أظهرت دراسة حديثة أجرتها جامعة كاليفورنيا، ديفيس، والمعهد الوطني للتكنولوجيا الزراعية (آي إن تي إيه) في الأرجنتين أن فيروس إنفلونزا الطيور شديد الضراوة إتش فايف إن ون، قد تكيّف ليشمل الانتشار بين الطيور والثدييات البحرية. يشكل هذا الاكتشاف تهديدًا مباشرًا للحفاظ على الحياة البرية.
قدّمت دراسة حديثة نُشرت في مجلة الأمراض المعدية الناشئة، أول تحليل جيني لفيروس إتش فايف إن ون في الكائنات البحرية على الساحل الأطلسي لأمريكا الجنوبية.
لإتمام الدراسة، جمع العلماء عينات من أدمغة أربعة أسُود بحر، وحيوان فقمة الفراء، وطير من جنس الخرشناوات عُثِر عليها ميتة في مستعمرة أسود البحر الأكثر تضررًا في الأرجنتين. أظهرت جميع العينات نتائج إيجابية لفيروس إتش فايف إن ون.
أظهر تحليل التسلسل الجيني للفيروس المُعزول من عيّنات أسود البحر تشابهًا كبيرًا. إذ تضمنت هذه العينات نفس الطفرات الجينية التي تسمح للفيروس بالتكيف مع الثدييات، والتي رُصِدت سابقًا في بعض أسود البحر في بيرو وتشيلي، وفي حالة إصابة بشرية في تشيلي. وقد لوحِظ وجود هذه الطفرات في عينة من طائر الخرشنة، ويُعد هذا الاكتشاف الأول من نوعه.
أوضحت المؤلفة الأولى للدراسة، أغوستينا ريموندي، عالمة الفيروسات في المعهد الوطني للتكنولوجيا الزراعية (INTA): «تكيف الفيروس مع الثدييات البحرية، لكنه لم يفقد قدرته على إصابة الطيور. تؤكد الدراسة أن تفشي الفيروس الحالي ليس مجرد تفشٍ بين الطيور، بل تفشٍ متعدد الأنواع».
يتضح ذلك من خلال احتفاظ تسلسل الفيروس في طيور الخرشنة بجميع طفرات التكيف مع الثدييات. تشير هذه الطفرات إلى احتمال انتقال العدوى بين الثدييات البحرية.
«ما زال خطر هذا الفيروس على البشر منخفضًا نسبيًا»، هذا ما صرّحت به الدكتورة مارسيلا أوهارت، طبيبة بيطرية مختصة بالحياة البرية في معهد الصحة الواحدة بكلية الطب البيطري بجامعة كاليفورنيا ديفيس ومديرة برنامج أمريكا اللاتينية ضمن معهد كارين سي دراير لصحة الحياة البرية، وأضافت: «لكن، كلّما استمر الفيروس في التكاثر بين الثدييات، قد يصبح مصدر قلق أكبر للبشر. لذلك، من المهم للغاية إجراء المراقبة وتوفير الإنذار المبكر».
رحلة فايروس إتش فايف إن ون
تصِف عالمة الفيروسات أوهارت المتحور الحالي لإنفلونزا الطيور إتش فايف إن ون، والمُسمّى السلالة 2.3.4.4b بأنه «وحش جديد». ظهر هذا المتحوّر في عام 2020 بينما كان العالم يعاني من جائحة مختلفة، جائحة كوفيد – 19. بدأ إنفلونزا الطيور حينها بقتل عشرات الآلاف من الطيور البحرية في أوروبا، قبل أن ينتقل إلى جنوب إفريقيا. في عام 2022، دخل الفيروس الولايات المتحدة وكندا مهددًا الدواجن والطيور البرية. ثم انتقل إلى بيرو وتشيلي في أواخر عام 2022.
ثم، وبعد مرور عام تقريبًا، في فبراير 2023 على وجه التحديد، دخل إنفلونزا الطيور عالي الإمراض إلى الأرجنتين للمرة الأولى. لكن لم يُكشف عن قدراته القاتلة في المنطقة إلا في أغسطس 2023، عندما عُثر عليه لأول مرة في أسود البحر الموجودة في طرف أمريكا الجنوبية على الساحل الأطلسي في تييرا ديل فويغو. من هناك، تحرك الفيروس بسرعة نحو الشمال، مخلفًا نتائج مميتة، أولاً على الثدييات البحرية ثم لاحقًا على الطيور البحرية.
تظهر الدراسة، التي شاركت في تأليفها عالمة الأحياء، أوهارت، تفشيًا واسع النطاق لفيروس أنفلونزا الطيور في أمريكا الجنوبية، الأمر الذي تسبب بموت أعداد كبيرة من الثدييات البحرية بما في ذلك صغار فقمات الفيل البحرية المولودة في موسم التكاثر لعام 2023. بلغت معدلات الوفيات 96٪ على الأقل بحلول أوائل نوفمبر 2023 في المناطق التي تم مسحها في شبه جزيرة فالديز في الأرجنتين.
تقول أوهارت: «عندما ظهر الفيروس لأول مرة في الأرجنتين، لم نعرف ما إذا كان سيؤثر على فقمات الفيل البحرية. لم نتخيل أبدًا حجم ما سيحدث».
منذ عام 2022، أدى فيروس إتش فايف إن ون إلى موت 600 ألف طائر بري على الأقل و 50 ألفًا من الثدييات في أمريكا الجنوبية، بما في ذلك فقمات الفيل البحرية وأسود البحر في الأرجنتين وتشيلي وبيرو، وآلاف طيور القطرس في جزر مالفيناس/فولكلاند.
انتشار الفيروس جنوبًا
يشهد فيروس أنفلونزا الطيور حاليًا انتشارًا نحو الجنوب من أمريكا الجنوبية، ما يثير قلقًا عميقًا لدى العلماء بشأن تأثيره المحتمل على طيور البطريق، والحياة البرية الأخرى في القارة القطبية الجنوبية.
تُجري عالمة الأحياء أوهارت وزميلها، رالف فانستريلز، من برنامج أمريكا اللاتينية في جامعة كاليفورنيا ديفيس بكليّة الطب البيطري دراسات لمراقبة الحياة البرية في القارة القطبية الجنوبية هذا الشهر، بهدف الكشف عن فيروس إتش فايف إن ون.
أكدت الدكتورة ريموندي على أهمية مراقبة قدرة الفيروس على الوصول إلى أنواع لم يسبق لها التعرض لعدوى إتش فايف إن ون، مشيرة إلى أن عواقب الإصابة بالفيروس في هذه الأنواع يمكن أن تكون وخيمة للغاية.
يُجسّد مفهوم (الصحة الواحدة) الترابط الوثيق بين الإنسان والحيوان الأليف والحياة البرية والبيئة. وتُعدّ حالات تفشّي الأمراض بين الأنواع المختلفة أمثلة مقلقة على هذه الروابط، وتتطلب تعاونًا عالميًا بين القطاعات العامة والحيوانية والزراعية والصحية وغيرها.
تختم أوهارت بالقول: «نسعى لأن نكون في طليعة توثيق وتسجيل وتوفير التحذير المبكر حول تكيّف الفيروس. إننا نعمل في هذا المجال منذ 30 عامًا، ونعرف هذه الأنواع جيدًا، ونعمل مع علماء يملكون 30 عامًا من البيانات حول هذه الكائنات. هذا ما يسمح لنا بفهم ما سيكون مهمًا للمستقبل. يجب علينا أن نلفت الانتباه إلى هذه الكائنات المسكينة، لأن لا أحد يدرك حجم هذا الخطر».
المصدر: phys.org
ترجمة: علاء شاهين
