كشف أسرار تطور الإنزيمات على مستوى الجزيئات الكبيرة

كشف أسرار تطور الإنزيمات على مستوى الجزيئات الكبيرة

حقق البروفيسور نيكولاس دوسيه وفريقه في المعهد الوطني للبحوث العلمية (INRS) تقدمًا كبيرًا في وقت سابق من هذا العام في مجال الحفظ التطوري للديناميكا الجزيئية في الإنزيمات. يبشر عملهم، الذي نُشر في مجلة Structure، بالعديد من التطبيقات المحتملة في مجال الصحة، بما في ذلك تطوير أدوية جديدة لعلاج الأمراض الخطيرة مثل السرطان، أو مواجهة مقاومة المضادات الحيوية.

كان البروفيسور دوسيه شغوفًا بدراسة الأشياء غير المرئية بالعين المجردة وكشف أسرارها، وتوضيح مدى أهميتها لجميع أشكال الحياة، وبصفته باحثًا متخصصًا في ديناميكا البروتين، درس دوسيه البروتينات والإنزيمات، والروابط غير الواضحة بين بنيتها ووظيفتها وحركتها على المستوى الذري. يبدأ أخصائي هندسة الإنزيم بدراسة المشكلات من مبدأ نظري ليتمكن من تصور طرق بحث جديدة.

قال البروفيسور دوسيه، الباحث في مركز التقانة الحيويةArmand-Frappier Santé والرئيس المشارك العلمي لمختبر التحليل الطيفي بالرنين المغناطيسي النووي في المعهد الوطني للإحصاء: «قد يكون القليل من الخيال هو كل ما يتطلبه الأمر لخلق مسارات متعددة وجديدة للبحث في هذا العالم الصغير الذي ما زلنا نجهل الكثير عنه، ولكن مع الالتزام الدقيق بالعملية العلمية».

فهم أفضل لوظيفة الجزيئات

بحث فريق البروفيسور دوسيه في مسألة مهمة في هذا المجال كجزء من الدراسة، وهي: إذا كان البروتين أو الإنزيم يعتمد على التغيير الجزيئي لهيكله ثلاثي الأبعاد لأداء وظيفته البيولوجية لدى البشر، هل تعتمد الأنزيمات المماثلة لدى الفقاريات أو الكائنات الحية الأخرى أيضًا على نفس التغييرات في بنيتها الجزيئية؟

بعبارة أخرى، إذا كانت بعض التغيرات الحركية ضرورية للوظيفة البيولوجية للبروتينات والإنزيمات، فهل تُحدد هذه التغييرات وتحفظ كآلية تطورية جزيئية في جميع أشكال الحياة؟ على الرغم من فهمنا المحدود لكيفية عمل هذه الجزيئات الكبيرة والضرورية للحياة على الأرض، حاول الفريق الإجابة على هذا السؤال.

شهدت العقود الأخيرة العديد من التطورات في مجال التقانة البيوكيميائية والفيزيائية الحيوية التي سهلت وبشكل واضح دراسة الهياكل الجزئية للبروتينات والإنزيمات.

أوضح المؤلف الرئيسي للدراسة، ديفيد برنارد، خريج المعهد الوطني الفرنسي لأبحاث السلامة، وحاصل على درجة الدكتوراه، وطالب في مختبر البروفيسور دوسيه في ذلك الوقت:

«لقد درسنا إنزيمات مختلفة تنتمي إلى نفس العائلة لتحليل العديد من البروتينات التي تؤدي نفس الوظيفة البيولوجية، قارنا حركاتها على النطاق الذري لكشف ما إذا كانت نفسها خلال التطور. وعلى الرغم من أوجه التشابه العام بين الأنواع، لكن فوجئنا باكتشاف النقيض من ذلك بما يخص الحركات التي كانت متباينة بشكل واضح».

الحركات الجزيئية ذات الأهمية

تعتمد الوظيفة الجزيئية للبروتين أو الإنزيم على تسلسل الأحماض الأمينية الخاصة به، وعلى هيكله ثلاثي الأبعاد (3D) أيضًا. اكتشف العلماء في السنوات الأخيرة أن ديناميكا البروتين ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالنشاط البيولوجي لبعض الإنزيمات والبروتينات.

إذا كان هذا هو الحال بالنسبة لإنزيم معين، فكيف تحفظ هذه الحركات من وجهة نظر تطورية؟ وهل توجد حركات ذرية محددة وخاصة في عائلة الإنزيم؟ وهل تحفظ من الناحية التطورية للحفاظ على الوظيفة البيولوجية؟

تعتبر حركات النطاق الذري داخل البروتينات محدد مهم للضغط الانتقائي للحفاظ على الوظيفة البيولوجية، على غرار الحفاظ على تسلسل الأحماض الأمينية أو بنية البروتين.

قدم فريق البروفيسور دوسيه ومعاونوه تحليلًا جزيئيًا وديناميكيًا للعديد من الريبونوكليازات، وهي إنزيمات تُعرف باسم RNases تحفز تدرّك الحمض النووي الريبي إلى عناصر أصغر. اختيرت RNases من عدة أنواع من الفقاريات، بما في ذلك الرئيسيات والبشر، على أساس التناظر الهيكلي والوظيفي.

أظهرت هذه الدراسة، التي تستند إلى بحث نشره الفريق مسبقًا، أن إنزيمات الـ RNases التي تحتفظ بوظائف بيولوجية محددة في أنواع مختلفة تحافظ أيضًا على مظهر ديناميكي متشابه جدًا فيما بينها. على النقيض من ذلك، أبدت إنزيمات الـ RNases المتشابهة هيكليًا والتي تملك وظيفة بيولوجية مختلفة نظامًا ديناميكيًا فريدًا لكل إنزيم، ما يشير بقوة إلى أن الحفاظ على الديناميكيات يرتبط بالوظيفة البيولوجية في هذه المحفزات الحيوية.

يبشر توضيح الحركات الأساسية لوظيفة البروتين أو الإنزيم باستغلال إمكاناته العلاجية. قد يوفر هذا التطبيق طريقةً للتحكم في وظائف البروتين والإنزيم في الخلية، يُعرف هذا المجال بالتعديل أو التثبيط الخيفي.

يمكن تثبيط الإنزيم بنجاح عن طريق ربط الدواء بموقعه النشط واستهداف الموقع الخيفي على سطح البروتين في الوقت نفسه وهو ما يحقق فائدة مضاعفة. تكمن الفكرة هنا في تثبيط الموقع النشط للإنزيم مع تعطيل ديناميكياته الجزيئية عبر استهداف موقعه الخيفي. يفيد الإجراء التثبيطي بشكل واضح في التقليل من تطور مقاومة المضادات الحيوية.

تشكل مقاومة الأدوية قضية صحية عالمية. وتعتبر مقاومة المضادات الحيوية في مكافحة البكتيريا التي تصيب البشر وحيوانات المزرعة في السنوات الأخيرة المثال الأكثر إقناعًا لخطورة المشكلة.

في الختام، يمكن ملاحظة الحركات الجزيئية المحددة بشكل نوعي في بعض عائلات الإنزيمات، الأمر الذي سيسمح للباحثين بتحقيق درجة ملحوظة من الانتقائية في تطوير مثبطات خيفية فريدة من دون التأثير على الإنزيمات المتجانسة هيكليًا أو وظيفيًا.

 

ترجمة: ولاء سليمان.

المصدر: phys.org

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *