اكتشاف نوع جديد من الأنكيلوصورات في المغرب

على عكس المعروف.. انتشرت تلك الحيوانات المُدرعة التي تُشبه الدبابات في العصر الجوراسي وجابت شمال الأرض وجنوبها.. والحفرية الجديدة أقدم بقايا معروفة لتلك الحيوانات.

كان المشهد يبدو مُذهلًا في تلك الآونة؛ فشبه القارة العملاقة “بانجيا” استمرت في التفكك، انفصلت “لوراسيا” -النصف الشمالي من الكرة الأرضية- إلى أمريكا وأوراسيا، بدأ النصف الجنوبي “جوندوانا” في التفكك بحلول منتصف ذلك العصر، تزايدت كميات المياه وأعطت الصحاري الصفراء لونًا أخضر تدريجيًّا، ارتفعت الجبال في قيعان البحار، مما أدى إلى ارتفاع سطح البحر، انتشرت الأشجار، وعجت المحيطات بالحياة المتنوعة والوفيرة، ازدهر الإسفنج، والقواقع والرخويات، وبدأ عصر هيمنة الديناصورات، نحن الآن في العصر الجوراسي، الذي بدأ قبل نحو 199 مليون سنة، وانتهى قبل 145 مليون عام.

على الأرض، كانت الديناصورات تترك بصماتها، بالمعنى الحرفي للكلمة، بأطوال كانت تبلغ أحيانًا 27 مترًا، وبأوزان وصلت إلى نحو 80 طنًّا، وما لبثت تلك الكائنات أن سيطرت على كوكبنا الأزرق، ازدهرت أنواعها، وتنوعت أحجامها، وتطورت خصائصها، واختلفت فرائسها، كان بعضها نباتي الحمية، في حين تربع بعضها الآخر على قمة المفترسات.

والآن، ووفق دراسة منشورة في دورية “نيتشر: إيكولوجي أند أيفولوشن”، اكتشف العلماء نوعًا جديدًا من تلك الديناصورات، يختلف بشكل كُلي عن أيّ ديناصور آخر عُثر عليه من قبل.

عُثر على بقايا ذلك الديناصور في المملكة المغربية، وهو أقدم “أنكيلوصور” تم اكتشافه على الإطلاق وأول ما عُثر عليه في القارة الأفريقية.

يتميز ذلك النوع الجديد بوجود “أشواك” على ظهره كبقية بني جنسه، إلا أنه يختلف عنهم اختلافًا جذريًّا، فتلك “الأشواك” تتصل مباشرةً بعظامه، وهي ميزة لا تتوافر في جميع “الأنكيلوصورات” الأخرى، التي فيها تتصل “الأشواك” بالجلد ولا تنبت من العظام.

تلك الميزة جعلت الأنكيلوصور الجديد -المسمى سبيكوميلوس أفر- لم تظهر في أيٍّ من أنواع الفقاريات الأخرى المعاصرة، أو التي انقرضت قبل سالف الزمان.

ويُعتقد أن أحفورة الديناصور الجديد يعود تاريخها إلى 167-163 مليون سنة، ما يجعله أقدم أنكيلوصور تم اكتشافه على الإطلاق.

تبدأ القصة منذ سنوات عدة، حين عثر أحد المنقبين عن الحفريات في المغرب على عينة يبلغ طولها أقل من 50 سنتيمترًا، الرجل المغربي -في عملية شائعة في المغرب- باع تلك العينة لتاجر حفريات في المملكة المتحدة، فعرضها ذلك التاجر للبيع على متحف التاريخ الطبيعي البريطاني بثمن لم يُكشف عنه، وضع القائمون على المتحف تلك الحفرية في المخازن، حتى اطلعت عليها بالصدفة الباحثة بشعبة الفقاريات والأنثروبولوجيا وعلوم الأحياء القديمة “سوزانا ميدمينت”، وهي مؤلفة تلك الدراسة.

ستيجوصور أم أنكيلوصور!

تقول “ميدمينت” في تصريحات خاصة لـ”للعلم” إنها حين رأت العينة لأول مرة اعتقدت أنها تُمثل جزءًا من “الستيجوصور”، وهو نوع من الديناصورات التي عاشت في العصر الجوراسي وله حراشف فوق ظهره وفي آخر ذيله أشواك، “لكن عندما بدأ الفريق في فحص الحفرية أدركنا أنها كانت لشيء مختلف تمامًا عن أيّ ديناصور مُدرع آخر”.

فحين قطع الباحثون الحفرية إلى شرائح رقيقة ونظروا إليها عبر المجهر، ظهر لديهم نوعٌ من الأنسجة العظمية توجد فقط في الأنكيلوصورات، “لذلك أدركنا أن لدينا أقدم أنكيلوصور من أي مكان في العالم تحت أعيننا”، تقول “ميدمينت”.

والأنكيلوصورات هي كائنات ضخمة تُشبه الدبابات، كان العلماء يتوقعون أنها عاشت بكثافة في أواخر العصر الطباشيري، منذ حوالي 70 إلى 66 مليون سنة، كان لهذا الديناصور الضخم ذي الأرجل الأربع جسم مغطى بصفائح عظمية -حراشف- مرصعة بالأشواك التي تُشبه المسامير، وفي ذيله كتلة ضخمة تُشبه المطرقة، تندمج تلك الصفائح معًا لتُمثل عقبةً شديدة القوة في وجه الكائنات التي تُسول لها أنفسها الهجوم على ذلك الكائن المُدرع، الهجوم الذي كان ينتهي غالبًا بفوز الأنكيلوصور بضربة المطرقة الموجودة في نهاية ذيله.

كان يُعتقد أن تلك الديناصورات تجوب النصف الشمالي من الكرة الأرضية، إلا أن الباحثين عثروا قبل سنوات على حفرية في قارة أستراليا، ثم جاءت الدراسة الجديدة -على حفرية المغرب- لتثبت أن تلك الحيوانات انتشرت في العالم أجمع، على حد قول الباحث في مجال الديناصورات بجامعة بنها وفي مجموعة “سلام” للحفريات الفقارية، “بلال سالم”.

ويقول “سالم” إن الدراسة لا تُثبت فقط انتشار الأنكيلوصورات في الكرة الأرضية بأكملها، لكنها تؤكد أيضًا أن ذلك الانتشار “كان منذ أمدٍ بعيدٍ للغاية.. أبعد بكثير مما كنا نظن في السابق.. فتلك الحفرية استُخرجت من طبقة يمتد عمرها ما بين 168 مليون سنة إلى 163.5 مليون سنة كاملة.. وهو عمر مُوغل في القدم بالنسبة لذلك النوع”.

أول عثور على أنكيلوصورفي أفريقيا

وتقول الدراسة إن هذه الديناصورات المدرعة العاشبة معروفة جيدًا من القارات الشمالية، ولكن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها العثور على بقايا واحدة من أفريقيا، وعلاوةً على ذلك، تُظهر الأضلاع ميزةً لم تظهر في أي حيوان آخر؛ فالأشواك الواقية التي كانت تبطن جوانب هذا الحيوان في الواقع تلتحم في الواقع بعظام الضلع نفسها.

تقول “ميدمينت” إنه من المثير للاهتمام أن الحفرية الجديدة تأتي أيضًا من الموقع نفسه الذي تم فيه اكتشاف أقدم “ستيجوصور” معروف والأول من شمال إفريقيا، “ساعدت في اكتشاف ذلك الستيجوصور قبل عامين”.. تؤكد “ميدمينت”، التي تُعد واحدة من خبراء الديناصورات المدرعة، في تصريحات خاصة لـ”للعلم”.

وترى “ميدمينت” أن دمج الشوكة في الضلع أمرٌ غريبٌ تمامًا؛ إذ يختلف اختلافًا تامًّا عن أي حيوان فقاري نعرفه، سواء كان موجودًا أو منقرضًا، “لا نرى هذه الظاهرة المتمثلة في اندماج الأديم العظمي في ضلع لدى أي حيوان فقاري آخر، حي أو ميت”، تؤكد الباحثة، مستطردة: “من الصعب التوصل إلى نظائر لتلك الحفرية حقًّا؛ لأنها ببساطة ليست موجودة”.

والأنكيلوصورات هي مجموعة من الديناصورات المعروفة عادةً بالدروع العظمية غير العادية التي كانت تغطي ظهورها ذات يوم، وتُعد تلك المجموعة شقيقةً للستيجوصورات الأكثر شهرة، وكان لديهم صفوف من الصفائح العظمية مدمجة في جلدهم، بعضها يشكل ألواحًا مسطحة ضخمة، بينما نما البعض الآخر إلى الخارج على شكل أشواك، وبعض الأنواع كان لها هراوة عظمية كبيرة في نهاية ذيولها.

نوع نادر!

كانت الأنكيلوصورات عبارة عن ديناصورات صغيرة مدرعة، “تشبه نوعًا ما طاولات القهوة التي تمشي”، على حد ما تقول “ميدمينت”، كانت تلك الكائنات لديها أرجل قصيرة وصفوف عرضية من الدروع، مما يعني أن الدرع يمتد من خط الوسط لجسمهم إلى الجوانب.

في جميع الأنواع المعروفة من الأنكيلوصورات، كانت “الأشواك” مطمورةً في الجلد، مما يعني أن هذه الحفرية الجديدة التي يلتحم فيها الدرع جسديًّا بالعظام لا تشبه أي شيء جرت رؤيته من قبل.

هذه الحفرية الجديدة مختلفة تمامًا، لدرجة أن سوزانا وزملاءها لم يكونوا متأكدين في البداية من الحيوان الذي كانت تنتمي إليه؛ فحين رأوها لأول مرة اعتقدوا أنها ربما كانت جزءًا من حيوان الستيجوصور، “لكننا لا نرى ستيجوصورات بهذا النوع من الدروع”.

لذلك قرر الباحثون تقسيم الحفرية تشريحيًّا، وهنا جاء دور علماء التشريح.

يقول “سالم” إن الدراسة المورفولوجية للحفرية “كانت شديدة الدقة”، وهي “ما أدى إلى تلك النتائج”، فشكل العظام “يؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن تلك الحفرية لأنكيلوصور”، وعلى الرغم من أن الحفرية في الأساس صغيرة الحجم، “إلا أن الباحثين تمكنوا من سد الثغرات على المشككين المحتملين؛ إذ إن الفحوصات التشريحية ونتائج الأشعة المقطعية تؤكد أن الحفرية لنوع جديد من الأنكيلوصورات”.

لم يتمكن الباحثون في تلك الدراسة من رسم صورة توضيحية لذلك الحيوان الاستثنائي؛ فالحفرية عبارة عن شظايا من الضلوع، لذلك من الصعب معرفة الشكل الذي كان يبدو عليه هذا الحيوان، لكن يُمكن إجراء بعض الاستدلالات.

تقول “ميدمينت” في تصريحاتها لـ”للعلم”: إن ذلك الحيوان ربما كان يزن ٥ أطنان؛ ويُشبه عائلته، وله طول يقترب من ٣ أمتار، وظهر مغطى بالحراشف التي يبرز منها أشواك تُشبه المسامير.

وتؤكد “ميدمينت” أن الأنكيلوصورات انتشرت خلال العصر الجوراسي في نصف الكرة الشمالي والجنوبي، وعلى الرغم من أن بقايا الأنكيلوصورات تم العثور عليها بشكل متكرر في الصخور التي شكلت ولاية “لويزيانا” في الولايات المتحدة الأمريكية، مع أنواع متعددة موصوفة من الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وأوروبا، “لكن مدى انتشار الديناصورات في منطقة جندوانا الواقعة في أقصى الجنوب طالما ظل أمرًا غامضًا حتى العثور على تلك الحفرية”.

فتلك الحفرية تؤكد أن الأنكيلوصور عاش في القارات الجنوبية “نحن فقط نحتاج أن نفتش عنها في الصخور التي تعود إلى العصر الذي عاشت فيه”، على حد قول “ميدمينت”، التي تؤكد أنها ستعود إلى المنطقة التي استُخرجت منها تلك الحفرية في المغرب؛ في محاولة للعثور “على الكنوز المخبأة هناك”.

تم نقل المقال من Scientific American بالتصرف.

اقرأ أيضًا: صعود الديناصورات تزامن مع تغيُّرات مناخية ناجمة عن نشاط بركاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *