حياة السرطانات بين المحيطات واليابسة: رحلة تطوّرية عبر ملايين السنين

«لماذا عبرت السرطانات الطريق؟ للوصول إلى العالم الآخر»

السرطانات بمثابة رحالة البحر الشابّة، تسعى باستمرار للتغيير والبحث عن مكانها المثالي. عادةً ما يتضمن هذا السعي الانتقال من المحيط إلى بيئات أخرى، وقد كشفت أبحاث جديدة أن السرطانات ربما فعلت ذلك 17 مرة على الأقل خلال المئة مليون سنة الماضية.

أجرت مجموعة دولية من الباحثين دراسة، هدفت إلى الكشف عن عدد المرات التي غادرت فيها السرطانات الحقيقية -التابعة لرتبة قصيرات الذنب- البيئة البحرية، بالإضافة إلى تحديد الفترة الزمنية التي حدثت فيها هذه الأحداث. تضمنت الدراسة البحث عن الحالات التي انتقلت فيها السرطانات إلى اليابسة حصرًا، وهي العملية المعروفة باسم التحول نحو البرية، وكذلك الحالات التي استقرت فيها السرطانات في الموائل شبه التحول نحو البرية مثل مناطق المد والجزر ومصبات الأنهار.

خاض الباحثون في غِمار معلومات ضخمة للكشف عن رحلات السرطانات البرية مع الاستعانة بثلاث خرائط معرفية: الأولى تخطط شجرة عائلة لـ 344 نوعًا وعلاقاتها التطورية بالاعتماد على الحمض النووي، والثانية تفصّل السجل الأحفوري للسرطانات الموثّق كاملًا على مر العصور، أما الثالثة فتضم مجموعة من بيانات التاريخ الطبيعي مثل الشكل وسلوك هذه المخلوقات.

اكتشف فريق الباحثين بعد ربطهم البيانات المتنوّعة آنفة الذكر، أن السرطانات الحقيقية أقدم بكثير مما كان يُعتقد سابقًا، إذ ظهرت لأول مرة في الفترة الثانية من العصر الترياسي، لكن، تبيّن أيضًا أنها غادرت المحيطات بين 7 إلى 17 مرة خلال الـ 100 مليون عام الماضية. هذا ما يُميز السرطانات عن سائر المفصليات، فمن المحتمل أن تكون الغالبية العظمى منها خاضت عملية الانتقال إلى اليابسة بضع مرات كحد أقصى، وحدث ذلك منذ أكثر من 300 مليون عام.

توصلت الدراسة أيضًا إلى وجود مسارين رئيسيين للتحول نحو البرية: إما انتقال السرطانات من البحار إلى اليابسة عبر مناطق المد والجزر والشواطئ والغابات الساحلية، أو بطرق أخرى غير مباشرة من خلال مصبات الأنهار والمياه العذبة المغمورة وضفاف الأنهار، قبل الوصول إلى الغابات الساحلية والأدغال.

لكي تفعل السرطانات ذلك، كان عليها أن تطور صفات معينة تناسبها مع بيئاتها الجديدة – وتشير النتائج إلى أن السرطانات المختلفة طوّرت هذه الصفات نفسها بشكل مستقل، في عملية تعرف باسم التطور المتقارب.

في بيانها، قالت جوانا وولف، الباحثة الرئيسية في الدراسة: «لاحظنا عددًا كبيرًا من الأحداث المتقاربة للانتقال إلى اليابسة، تضمنّت تطور صفات متشابهة»، وأوضحت إمكانية أن تساعد هذه الأحداث العلماء «في فهم ما حدث في مجموعات أخرى من الحيوانات التي انتقلت من البحر إلى اليابسة، والتنبؤ بالتطور المستقبلي للصفات التي تسمح بذلك».

وأضافت وولف: «يكمن الهدف في منحنا القدرة على تطبيق ما تعلمناه على شجرة الحياة بأكمله».

اكتشف الباحثون حدثًا غير متوقعًا في بياناتهم، إذ وجدوا أن بعض أنواع السرطانات قد عاد للعيش في بيئة مائية بالكامل في مناسبتين أو ثلاث على الأقل خلال الفترة الزمنية نفسها.

لعل ارتفاع إيجارات المناطق الساحلية دفعهم للبحث عن سكن أرخص، فعادوا للعيش مع عائلاتهم! إن التفسير العلمي لهذا السلوك ليس بعيدًا عن هذا الاستنتاج المبالغ فيه، إذ تجد السرطانات صعوبة كبيرة في الابتعاد تمامًا عن البيئات المائية.

أوضحت جوانا وولف، الباحثة الرئيسية: «لا تسعى السرطانات للعيش على الأرض. إذ تشير نتائجنا إلى أنه من الأسهل الانتقال من البيئات البحرية بالكامل إلى بيئات المد والجزر أو مصبات الأنهار، وقد يكون الانتقال للعيش باستقلالية أكثر عن الماء، مثل ما فعل السرطان الكمانيّ الذي يعيش في الغالب على اليابسة بسبب حاجته للمزيد من التكيفات الفسيولوجية، أصعب ب 100 مرة. إن التطور مستمر، والبيئات التي تشغلها الكائنات الحية في تغيّر مستمر مع مرور الوقت. لا يوجد تكيف مثالي يمكن أن يستمر إلى الأبد».

 

قُبِلت الدراسة للنشر في دوريّة علم الأحياء التصنيفي.

 

ترجمة: علاء شاهين

المصدر: iflscience

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *