائج دراستنا، كيف لطفرات مترادفة معينة أن تسبب تضاؤلًا في اللياقة، وكذلك كيف تستعيد العديد من الطفرات الوراثية التعويضية، الخارجية والداخلية اللياقة بشكلٍ فاعل. وعلاوةً على ذلك، تسلط الدراسة الضوء على المواقع التي تكون فيها تلك الطفرات المترادفة خاضعةً لانتخابٍ طبيعي قوي، وهو ما قد يكون له تأثيرات فيما يتعلق بإستخدام نِسَب (dN/dS) كتوقيع (تأكيد) على الانتخاب.

*يقصد بالملائمة أو اللياقة (Fitness) في مجال علم الأحياء التطوري، وصف مدى جودة نمط وراثي (خصائص وراثية) عند توريثه للذرية في الجيل القادم. فمثلًا، لو كانت ذرية الخنافس البُنية أكثر عددًا من الخضراء منها بسبب اللون؛ فعند ذلك يمكن أن نصف البنية منها بأنها أعلى ملائمة من نظيرتها الخضراء. (المترجم).

انظر هنا

**البوليببتيد (polypeptide): لكي يتوضح لديك هذا المفهوم، يجب أولًا معرفة ما هو الببتيد (Peptide). الببتيد عبارة عن سلاسل قصيرة من الأحماض الأمينية التي ترتبط ببعضها البعض، وعندما تبلغ هذه الأحماض حدًا معينًا من الطول أو تزيد، تسمى بالبوليببتيد. يتكون البروتين الواحد من واحد أو اثنين من البوليببتدات. (المترجم).

***يشير هذا المصطلح إلى عملية تحدث داخل الخلية، وينتج عنها زيادة في تعبير واحد أو أكثر من الجينات، لينتج عن ذلك، تشفير للبروتين. (المترجم).

**** يقصد بالترجمة هنا، عملية ترجمة تسلسلات جزيء أر أن أي المرسال (mRNA) إلى تسلسل الحمض النووي أثناء تركيب البروتين. انظر هنا

المصدر: uu.se

اقرأ أيضًا: علماء تطور الشعور بالعار كآلية لحماية العلاقات الإجتماعية؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *