يمكنك معرفة كيف تعلمت أسماك الورانك الطيران في الماء عبر قراءة جينومها

يمكنك معرفة كيف تعلمت أسماك الورانك الطيران في الماء عبر قراءة جينومها

ترقص أسماك الورانك الصغيرة رقصتها الرشيقة في قاع المحيط، فتتموج زعانفها الأمامية الضخمة متدحرجةً تحت طبقة من الرمال. يمكن بسهولة عدم تمييزها بسبب هذا التمويه المرقط باللون الرملي.

اكتشف العلماء في مركز ماكس ديلبروك في برلين والمركز الأندلسي لعلم الأحياء التنموي (CABD) في إشبيلية ومختبرات أخرى في الولايات المتحدة كيف طورت هذه الأسماك زعانفها التي تشبه المعطف من خلال دراسة حمضها النووي. وجدوا أن مفتاح تطور هذه الزعانف لا يكمن في مناطق الترميز في جينومها، بل في المناطق غير المشفرة والمعقدات ثلاثية الأبعاد التي تنطوي فيها. تسمى هذه الهياكل ثلاثية الأبعاد بالمجالات المرتبطة طوبولوجيًا (TADs).

يصف الفريق الدولي في مقالهم المنشور في مجلة Nature أن التغيرات الجينية التي تؤثر على المجالات المرتبطة طوبولوجيًا قد تقود التطور. حتى وقت قريب، كانت تركز دراسة تطور الجينوم على دراسة التباين على مستوى تسلسل الحمض النووي، ولكن ليس على الهياكل الجينية ثلاثية الأبعاد. يقول الدكتور داريو لوبيانيز، عالم الوراثة في مركز ماكس ديلبروك وأحد المؤلفين الرئيسيين للدراسة: «إنها طريقة جديدة للتفكير في كيفية تطور الجينوم».

يقول المؤلف المشارك الدكتور تيتسويا ناكامورا، عالم الأحياء التنموي بجامعة روتجرز: «على الرغم من أننا استنتجنا من دراساتنا أن أنماط التعبير الجيني الفريدة هي الأساس لزعانف أسماك الورانك العريضة بشكل استثنائي منذ فترة، لكن بقيت التغييرات التنظيمية الأساسية في الجينوم غير معروفة».

منذ أكثر من 450 مليون سنة، تضاعف جينوم سمكة بدائية (سلف جميع الفقاريات) مرتين. أدى التوسع في المادة الوراثية إلى التطور السريع لأكثر من 60 ألف نوع من الفقاريات، بما في ذلك البشر. تعتبر سمكة المزلجة الصغيرة من فصيلة الورانك (Leucoraja erinacea) أحد أقارب الفقاريات الأكثر بعدًا، والتي تنتمي إلى سلالة من الأسماك الغضروفية التي تشمل أسماك القرش والشفنين.

إن أبناء العمومة البعيدين كائنات حية مثالية للتعرف على تطور السمات التي جعلتنا بشرًا. تقول الدكتورة كريستينا باليو، عالمة الأحياء التنموية في المركز الأندلسي لعلم الأحياء التنموي (CABD) وأحد المؤلفين الأوائل: «أسماك المزلجة الصغيرة هي أسماك غضروفية (Chondrichthyans). وتعتبر أكثر تشابهًا مع أسلاف الفقاريات. يمكننا مقارنة خصائص سمكة المزلجة الصغيرة مع الأنواع الأخرى وتحديد ما هو جديد وما هو سلف».

في عام 2017، جمع الراحل الدكتور خوسيه لويس جوميز سكارميتا من المركز الأندلسي لعلم الأحياء التنموي (CABD)، وهو شخصية مؤسِّسة في علم الجينوم التطوري باحثين من جميع أنحاء العالم لدراسة تطور فصيلة أسماك الورانك: اشترك معهم في البحث مختبرات ذات خبرة في تطور الجينوم مثل مختبر فرديناند مارليتاز في الكلية الجامعية في لندن ومختبر دانيال روكسار في جامعة كاليفورنيا، بيركلي، ومختبرات أخرى ذات خبرة في بيولوجيا أسماك المزلجة الصغيرة مثل مختبر نيل شوبين في جامعة شيكاغو، حيث كان موقع تيتسويا ناكامورا (الآن في روتجرز) وفي تنظيم الجينات ثلاثية الأبعاد مثل خوان تينا في المركز الأندلسي لعلم الأحياء التنموي ومختبرات داريو لوبيانيز وغوميز سكارميتا، بالإضافة إلى متعاونين آخرين.

كان غوميز سكارميتا مهتمًا بمعرفة كيفية تطور الجينوم هيكليًا ووظيفيًا لتعزيز ظهور سمات جديدة. قال في عام 2018: «إلى حد كبير، التطور هو تاريخ تغيير تنظيم التعبير الجيني أثناء التطور».

لقد كان وقتًا مثيرًا لعلم الجينوم التطوري. تحسنت تقنيات تسلسل الجينوم بشكل كبير ويمكن للعلماء اكتساب رؤى جديدة عن كيفية طي الحمض النووي، الذي يصل طوله حتى بضعة أمتار إذا مددناه من طرف إلى الطرف الآخر، في نواة خلية قطرها 0.002 بوصة. يقول لوبيانيز: «إن تغليف الحمض النووي في النواة أبعد ما يكون عن العشوائية». ينطوي الحمض النووي في هياكل ثلاثية الأبعاد تسمى المجالات المرتبطة طوبولوجيًا (TADs) والتي تحتوي على الجينات وتسلسلها التنظيمي. ضمن هذه الهياكل ثلاثية الأبعاد يحدث تشغيل الجينات المناسبة وإيقاف تشغيلها في الوقت المناسب، وفي الخلايا الصحيحة.

أجرى الدكتور رافائيل أسيميل، عالم الوراثة في مركز ماكس ديلبروك وأحد المؤلفين الأوائل، تجارب باستخدام تقنية Hi-C، لتوضيح البنية ثلاثية الأبعاد للمجالات المرتبطة طوبولوجيًا. كان تفسير النتائج صعبًا في البداية، فقد احتاج العلماء إلى جينوم سمكة المزلجة الصغيرة الكامل كنقطة مرجعية. يقول أسيميل: «في ذلك الوقت، كان المرجع عبارة عن آلاف القطع الصغيرة غير المرتبة من تسلسل الحمض النووي، وقد عرقلنا ذلك».

للتغلب على هذه الصعوبة، استخدم العلماء تقنية التسلسل طويلة القراءة، جنبًا إلى جنب مع بيانات Hi-C، لتجميع أجزاء الحمض النووي مثلما تجمع أجزاء اللغز وتعيين التسلسلات غير المرتبة لكروموسومات سمكة المزلجة الصغيرة. مع هذا المرجع الجديد، أصبح تجميع الهيكل ثلاثي الأبعاد للمجالات المرتبطة طوبولوجيًا (TADs) باستخدام تقنية Hi-C أمرًا بسيطًا.

قارنوا جينوم سمكة المزلجة الصغيرة المحسن هذا بجينومات أقرب الأقارب، أسماك القرش، لتحديد أي المجالات المرتبطة طوبولوجيًا (TADs) تغيرت أثناء تطور السمكة. تضمنت المجالات المرتبطة طوبولوجيًا المعدلة جينات Wnt / PCP، وهي جينات هامة في مسار تطور الزعانف. كان هناك أيضًا تباين خاص بسمكة المزلجة الصغيرة في تسلسل غير مشفر بالقرب من جينات Hox، والتي تنظم أيضًا تطور الزعانف. يقول باليو: «يمكن لهذا التسلسل المحدد تنشيط العديد من جينات Hox في الجزء الأمامي من الزعانف، وهو ما لا يحدث في الأسماك الأخرى أو الحيوانات ذات الأرجل الأربعة». بعد ذلك، أجرى العلماء تجارب وظيفية أكدت أن هذه التغييرات الجزيئية ساعدت هذه الأسماك على تطوير زعانفها الفريدة.

المجالات المرتبطة طوبولوجيًا (TADs) تقود التطور

أظهرت الأبحاث السابقة أن التغييرات في المجالات المرتبطة طوبولوجيًا يمكن أن تؤثر على التعبير الجيني وتسبب الأمراض لدى البشر. في هذه الدراسة، أظهر العلماء دورًا للمجالات المرتبطة طوبولوجيًا في قيادة التطور الذي لاحظوه سابقًا في الشامات أيضًا.

بعد أن ضاعفت أسلاف الأسماك البدائية جينومها، فُقدت لاحقًا العديد من الأجزاء غير المستخدمة والزائدة عن الحاجة. يقول لوبيانز: «لم تكن الجينات وحدها هي التي اختفت، ولكن أيضًا العناصر التنظيمية المرتبطة بها والمجالات المرتبطة طوبولوجيًا المتضمنة فيها. أعتقد أنه اكتشاف مثير لأنه يشير إلى أن البنية ثلاثية الأبعاد للجينوم لها تأثير على تطورها».

يقول أسيميل إن المجالات المرتبطة طوبولوجيًا مهمة لتنظيم الجينات، وما تزال 40% منها محفوظة في جميع الفقاريات. «ومع ذلك، فقد تطورت 60% منها بطريقة أو بأخرى. ماذا كانت عواقب هذه التغييرات على تطور الأنواع؟ أعتقد أننا بالكاد نعرف القليل عن هذه الظاهرة المثيرة».

قد تكون آلية التطور هذه التي تقيدها المجالات المرتبطة طوبولوجيًا سائدة في الطبيعة. يقول لوبيانز: «نشك في أن هذه الآليات قد تفسر العديد من الأنماط الظاهرية الأخرى المثيرة للاهتمام التي نلاحظها في الطبيعة. يدخل مجال علم الجينوم التطوري في حقبة جديدة من الاكتشافات بعد هذه الدراسات الجديدة عن التعبير الجيني، وتنظيم الجينات، وتنظيم الكروماتين ثلاثي الأبعاد».

 

ترجمة: ولاء سليمان

المصدر: phys.org

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *