أحفوريات ثلاثية الأبعاد نادرة تكشف عن أشكال أشجار قديمة لم يسبق لنا أن نرى مثيلًا لها

نموذج Sanfordiacaulis مع بنية تشعبات مبسطة لتسهيل التصور. يرجى ملاحظة أن البشر موجودون للمقارنة بالحجم لكنهم لم يتعايشوا مع هذه الشجرة. المصدر: تيم ستونسيفر.

يُحفَظُ الشجر عادةً في السجل الأحفوري بجذوعه فقط، وعادةً، لا تشتمل هذه الأحفوريات على أي أوراق توضح شكل مظلاتها أو هيئتها العامة. ولكن الآن، يصف مجموعة من الباحثين الذين نشروا تقريرهم في مجلة Current Biology أشجارًا متحجرة من نيو برونزويك بكندا لها شكل تاج ثلاثي الأبعاد مثير للدهشة وفريد من نوعه.

يقول روبرت غاستالدو من كلية كولبي في واترفيل بولاية مين: «إن الطريقة التي أنتجت بها هذه الشجرة أوراقًا طويلة جدًا حول جذعها النحيل، والعدد الهائل منها على طول الجذع القصير، أمر مذهل».

تظهر أشكال هذه الأشجار، التي يعود تاريخها إلى 350 مليون سنة، تشابهًا بسيطًا مع شكل السرخس أو النخيل، مع أن شجر النخيل لم يظهر حتى 300 مليون سنة لاحقة. مع ذلك، تتجمع الأوراق الوظيفية في السرخس أو أشجار النخيل في الأعلى وهي قليلة نسبيًا.

وأضاف غاستالدو: «في المقابل، يحافظ نبات Sanfordiacaulis على أكثر من 250 ورقة حول جذعه، إذ تمتد كل ورقة محفوظة جزئيًا بمقدار 1.75 مترًا منه. نقدر أن كل ورقة نمت على الأقل مترًا آخر قبل أن تنتهي. وهذا يعني أن ‘فرشاة الزجاجة’ كانت تمتلك مظلة كثيفة من الأوراق امتدت على الأقل 5.5 متر (أو 18 قدمًا) حول جذع غير خشبي يبلغ قطره 16 سنتيمترًا (أو 0.5 قدم) فقط. وأقل ما يمكن قوله حول ذلك إنه لأمر مذهل».

تحقق هذا الإنجاز بفضل التعاون الدولي طويل الأمد مع ماثيو ستيمسون وأوليفيا كينغ من متحف نيو برونزويك، وسانت جون، وجامعة سانت ماري في هاليفاكس.

تقدم النتائج التي توصل إليها الباحثون رؤى مهمة حول تطور النباتات والشجر، أي النباتات التي تنمو إلى ارتفاع الشجرة، أو على الأقل 15 قدمًا عند النضج. كما أنها تذكرنا بأنه على مدار تاريخ الحياة على الأرض، وجدت أشجار تختلف تمامًا عن أي شجرة رأيناها من قبل، وبعضها تبدو وكأنها من خيال الدكتور سوس، وفقًا للباحثين.

يقول غاستالدو: «لدينا جميعًا تصور ذهني لشكل الشجرة، اعتمادًا على مكان إقامتنا على هذا الكوكب، ولدينا رؤية لما هو مألوف. الأحفورة التي نقدم تقريرًا عنها فريدة من نوعها وشكل نمو غريب في تاريخ الحياة. إنها واحدة من تجارب التطور خلال فترة خضعت فيها نباتات الغابات للتنوع البيولوجي، وهو الشكل الذي يبدو أنه قصير العمر».

حفظت الأحفوريات المذكورة من خلال الدفن الكارثي الناجم عن الزلازل للأشجار والنباتات الأخرى على طول هامش بحيرة صدع. استخرجت أول شجرة متحجرة منذ حوالي سبع سنوات من مقلع حجري، لكنها لم تشمل سوى عينة جزئية واحدة. يقول غاستالدو أن الأمر قد استغرق عدة سنوات للعثور على أربعة عينات أخرى من نفس النبات، في مكان قريب جدًا.

أحفورة Sanfordiacaulis densifolia (المقياس 1 متر). المصدر: ماثيو ستيمسون

كشفت إحد العينات عن كيفية انفصال الأوراق من أعلى الشجرة، ما يجعلها «فريدة تمامًا». يقول الباحثون إنها واحدة من القلائل في السجل الأحفوري الذي يمتد لأكثر من 400 مليون سنة، إذ حوفظ فيها على جذع ربطت أوراق التاج حوله.

وفقًا للدكتور غاستالدو: «أي شجرة أحفورية ذات تاج سليم تعدّ نادرة في تاريخ الحياة وكون أوراق التاج متصلة بالجذع، يثير وحده تساؤلات حول نوع النبات هذا، وكيف يتم تنظيم هذا النبات، وهل هو أحد الأشكال التي استمرت حتى الوقت الحاضر، أم أنه خارج المفهوم ‘الطبيعي’ للشجرة؟ كل هذه الأسئلة، وغيرها الكثير، أدت إلى هذا العمل الذي استمر لسنوات عديدة».

يفيد الباحثون بأن الشجرة اعتمدت، على الأرجح، على نمط نموها غير المعتاد لزيادة كمية الضوء التي يمكن أن تلتقطها وتقليل منافستها مع النباتات الأخرى على الأرض. واقترحوا إمكانية أن تمثل هذه الشجرة أبكر دليل على نمو أشجار أصغر تحت مظلة غابات أطول.

يعني ذلك أن الحياة النباتية في الفترة الكربونية المبكرة كانت أكثر تعقيدًا مما كان متوقعًا، ما يوحي بأن جنس سانفوردياكوليس قد عاش في وقت كانت فيه النباتات «تجرّب» مجموعة متنوعة من الأشكال أو البنى المحتملة. ويقول غاستالدو: «يتكون تاريخ الحياة على اليابسة من نباتات وحيوانات تختلف تمامًا عن أي من تلك الموجودة حاليًا».

«على مدى التاريخ البعيد، أدت آليات التطور إلى ظهور كائنات حية نجحت في البقاء لفترات زمنية طويلة. مع ذلك، اتخذت أشكال هذه الكائنات وأنماط نموها ودورات حياتها مسارات واستراتيجيات مختلفة. تمثل الحفريات النادرة وغير المعتادة، مثل شجرة نيو برونزويك، مجرد مثال واحد على الكائنات التي استعمرت كوكبنا والتي لم تنجح تجربتها التطورية».

 

ترجمة: علاء شاهين

المصدر: phys.org

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *