تملك رباعيات الأطراف (الثدييات والطيور والزواحف والبرمائيات) عدة سمات مشتركة، مثل العمود الفقري وتماثل الجانبين. ويملك معظمها (باستثناء الطيور) خمسة أصابع في نهاية كل طرف من أطرافها الأربعة. ظل السؤال: «متى ظهرت هذه الأصابع؟ وكيف؟» سؤالًا غامضًا.
وجد علماء الحفريات حديثًا أقدم دليل على هذه الميزة التشريحية، في زعنفة سمكة عاشت قبل 380 مليون سنة. قد لا تبدو تلك العظام البدائية مثل الأصابع التي نعرفها، لكنها تمثل أحد أهم التحولات في تطور الفقاريات.
صرح عالم الحفريات جون لونغ من جامعة فليندرز الأسترالية: «لقد أحرزنا تقدمًا كبيرًا في فهم كيفية تَشكُّل اليد للمرة الأولى في الفقاريات.
فقد اكتشفنا للمرة الأولى أصابع مُتضمَّنة داخل زعنفة، وهي أصابع مفصلية تشبه عظام الأصابع الموجودة في أيدي معظم الحيوانات».
يُعَد تطور الأسماك المائية إلى مخلوقات رباعية الأطراف إحدى أهم مراحل التاريخ التطوري. لكن ما زالت معرفتنا بتاريخ التطور تحوي الكثير من الفجوات، إحدى تلك الثغرات كانت المرحلة التي خرجت فيها الأسماك من الأعماق وبدأت تبحث عن الطعام في المياه الضحلة، وهي خطوة سبقت الزحف إلى اليابسة.
لتتمكن من ذلك، احتاجت الحيوانات إلى امتلاك الأعضاء الضرورية للزحف، أي يدين وقدمين وأصابع. اكتُشفت سابقًا حفرية لسمكة من فصّيات الزعانف تُسمى (إلبيستوستيغ واتسوني). وهي نوع من الأسماك الشبيهة برباعيات الأطراف، تنتمي إلى رتبة تُسمى(إلبيستوستيغاليا)، وتقع على خط السلف الذي يؤدي إلى رباعيات الأرجل. يعتمد فهمنا لنشوء رباعيات الأطراف إلى حد بعيد على معرفتنا بتلك الرتبة.
كان سجل الحفريات المنتمية لرتبة (إلبيستوستيغاليا) فقيرًا جدًا، فالزعانف الصدرية كانت غير مكتملة في الحفريات المُكتشَفة، وذلك حتى عام 2010، عندما عُثر على حفرية شبه كاملة من نفس النوع، يبلغ طولها 1.57 متر تقريبًا، بمتنزه ميغواشا في كيبيك- كندا.
درس جون لونغ وفريقه هذه الحفرية بعناية لمعرفة المزيد حول هذا الحيوان الغامض. تشرح الورقة العلمية -المنشورة في مجلة Nature، وهي الأولى ضمن سلسلة من الأوراق البحثية- كيف استخدم الفريق التصوير المقطعي المحوسب لاكتشاف التشريح الهيكلي للزعنفة.
قال لونغ: «ركزنا على اكتشاف عظام الأصابع في الزعنفة، وهو اكتشاف مذهل حقًا. إنها أول حفرية واضحة مؤكدة لسمكة لها عظام أصابع.
فور مقارنة الهيكل العظمي لزعنفة الكائن بهياكل الذراع واليد للحيوانات الأرضية، أصبح من الواضح -من وجهة النظر التطورية- أن صفوف عظام الأصابع الصغيرة هي نفسها عظام الأصابع في أيدي الحيوانات البرية».
هذه العظام ليست أصابع حقيقية، فهي مختفية داخل الزعنفة، مثل قفاز محيط بجميع الأصابع، ولا يمكنها التحرك بحرية. وتحتفظ الزعنفة بالحافة الخارجية المغطاة بعظام الأشعة الزعنفية، التي لو فُقدت تُصبح الأصابع قادرة على التحرك بحرية.
لكنها تؤكد أن (إلبيستوستيغ واتسوني) تمثل مرحلةً وسيطة بين الأسماك ورباعيات الأطراف. ورغم اعتقاد البعض أن الأصابع وعظام الرسغ مقتصرة على رباعيات الأطراف، كان لدينا مؤشرات إلى عكس ذلك منذ 1892، مثل تشابه ترتيب عظم العضد والكعبرة والزند في الأسماك فصّية الزعانف، مع نفس الترتيب عند رباعيات الأطراف.
أوضح ريتشارد كلوتييه، الباحث المشارك في الدراسة: «يرتبط تطور الأصابع بتطور قدرة الأسماك على دعم وزنها في المياه الضحلة أو في الرحلات القصيرة على اليابسة.
أما زيادة عدد العظام الصغيرة في الزعنفة، فيسمح للسمكة بمستويات أعلى من المرونة لتوزيع وزنها. كشفت الدراسة عن ميزات أخرى تتعلق ببنية عظم العضد، الذي يُظهر ميزات مشتركة مع البرمائيات القديمة. (إلبيستوستيغ) ليست بالضرورة سلفًا للبشر، لكنها أقرب إلى حفرية انتقالية حقيقية، وسيطة بين الأسماك ورباعيات الأطراف».
سيركز الفريق بعد ذلك على الرأس وأجزاء من الجمجمة، وإجراء مقارنات برباعيات الأطراف القديمة، لبحث العلاقات التطورية بعمق.
المصدر: sciencealert
اقرأ أيضًا:
عظام في كهف بلغاري تمثل الدليل الأقدم على وجود الإنسان الحديث في أوروبا