قُدّس الدجاج لقرون عديدة قبل أن يغدو غذاءً

كان ينظر إلى الطيور في البداية على أنها حيوانات عجيبة.

لم تبدُ العلاقة الأولى للدجاج مع البشر على شاكلتها اليوم، أي كطبق من أجنحة أو أفخاذ الدجاج اللذيذة. وجد الباحثون أن البشر رؤوا في هذه الطيور واسعة الانتشار حاليًا كائنات غريبة، وقد كرموها وعبدوها حتى.

لم يبدُ أول دجاج مستأنس كالطيور البدينة سريعة النمو حاليًا. وفقًا لدراسة جديدة، يُقدر حجمها بحوالي ثلث حجم الدجاج الحديث، ومن المحتمل أن ألوانها اللافتة للنظر وأصواتها الفريدة قد جعلت الناس يرونها كأنواع مستجدة غامضة ومثيرة عوضًا عن رؤيتهم لها كوجبات مغذية. في الواقع، انقضى نحو 500 عام منذ الوصول الأول للدجاج إلى أوروبا حتى ابُتدئ استخدامه كطعام على نطاق واسع.

بعبارة أخرى، تناول دجاجة في أوروبا الوسطى عام 500 ق.م أشبه بالتهام ببغاء المكاو القرمزي اليوم.

قال المؤلف المشارك في الدراسة جريجر لارسون، مدير شبكة أبحاث علم الآثار القديمة وعلم الآثار البيولوجية بجامعة أكسفورد في إنجلترا: «كان الدجاج في البداية أمرًا مذهلًا». فكما يتدافع الناس حاليًا لاقتناء أيًا ما تمتلكه عائلة الكارداشيان، فإن اقتناء دجاجة كان رغبة الجميع قبل آلاف السنين».

قصة الدجاج الأصلية الغامضة

ثمة حوالي 80 مليون دجاجة (غالوس دوميستيكوس) على سطح الأرض اليوم. في الولايات المتحدة، تعيش الدجاجة النموذجية المرباة من أجل اللحوم ستة أسابيع فقط قبل ذبحها، وربما تعيش الدجاجة البيّاضة عامين إلى ثلاثة أعوام.

ولكن قبل أن يكون هناك دجاج مدجن، عرف البشر أسلافها البرية: دجاج الأدغال الأحمر (غالوس غالوس) من جنوب شرق آسيا، حيث تمرست الطيور بأكل الفاكهة والبذور، لا سيما في غابات الخيزران الكثيفة. يكتنف الغموض قصة طيور الغابة هذه وكيف باتت أحد أكثر الأطعمة شعبية على وجه الأرض. ذلك لأن تطبيق علم الآثار في جنوب شرق آسيا ذي الغابات الكثيفة يمثل تحديًا بحد ذاته، ولم يعر علماء الآثار دائمًا اهتمامًا وثيقًا للآثار الصغيرة كعظام الدجاج. إضافةً لأن عظام الدجاج تنطمر بسهولة في الأرض أو تتلف جرّاء حفر الثدييات والعمران البشري وغير ذلك، وفقًا للمؤلف المشارك في الدراسة جوريس بيترز، عالم آثار الحيوان في جامعة لودفيج ماكسيميليان في ميونيخ.

هذا يعني أن طبقات التربة الحاوية على عظام الدجاج قد لا تمثل بدقة عمر العظام، كما أفاد بيترز ولارسون وزملاؤهم في ورقتين نشرتا يوم الاثنين (6 يونيو): واحدة في مجلة Proceedings of the National Academy of Sciences والأخرى في مجلة Antiquity.

رحلة الدجاجة البحرية

تضمن هذا البحث نتائج ما يزيد عن عقد من الزمن من إعادات قياس وتحليل عظام الدجاج المكتشفة سابقًا، بالإضافة إلى تأريخ 12 عظمة بالكربون المشع مباشرةً من 16 موقعًا في أوروبا لتتبع انتشار الدجاج خروجًا من آسيا. كشفت نتائج كلتا الدراستين أن الدجاج قد دُجّن منذ عهد أقرب بكثير مما اقترحته التقديرات السابقة. على سبيل المثال، تبين أن مجموعة واحدة من عظام الدجاج المزعومة من الصين المؤرخة قبل 10000 عام تعود في الواقع لطيور التدرج، كما قال بيترز لموقع Live Science.

وقال لارسون، لربما ارتباط البشر والدجاج قد بدأ منذ حوالي 3500 عام فقط. بحلول عام 1500 قبل الميلاد، بدأ الناس في جنوب شرق آسيا في الزراعة الجافة للأرز والدخن، وهي عملية تضمنت إزالة مساحات من الغابات وزراعة الحقول التي امتلأت بالحبوب فجأة. من الممكن أن ذلك قد جذب طيور الأدغال الحمراء، وربما وجد الناس هذه الطيور الملونة محببة للغاية.

قال لارسون: «من السهل جدًا تحملها، وتتمتع بمظهر بديع للغاية».

بدأت عملية التدجين مع اعتماد دجاج الأدغال على البشر في اكتساب الغذاء. حوالي العام 1000 قبل الميلاد، انتشر دجاج الأغال المستأنس -ما نعرفه الآن باسم الدجاج- إلى وسط الصين وجنوب آسيا وبلاد ما بين النهرين على طول طرق تجارية مماثلة لطريق الحرير والتي غدت طرقًا أكثر ازدهارًا حوالي العام 200 قبل الميلاد.

في وقت ما بين العامين 800-700 قبل الميلاد، وصل الدجاج إلى القرن الأفريقي عبر التجارة البحرية المزدهرة. ربما نشر البحارة اليونانيون والإتروسكيون والفينيقيون هذه الطيور في جميع أنحاء البحر الأبيض المتوسط. وصل الدجاج لإيطاليا حوالي العام 700 قبل الميلاد، ليبلغ أوروبا الوسطى بين حوالي العام 400 ق.م و500 ق.م. ومن المثير للاهتمام، أن العديد من هياكل الدجاج العظمية المكتشفة في أوروبا بين العام 50 ق.م والعام 100 بعد الميلاد قد اقترنت بالمقابر: غالبًا ما كان الرجال يُدفنون مع الديكة، والنساء مع الدجاجات، ومن المحتمل أن هذا الدجاج قد عنى الكثير للأشخاص المدفون معهم، وفقًا للارسون.

«إنها طيور كبيرة في السن، طيورهم الخاصة، وقد عنت الكثير لمجتمعها».

قال لارسون إن تحول الدجاج من طائر غريب مبجل إلى طعام قد حدث على الأرجح مع نهضة الإمبراطورية الرومانية في أوروبا، حيث بات البيض مشهورًا كوجبة خفيفة في المدرجات. وأضاف لارسون أن الدليل الأول لاستهلاك الدجاج على نطاق واسع في بريطانيا الواقعة تحت سيطرة الرومان يعود إلى القرن الأول الميلادي تقريبًا، ومن غير الواضح كيف حدث هذا التحول، بيد أنه من المحتمل أن وجود الدجاج في الأرجاء لقرون عديدة قد جعل البشر يعيدون تقييم علاقتهم في سياق أكثر عملية.

«الألفة تولد الازدراء»

قال لارسون إن علم الآثار المستقبلي سيساعد على الأرجح في صقل تاريخ الدجاج، خاصة في جنوب شرق آسيا وجزر المحيط الهادئ حيث يُفتقر إلى الأدلة. يمكن أن تكشف النتائج الجديدة المزيد حول كيفية غزو الدجاج للعالم، وكيفية تغيير المجتمع البشري خلال هذه العملية.

قال بيترز: «ساعدت إدارة الطيور وتدجينها على توسيع الكفاف البشري بصورة مستدامة بمرور الوقت. بالنظر إلى الماضي، أثبت تدجين الدجاج أنه مفيد جدًا للتطورات الثقافية في المنطقة ككل، حيث يمكن بسهولة اصطحاب الأسراب المحلية في رحلات بحرية، إما كمؤن أو لتربية الدجاج في المناطق المحتلة حديثًا».

ترجمة: حاتم زيداني

المصدر: livescience

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *