اكتشف فريق بحثي من معهد نانجينغ لعلم الحفريات الجيولوجية التابع للأكاديمية الصينية للعلوم أحفورة لديدان شوكية الرأس تُعرف باسم شوكية الرأس الجوراثية (Juracanthocephalus)، ضمن طبقات تكوين داوهوغو في منغوليا الداخلية في الصين. نُشرت نتائج البحث في مجلة نيتشر (Nature).
تمثل الديدان شوكية الرأس، المعروفة أيضاً بالأكانثوسيفالوس، مجموعة من الديدان الطفيلية الداخلية وتنتشر في الأنظمة البيئية البحرية والبرية. تصيب هذه الطفيليات، ذات الأهمية الطبية، مجموعة واسعة من الكائنات المضيفة، بما في ذلك البشر، والخنازير، والكلاب، والقطط، والأسماك.
تتميز الديدان شوكية الرأس بشكل جسمها الدودي وببروز خرطومي يمكن سحبه إلى الداخل مزود بصفوف من الخطاطيف المعقوفة إلى الخلف، وتُستخدم للتمسك بجدران الجهاز الهضمي للكائن المضيف. ومع أنها كانت تصنف سابقًا كشعبة حيوانية مستقلة، إلا أن بنيتها الجسدية المتخصصة للغاية أثارت نقاشات مستمرة حول موقعها التطوري.
اقترحت الدراسات الشكلية فرضيات مختلفة تربط الديدان الشوكية الرأس بالديدان المسطحة (Platyhelminthes)، أو القضيبيات (Priapulida)، أو الدوارات (Rotifera). مع ذلك، تشير التحليلات الوراثية إلى أن الديدان شوكية الرأس ما هي إلا مجموعة ذات تكيف تطوري متقدم ضمن شعبة الدوارات. مع ذلك، لا يزال التباين الشكلي الكبير بين الديدان شوكية الرأس الطفيلية والدولابيات حرة المعيشة ملحوظًا.

علاوة على ذلك، يُعد السجل الأحفوري للديدان شوكية الرأس نادرًا للغاية بسبب بيئاتها الخفية وأجسامها اللينة التي تكون أقل عرضة للتكون الأحفوري مقارنة بالأجسام الصلبة.
حتى وقت قريب، اقتصر الدليل الأحفوري المعروف للديدان شوكية الرأس على أربع بيضات يحتمل أنها تعود لها عُثر عليها داخل مخلفات متحجرة لتماسيح من العصر الطباشيري المتأخر. ونظرًا لغياب أي أحافير لأجسام هذه الديدان، بقيت أصولها ومسارات تطورها غامضة إلى حد بعيد.
استخدم الفريق البحثي المجهر الإلكتروني الماسح (SEM) والتحليل الطيفي المشتت للطاقة (EDS) لإجراء تحليل تشريحي دقيق للدودة شوكية الرأس الجوراثية، وحدثوا المخطط المورفولوجي العام للحيوانات دودية الشكل لدعم دراسة شاملة للعلاقات التطورية.

تتمتع الدودة شوكية الرأس الجوراثية بجسم مغزلي مقسم إلى خرطوم وعنق وجذع. يتميز الخرطوم بخطاطيف مقوسة قليلاً وشديدة التحجر، بينما يظهر على السطح البطني للجذع 38 خطًا من الأمشاط العرضية الشبيهة بالشعر، وهي سمة شبيهة بتلك الموجودة لدى الأنواع الحديثة من الديدان شوكية الرأس.
تم الحفاظ على ما يُحتمل أن يكون قناة هضمية في الخرطوم، رغم عدم وضوح أي أمعاء في الجذع. كما يظهر في نهاية الحفرية تركيب يشبه الجراب التناسلي في ذكور الديدان شوكية الرأس.
من اللافت أيضًا أن الدودة شوكية الرأس الجوراثية تمتلك جهاز فكّي يتكون من وحدات شبيهة بالأسنان، مرتبة على شكل صفوف مزدوجة متقاربة يتزايد حجمها باتجاه الخلف. وتشبه هذه البنية بشكل كبير ما يوجد في حاملات الفك التي تضم الديدان الفكية والحيوانات الفكية الدقيقة (Micrognathozoa) و الجلديات المشتركة (Syndermata) التي تشمل الدولابيات والديدان شوكية الرأس.
لتحديد الموقع التطوري للدودة شوكية الرأس الجوراثية حدث الفريق البحثي مصفوفة شكلية شاملة تشمل الكائنات دودية الشكل الحية والمنقرضة.
تشير التحليلات إلى أن الدودة شوكية الرأس الجوراسية تمثّل مجموعة جذرية (stem-group) للديدان شوكية الرأس، وتشكل الفرع الشقيق لجميع الأنواع المعاصرة منها. وتتفق هذه النتيجة مع دراسات الوراثة التطورية، التي تُدرج الديدان شوكية الرأس ضمن شعبة الدوارات (Rotifera)، والتي تشمل مجموعات مثل أحاديات المناسل (Monogononta) والدوارات البديليّة (Bdelloidea) والدوارات السيسونية (Seisonidea).

رغم هذه النتائج، لا يزال الموقع التصنيفي الدقيق للديدان الشوكية الرأس ضمن شعبة الدوارات موضع خلاف، إذ تتنافس ست فرضيات مختلفة تستند إلى بيانات جزيئية وشكلية متباينة.
فعند استبعاد الأحفورة، تتوافق النتائج مع التحليلات الشكلية السابقة، حيث تُصنّف الدوارات السيسونية كأقرب مجموعة لباقي الدوارات، لكن ذلك يتعارض مع الأدلة الجزيئية. أما عند إدراج الأحفورة، فُظهر النتائج أن الدوارات السيسونية ترتبط ارتباطًا أوثق بالديدان شوكية الرأس المعاصرة وبالأحفورة ذاتها، ما يُسهم في التقريب بين التفسيرات الشكلية والتحليلات الجزيئية المتوفرة.
يشكّل اكتشاف الدودة شوكية الرأس الجوراسية مرجعًا محوريًا لفهم التطورات البنيوية والخطة الجسدية الفريدة للديدان الشوكية الرأس. ويُشير الحجم الكبير لشوكية الرأس الجوراسية، إضافة إلى امتلاكها لخرطوم مزود بخطاطيف، إلى أن هذا الكائن كان طفيليًا داخليًا خلال العصر الجوراسي. وتُشير هذه الأحفورة أيضًا إلى احتمال أن تكون الديدان شوكية الرأس قد نشأت في بيئات أرضية، وانفصلت عن شعبة الدوارات في وقت لا يتجاوز العصر الجوراسي الأوسط.
وتُبرز هذه الدراسة الدور الحاسم للأحافير الانتقالية في توضيح التحوّلات الكبرى في أنماط بناء الأجسام لدى الحيوانات.
أحدث علم الوراثة التطوري نقلة نوعية في فهم العلاقات بين الكائنات، ومع ذلك، يُجدد اكتشاف الدودة الشوكية الرأس الجوراسية التأكيد على الأهمية الجوهرية للأدلة الأحفورية في إعادة رسم معالم التاريخ التطوري للحياة على الأرض.
ترجمة: علاء شاهين
المصدر: phys.org