دراسة تكشف تاريخ تطور أقدم مصاصي الدماء

نجح باحثون في جامعة ولاية كارولينا الشمالية وبالتعاون مع علماء من جميع أنحاء العالم بوضع خريطة شجرة حياة البعوض. تمثل هذه الخريطة خطوة كبيرة نحو فهم أفضل للصفات الحيوية للبعوض، بما في ذلك كيفية اختيارها لمضيفها، وتغذيتها على الدم ونقلها للأمراض. ستساعد نتائج الدراسة الباحثين في وضع توقعات أفضل لنمذجة انتقال الأمراض، وفهم العوامل التي تجعل بعض أنواع البعوض أكثر نقلًا للأمراض من غيره.

وفقا لأستاذ علم الحشرات في جامعة ولاية نورث كارولاينا والمؤلف المسؤول لورقة البحث التي نصف شجرة عائلة البعوض، والتي نُشرت في مجلة نيتشر كوميونكيشنز، الدكتور برايان ويجمان: «تشير الأبحاث إلى أن تطور البعوض على مدى 200 مليون سنة الماضية يعكس تاريخ الأرض من تحركات في كتل اليابسة، وتغيرات في الكائنات الحية المُضيفة».

يضيف ويجمان: «يهدف هذا المشروع المستمر إلى بناء مصدر للبيانات الضخمة ينقّب في المؤلفات الأكاديمية التي تحوي ملاحظات حول مصادر الدم التي يتغذى عليها البعوض من حيوانات متنوعة بدءًا من الأسماك ووصولا إلى لبشر. يركز المشروع، بشكل صريح، على جمع البيانات لاستنتاج جوانب من بيولوجيا البعوض بطريقة سياقية، ما يعني ربط شجرة العائلة، أو شجرة التطور، بتاريخ حياة الأرض: التاريخ الجيولوجي وتاريخ المناخ وتاريخ الكائنات الحية».

بينما كان الباحثون يدرسون المؤلفات الأكاديمية لجمع أكبر قدر ممكن من المعلومات المنشورة عن البعوض، سمحت تقنيات التسلسل الجيني الجديدة أيضًا بدراسة بعوض عمره عقود من الزمن، بعضها محفوظ بدبابيس داخل مجموعات الحشرات، وجمعِ قدرٍ كبير من المعلومات حول تشابهها الجيني من خلال استخدام أجزاء من مخططاتها الجينية، أو الجينومات ليس إلا.

يوضح ويجمان قائلا: «بُذلت جهود بحثية كبيرة لدراسة الأنواع المهمة للبعوض. مع ذلك، فقد كان هناك فجوة كبيرة في فهمنا للتنوع الهائل للبعوض حول العالم. أما الآن، فقد امتلكنا الأدوات اللازمة لاستخلاص المعلومات الجينية بسرعة ودقة أكبر من أي وقت مضى. لذا فقد حان الوقت لإجراء دراسة شاملة لتحديد السياق التطوري للبعوض الناقل للأمراض والأنواع المعروفة جيدا».

بعد تجميع المعلومات الجينية والمنشورة معًا، توصل الباحثون إلى بعض النتائج البارزة التي يمكن تقييمها مقابل النماذج والتوزيعات الحالية.

تعود أصول البعوض إلى ما يقرب من 217 مليون عام، وربما نشأت في أمريكا الجنوبية قبل أن تتشكل قارة أمريكا الجنوبية الحالية، على كتلة أرضية كبيرة لم تكن قد انفصلت بعد، تسمى غوندوانا.

أشار الدكتور ويجمان إلى أن: «أثرت الأحداث الجيولوجية الرئيسية، مثل الانجراف القاري، بالتأكيد على تنوع البعوض».

وأعقب: «أكدت البيانات الجينية أن التغذية بالدم تطورت في وقت مبكر جدًا، قبل أن تزدهر بعض مجموعات الفقاريات على الأرض، مثل الثدييات والطيور، وقد تطور البعوض جنبًا إلى جنب معها مستخدمًا استراتيجية تغذية جديدة تتمثل بتطوير إبر تحت الجلد للفم وبالتغذي على الدم بهدف حصول الإناث على كميات بروتين تكفي لتطوير بيض ناضج».

يقول ويجمان: «لا نملك بقايا لمحتويات أمعاء البعوض الذي عاش قبل مئات الملايين من السنين. مع ذلك، من المرجح أن تكون الديناصورات قد قدمت وجبات دموية دسمة للبعوض».

وأضاف: «قبل أن تصبح الثدييات هي المضيفات الرئيسية للبعوض على سطح الأرض، كان لا بد من وجود مصدر غذاء آخر له. تشير أبحاثنا إلى أن البعوض بدأ يتغذى على البرمائيات، لينتقل بعدها للتغذي على مجموعات أخرى (الزواحف والطيور) إذ ازدهرت هذه المجموعات خلال العصر الجوراسي منذ نحو 200 مليون و145 مليون سنة مضت».

يؤكد ويجمان: «إن العمل على شجرة عائلة البعوض مستمر، فهي تمثل خارطة طريق لأنواع التكيفات التي سمحت لبعض أنواع البعوض بأن يصبح ناقلًا مهمًا للأمراض ولم تسمح للبعض الآخر بذلك، وإذا اكتشفنا أي البعوض هو السيء، ووضعناه في السياق الذي أدى إلى نقله للأمراض البشرية، عندئذ يمكننا فهم المزيد عن كيفية اتخاذ مسارات مماثلة، أو كيف يمكننا التنبؤ بالأسباب التي جعلت بعضها حاملًا للفيروسات وبعضها الآخر لا».

 

تشير الصورة أعلاه إلى مجموعة من الدراسات التطورية واسعة النطاق حول علاقة البعوض بمضيفه المبنية على التغذي على الدم، واستندت على تحليل 293,308 سجل غذائي ل 422 نوع مختلف من البعوض الذي يتغذى على الدم.

(A)

تُبين النتائج وجود تباين كبير في درجة ارتباط البعوض بالمضيف على مستوى الفصيلة، إذ تُظهر أعلى درجة ارتباط مضيف بين عدة أجناس أن العديد منها يمتلك درجة عالية من ارتباط المضيف على مستوى الفئة المضيفة، مع وجود بعض الاستثناءات. تمثل كل نقطة نوعا معينا من البعوض ينتمي إلى جنس محدد. عند النظر إلى الرسوم البيانية المرتبطة بكل جنس، تظهر لنا درجة الارتباط القصوى للبعوض مع المضيف بشكل واضح، بالإضافة للدرجة الوسطية التي تظهر على شكل أعمدة سوداء، إلى جانب النطاق الربعي الذي يظهر بشكل صناديق. ويرسم طرفي المخطط الصندوقي ضمن +/−1.5 مرة من النطاق الربعي.

(B)

لاحظ الباحثون وجود علاقة قوية بين تطور سلالات البعوض وتفضيلاتها الغذائية، إذ ظهرت كإشارة وراثية كبيرة في ارتباط المُضيف الفقاري لديها، كما هو ظاهر في اختبار مانتل السلالي، واختبار بلومبرغ متعدد الأبعاد (K = 0.06، P < 0.027)، وهذا يعني أن «البعوضاوات» (أكبر فرع من عائلة البعوض) ذات الصلة الوثيقة تميل لتمتلك نفس تفضيلات مضيف الدم، أكثر من الأنواع ذات الصلة الأبعد، كما هو موضح بالشريط الأحمر في الرسم (دلالة إحصائية عند قيمة ألفا 0.05)، بالإضافة للشريط الأزرق الذي يمثل الأنواع ذات الصلة الأبعد التي تختلف في مضيف الدم. تمثل الخطوط المتقطعة فترات ثقة بنسبة 95٪ (1000 تكرار) لتقدير صحة الإشارة الوراثية.

(C)

تشير النماذج الناتجة عن إعادة تحديد خصائص سلف سلالات البعوض، بالاستناد لتفضيلات المضيف، إلى أن جميع أنواع البعوضاوات تنحدر من سلف مشترك كان يتغذى على البرمائيات. تدل المجالات الرمادية والبيضاء في الرسم على الفترات الزمنية الجيولوجية.

(D)

أعيد بناء أصل وتنوع الأنسال الحالية على مستوى العائلة لفئات الفقاريات الرئيسية من متوسط تقديرات النسل والتقديرات التطورية للخلفية لقاعدة بياناتVertLife.org . نشأت العديد من النسلات الرئيسية الحالية من الزواحف والبرمائيات خلال العصر الجوراسي والطباشيري، بينما نشأت معظم الثدييات والطيور الحديثة في العصر الطباشيري المتأخر والعصر البالوجيني.

 

ترجمة: علاء شاهين

المصدر: phys.org

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *