ربما استطاعت الفقاريات الأولى المشي في أعماق المحيط قبل الانتقال إلى اليابسة

صُدم العلماء عام 2018 لما عرفوا أن السمكة المتزلجة ليوكوراجا إريناسيا وبعض القروش البدائية استطاعت الاستناد بأقدامها على أرضية قاع المحيط مستخدمةً الدارات العصبية ذاتها التي نستخدمها للمشي.

بشكل عام، يُعتقد أن الفقاريات تعلمت السير على الأقدام عند انتقالها من الماء إلى اليابسة، كان هذا منذ 380 مليون سنة تقريبًا. لكن الدراسات المعتمدة على سمكة المتزلج الصغيرة (إحدى أكثر الحيوانات الفقارية بدائية) تقترح وجود أصل أقدم بكثير للمشي يعود إلى 400 مليون سنة.

أنشأ علماء الرياضيات باستخدام بيانات مصورة موثقة نموذجًا يوضح ديناميكية العيش في الأعماق عند هذا المخلوق القاعيّ -يعيش في القاع- للتحقيق في زمن ظهور الحركات الشبيهة بحركات القدم في أعماق المحيط.

يتنبأ النموذج البسيط الذي صنعوه بطريقة المشي الأكثر فعالية والأفضل تحكمًا وتوازنًا في بيئة محايدة قابلة للعوم. الطريقة الأمثل هي استخدام القدمين اليسرى واليمنى بشكل متناوب، مثل سمكة المتزلج الصغيرة.

هذه الطريقة من المشي لا تحتاج طاقة إضافية ويمكن تقويتها مع الزمن باستخدام خطة تعلم بسيطة.

كتب الدارسون: «فيما يتعلق بنموذجنا، النتائج تقول أنه بغض النظر عن مساحة الحلول الواسعة التي يمكن استخدامها في آلية المشي، فإن التناوب بين القدمين اليسرى واليمنى هي الآلية التي يمكن أن تطورها هذه الأسماك، بل ستطورها. وهي الحل الأمثل لاستخدام الطاقة في التنقل».

صرح فريق الدراسة: «إيجاد مثال حقيقي مشابه لهذا المخلوق القديم كمن يجد إبرة في كومة قش»، كما قالوا أن الأرجل البدائية فقط تكفي لإنجاز هذا النمط من حركة الأقدام.

بعد تشكّل هذه الأقدام الشبيهة بالزعانف احتاج المخلوق البدائي حينها لامتلاك تحكم عصبي حتى لو كان بسيطًا للتحكم بأطرافه الجديدة التي تطورت.
بعد إتمام النموذج الصنعي لأربع مراحل تعليمية بدأت الحركة باستخدام قدم واحدة بالتبلور. بعد 200 مرحلة اعتُمدت حركة المشي ثنائية الأرجل. بالوصول للمرحلة رقم 600 بدأ النموذج بالمبادلة بين القدمين اليسرى واليمنى في المشي.

بعد إجراء 50 حالة تعليمية موزعة على 5000 مرحلة تعليمية تشمل معايير تعليمية متنوعة وأنماطًا تحفيزية وجد الباحثون أن الحل الأمثل للمشي هو نفسه الذي استخدمته سمكة المتزلج الصغيرة للمشي في 70% من الحالات المدروسة.

تشير استراتيجية التحكم البسيطة هذه إلى أن المشي في أعماق البحار سلوك قوي وفعال بشكل مشابه للمشي غير الإرادي، ويمكن تشبيهه بلعبة تسير على منحدر دون الحاجة إلى التحكم المعقد بل بالاعتماد على الجاذبية فقط.

سمكة المتزلج الصغيرة ليست مخلوقًا يسير بشكل لا إرادي كليًا، فخلايا دماغها تتحكم بست عضلات مخصصة للحركة. لكن الباحثين يقولون أن نظام مشيها يتبع مبادئ السير غير الإرادي: «نمط حركي مستمر خاضع لمصدر طاقة ثابت بدون تحكم التلقيم الراجع».

الباحثون غير متأكدين من سبب تطوير سمكة المتزلج الصغيرة حركة مشي بطيئة في قاع البحر لكنهم يقترحون أنها أكثر فاعلية وأقل استهلاكًا للطاقة من السباحة بالوتيرة نفسها. يجب إجراء المزيد من الدراسات الاستقلابية على كائنات أعماق البحار لتأكيد صحة هذه الفكرة.

تستخدم سمكة المتزلج في البرية كلا قدميها أحيانًا لتقوم بحركة تجديفية قافزة مشابهة لحركة قارب “البنط” إلى الأمام لتبدأ بسرعة بعدها حركة المشي المتناوبة بين القدمين. لم يتمكن العلماء من إيجاد نوع الحركة هذا في النموذج الذي استخدموه، لكنهم يعتقدون أنه الأفضل عند الحاجة للتسارع، وعندها كفاءة الطاقة ليست مهمة. هذا القفز غير الاعتيادي يحتاج جهدًا أكبر.

يقول عالم الرياضيات التطبيقية لاكشمينارايانان ماهاديفان من جامعة هارفارد: «مزج بيئة تضعف فيها الجاذبية الأرضية مع طبيعة جسم شكلية تبرز فيها الأقدام، مهّد الطريق أمام ظهور الحركة ثنائية القدم قبل انتقال أسلافنا المائية إلى اليابسة. أصبحت استراتيجية التحكم أكثر تعقيدًا مع انتقال أسلافنا القدماء إلى البر. لكن في بيئات مشابهة للبر مثل قاع البحر، الاستراتيجيات الأبسط قد تكون الحل».

صنع الباحثون لدعم هذا النموذج النظري رجلًا آليًا بسيطًا ثنائي الأرجل استنادًا على ظروف أعماق المحيط. في النهاية، أظهر سلوكه تشابهات مذهلة لمشية النموذج المثالية. لم تتطلب خطوته النظامية أي طاقة إضافية وتأرجح أيضًا مستندًا على جانبي جسمه بشكل متناوب للاستقرار.

لكن الرجل الآلي مال إلى الإسراع في وتيرة المشي قليلًا أكثر من سمكة المتزلج الصغيرة.

صرح الباحثون أنهم ربما لن يعرفوا تمامًا كيف بدأت أول حركات المشي، لكن نموذجهم يساعد في فهم الآليات غير الإرادية ودارات التحكم العصبية التي وُجدت عند المخلوقات الحية.

يقول العلماء: «فهم كيفية عمل الدماغ والجسم والبيئة معًا في بيئات مائية وبرية مختلفة تلزم لتضمين ردود الفعل. لكن ربما تكون الاستراتيجية البسيطة التي رأينها هنا في البيئات المتشابهة تقريبًا هي بداية هذا الأمر برمته».

ترجمة: علي علوش

تدقيق: سماح عبد اللطيف

المصدر: sciencealert

اقرأ أيضًا:

طور البشر أساليب لا نعرفها بعد للاستفادة من الماء أكثر من أسلافهم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *