الكشف عن المغذيات التي رسمت شكل تطور الحياة المبكرة من خلال إعادة بناء مستويات مياه المحيطات القديمة

لا يعرف العلماء اليوم إلا القليل القليل عن ظروف المحيطات عند نشوء الحياة لأول مرة، لكن بحثًا جديدًا نُشر في مجلة Nature Geoscience كشف كيف تحكمت العمليات الجيولوجية بالعناصر الغذائية المتاحة لتعزيز تطورها.

تستخدم جميع أشكال الحياة العناصر الغذائية مثل الزنك والنحاس لتكوين البروتينات. نشأت أقدم أشكال الحياة في الدهر السحيق، قبل ثلاثة مليارات ونصف المليار سنة من ظهور الديناصورات لأول مرة. أبدت هذه الكائنات الدقيقة تفضيلاً للمعادن، مثل الموليبدينوم والمنغنيز، مقارنة بنظيراتها الحديثة. يُعتقد أن هذا التفضيل يعكس توفر المعادن في المحيطات في ذلك الوقت.

أجرى الباحثون من جامعة كيب تاون (UCT) وجامعة أكسفورد محاكاة لإعادة تكوين مياه المحيطات القديمة في المختبر. اكتشفوا أن الغريناليت، وهو معدن شائع في صخور الدهر السحيق، يتشكل بسرعة ويستنفد الزنك والنحاس والفاناديوم في هذه العملية. أدى تشكل الغريناليت في المحيطات المبكرة إلى إزالة هذه المعادن من مياه المحيطات تاركةً إياها غنيةً بالمعادن الأخرى مثل المنغنيز والموليبدنوم والكادميوم. من اللافت للنظر أن المعادن التي توقعها الباحثون على أنها الأكثر وفرةً في مياه الدهر السحيق تتوافق مع المعادن التي اختارتها أشكال الحياة المبكرة، وهو ما يفسّر سبب تفضيلها خلال التطور المبكر.

قالت الباحثة الرئيسية في الدراسة، الدكتورة روزالي توستفين (المدرسة في جامعة أكسفورد في وقت الدراسة، وهي الآن أستاذة في قسم علوم الجيولوجيا في جامعة كيب تاون): «سعدنا للغاية عندما لاحظنا أن نتائجنا تتوافق مع توقعات علماء الأحياء الذين يستخدمون نهجًا مختلفًا تمامًا. إنه لأمر مشجع دائمًا أن يقدم المتخصصون في المجالات الأخرى نتائج مماثلة».

يتفق العلماء على أن مياه المحيطات في فترة الدهر السحيق اختلفت تمامًا عن مياه اليوم، إذ احتوت على كميات أكبر من الحديد المُذاب والسيليكا، أما الأكسجين فقد كان شحيحًا إلى حد كبير. مع ذلك، لا يوجد اتفاق كبير حول جوانب أخرى من كيمياء مياه البحر، مثل تركيز المواد المغذية.

قالت توستفين: «لا يمكننا العودة بالزمن لأخذ عينات من مياه البحر وتحليلها. لذا، فإن محاكاة ظروف الدهر السحيق يمثل تحديًا كبيرًا. يتمثل أحد النهج في النظر إلى التركيب الكيميائي للصخور الرسوبية، لكن، غالبًا ما تكون كيمياء الصخور العتيقة متغيرة، بدلاً من ذلك، قررنا إنشاء نسخة مصغرة لمياه البحر القديمة في المختبر، حيث يمكننا ملاحظة ما يحدث بشكل مباشر».

أجرت توستفين وزميلها عماد أحمد محاكاة لمياه محيطات الدهر السحيق داخل غرفة خاصة خالية من الأكسجين وشاهدا تكون الغريناليت. لاحظ الباحثان تغييرات هائلة في تركيزات المعادن في المياه أثناء تكوين المعادن. استخدما تقنية مطياف امتصاص الأشعة السينية في مصدر ضوء ألماسي للتأكيد على أن المعادن كانت دخلت في تركيبة المعدن، بالمقابل، لم تتأثر معادن أخرى بهذه العملية وبقيت موجودة في مياه البحر بكميات كبيرة.

قالت توستفين: «نعلم أن الغريناليت كان مهمًا في الأرض المبكرة لأننا نجده باستمرار في الصخور القديمة، مثل خام الحديد في كيب الشمالية وجنوب إفريقيا وصخور مماثلة في أستراليا. نعتقد أنه من الممكن لهذا المعدن أن يكون أحد أهم المعادن في الدهر السحيق، لكننا لا نعرف بالضبط كيف تشكل في الطبيعة. تتمثل إحدى الاحتمالات بتشكله في أعماق المحيط عند الفتحات الحرارية المائية، لكنه تكون أيضًا في المياه الضحلة، أينما كان هناك تغيير بسيط في الحموضة».

اتخذت تروستفين وأحمد قرارًا بإجراء تجاربهما تحت الظرفين آنفي الذكر، ووجدا أنه يزيل المعادن بنفس الطريقة بغض النظر عن كيفية تشكله.

تمثلت إحدى الأسئلة التي شغلت الباحثين فيما إذا ظلت المعادن محاصرة لفترة طويلة أو أنها انطلقت مرة أخرى في مياه البحر بعد عدة أشهر أو سنوات. ولاختبار ذلك، سخنا المعادن لمحاكاة ما يحدث في الطبيعة عندما تندفن وتتعرض للبلورة. ظلت المعادن محاصرة في المعدن، ما يشير إلى أنه كان بمثابة حوض دائم للمعادن التي كانت ستؤثر بعمق على مياه المحيطات المبكرة.

 

ترجمة: علاء شاهين

المصدر: phys.org

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *