الذكاء الحيواني نتاج خمس قفزات نوعية في تطور الدماغ

العالم الحيواني مليء بأنواع مختلفة من الذكاء، من التنسيق الجسدي البسيط لقنديل البحر وصولًا للقدرات الملاحية للنحل، والتغريدات المعقدة للطيور والأفكار الرمزية التخيلية للبشر.

في مقال نُشر في مجلة Proceedings of the Royal Society B، نناقش تطور كافة أنواع الذكاء الحيواني وكيف تشكل بخمس قفزات تطورية في السعة الحسابية للأدمغة.

كل تغير كان نقلة نوعية في تاريخ الحياة محددةً أي نوع من أنواع الذكاء قابل للتطور.

إشكالية التنسيق

أول نقلة ذكائية كانت نماء الحيوانات بجهاز عصبي. ناقش البعض أن المتعضيات وحيدة الخلية تظهر سلوكيات تكيفية ومعقدة وأشكالًا من التعلم، لكنها محدودة بأشكال الحياة الصغيرة.

أتاحت الأجسام متعددة الخلايا للحيوانات أن تصبح أكبر وأن تختبر مجالات فيزيائية جديدة كليًا. لكن الجسد متعدد الخلايا يحتاج أن يتم تنسيقه ليتحرك بفعالية ككينونة واحدة. وهنا يأتي الجهاز العصبي ليحل تلك المشكلة.

الأجهزة العصبية الأكثر بساطةً تشبه الشبكات العصبية المتغلغلة في جسد قنديل البحر. إنها مثالية لتنسيق الجسد، إلا أنها ليست بالكفاءة ذاتها فيما يعلق بدمج المعلومات سويةً.

تنمية الدماغ

تتمثل النقلة الثانية بمَركَزة الجهاز العصبي. وهنا أتى دور الدماغ وقدرته على دمج معلومات من الحواس المختلفة.

يمكن للدماغ أن يكون مسؤولًا عن تنسيق الجسد بأكمله، وهذا يتيح لأنماط جديدة من الأجساد بالتطور: أي أجساد بأطراف متخصصة وبنى حسية خاصة.

نرى هذه الأدمغة البسيطة جدًا في الديدان الحديثة والعلقات وبطيئات الخطو. يمكن للحيوانات أن تدمج الحواس بهذه الأدمغة وتتعلم المدخلات الحسية وتنسق وتوجه تحركاتها.

تحول الأدمغة البسيطة المدخلات الحسية لمخرجات حركية. يمكننا تخيل تدفق المعلومات «كتلقيم تقدمي» بدءًا بالمعلومات وانتهاءً بالفعل.

حلقة تلقيم راجع

النقلة الثالثة كانت باتجاه أدمغة أكثر تعقيدًا، بالأخص خاصية التلقيم الراجع. عند إعادة تلقيم نتيجة العملية رجوعًا إليها، ندعو تلك الخصيصة «تكرارية».

تمتلك الحشرات أدمغة تكرارية. فذكاء النحل، أي قدرتها على التعلم بسرعة لأنماط مختلفة من السبل لتمييز مفاهيم مجردة في محاولة الوصول للوجهة الهدف تتم بفضل الأدمغة التكرارية.

معالجة المعلومات الموازية

النقلة الرابعة كانت للأدمغة المبنية من عدة أنظمة تكرارية متصلة تكراريًا مع بعضها. يتكرر تدفق المعلومات هنا عبر الأنظمة التكرارية. نرى أدمغة مشابهة لدى الطيور والكلاب والزواحف والأسماك.

يتيح هذا النمط معالجة موازية ضخمة للمعلومات. يمكن للمعلومات أن تستخدم بطرق مختلفة وعديدة بنفس الوقت، ويمكن تمييز العلاقات بين الأنماط المختلفة من المعلومات.

يعود الفضل لشبكات الأنظمة التكرارية في مهارة الطيور العالية في تعلم تسلسلات معقدة من التغريدات، بالإضافة لمهارة الطيور والكلاب والجرذان بتعلم ماذا وأين ومتى تحدث الأشياء، وكيف يمكن للقردة أن تتعلم طرق جديدة للتلاعب بالأغراض لحل مشاكل وصنع أدوات بدائية.

الدماغ المعدل لذاته

النقلة الخامسة كانت للأدمغة القادرة على تعديل بناها الحسابية وفقًا لما تدعوه الحاجة. يُدعى ذلك في العلوم الحاسوبية بالبرمجة الانعكاسية.

يمكن للدماغ الانعكاسي أن يتعلم أفضل مسار معلومات لمهمة معينة ويعدل كيفية معالجته للمعلومات بشكل لحظي لإكمال المهمة بأسرع طريقة ممكنة وأكثرها فعالية.

الدماغ البشري انعكاسي بطبيعته، وقد مكنت هذه القدرة مخيلتنا وعمليات التفكير وحياتنا العقلية الغنية. فتحت أيضًا الباب لاستخدام اللغة الرمزية التي وسّعت عقولنا أكثر وساعدتنا للتواصل والتنسيق بفعالية مع بعضنا البعض.

عقول مختلفة لأنماط حياة مختلفة

كل نقلة من هذه النقلات هي مجموعة من التغييرات التطورية في بنية تدفق المعلومات عبر الجهاز العصبي. كل نقلة غيرت جوهريًا ما يمكن للجهاز العصبي فعله وفتحت احتمالات جديدة للإدراك.

تأسست النقلات إحداها على الأخرى، فعلى سبيل المثال، لا يمكن وجود تكرارية بدون تطور المركزية العصبية. لكن هذه السردية ليست بهرم يعلوه الإنسان العاقل متربعًا على القمة.

تصف قصتنا خمس أنماط مختلفة جوهريًا من الأدمغة. لا يوجد نمط أفضل من الآخر، إنما هي مختلفة فقط.

نميل نحن البشر لاعتبار أنفسنا أننا الأذكى وربما نحن كذلك حسب طريقة قياسنا للذكاء. لكن النحلة بإمكانها فعل أمور يعجز عنها الإنسان ببساطة.

يتطلب ذكاؤنا طفولة طويلة نكون فيها عاجزين حتى عن المشي لفترة سنة، بينما تكون النحلة فعالة وظيفيًا من لحظة جفاف أجنحتها وخروجها من خليتها. يمكن للنحلة أن تحوم لعدة كيلومترات حول خليتها خلال أقل من 20 دقيقة طيران، بينما أحدنا يمكن أن يضل طريقه أحيانًا إلى المنزل من محطة القطار.

وصحيحٌ أن قنديل البحر أو الدودة ليسا بذكاء أينشتاين، لكنهما قادرين على تحمل درجة أذية من شأنها أن تقتل أو تشل إحدى الثدييات.

تتناسب الأنماط المختلفة من الأدمغة مع أنماط حياة مختلفة وتدعم أنماطًا مختلفة من عقول الحيوانات. ساعدتنا هذه النقلات الخمسة بفهم مكاننا ضمن التنوع المذهل للذكاء الحيواني.

 

ترجمة: حاتم زيداني

المصدر: phys.org

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *