ماذا عن الجانب الآخر من القصة: كيف يؤثر التطور على البيئة

قصة العث المرقط هي قصة تطورية مشهورة. عندما أدى دخان الفحم إلى اللون الغامق للحاء الأشجار بالقرب من مدن إنجلترا خلال الثورة الصناعية، أصبحت حشرات العث البيضاء أهدافًا واضحة للحيوانات المفترسة وتضاءلت أعدادها بسرعة. في غضون ذلك، ازدهرت حشرات العث السوداء، والتي كانت نادرة، وأصبحت مهيمنة في بيئتها الجديدة.

أصبحت حشرات العث البيضاء مثالًا كلاسيكيًا على كيفية دفع التغيير البيئي لتطور الأنواع. لكن في السنوات الأخيرة، بدأ العلماء في التفكير في العملية العكسية. هل يمكن أن تكون هناك حلقة تأثير راجع يقود فيها تطور الأنواع التغيير البيئي؟ تُظهر دراسة جديدة أجراها باحثون في جامعة رود آيلاند بعضًا من أفضل الأدلة حتى الآن لهذه الظاهرة بالذات.

في بحث نُشر في مجلة Proceedings of the National Academy of Sciences، أظهر الباحثون أن التغيير التطوري في طول أرجل السحالي قد يكون له تأثير كبير على نمو الغطاء النباتي ومجموعات العنكبوت في الجزر الصغيرة في جزر الباهاما. يقول الباحثون إن هذه هي المرة الأولى التي تُوثّق فيها مثل هذه التأثيرات الدراماتيكية للتطور على البيئة في بيئة طبيعية.

قال جيسون كولبي، أستاذ علم الأحياء في جامعة رود آيلاند وأحد كبار مؤلفي الدراسة: «الفكرة هنا هي أنه بالإضافة إلى البيئة التي تشكل سمات الكائنات الحية من خلال التطور، فإن هذه التغييرات في السمات يجب أن تغذي وتدفع التغييرات في العلاقات بين المفترس والفريسة والتفاعلات البيئية الأخرى بين الأنواع، ونحن بحاجة حقًا إلى فهم كيفية عمل هذه الديناميكيات حتى نتمكن من تنبؤ كيفية استمرار السكان، ونوع التغييرات البيئية التي قد تحدث».

على مدار العشرين عامًا الماضية، راقب كولبي وزملاؤه الديناميكيات التطورية لمجموعات سحلية أنول في سلسلة من الجزر الصغيرة في جزر الباهاما. تتكون السلسلة من حوالي 40 جزيرة تتراوح مساحتها من بضع عشرات إلى بضع مئات من الأمتار، وهي صغيرة بما يكفي ليتمكن الباحثون من مراقبة السحالي التي تعيش هناك. والجزر متباعدة بدرجة كافية ولا تستطيع السحالي التنقل بسهولة من جزيرة إلى أخرى، لذلك يمكن عزل المجموعات السكانية المتميزة عن بعضها البعض.

أظهرت الأبحاث السابقة أن سحالي أنول ذات اللون البني تتكيف بسرعة مع خصائص النباتات المحيطة. في الموائل التي يكون فيها قطر الأفرع وأطراف الأشجار أصغر، يفضل الانتقاء الطبيعي السحالي ذات الأرجل القصيرة، والتي تمكن الأفراد من التحرك بسرعة أكبر عند الهروب من الحيوانات المفترسة أو مطاردة وجبة خفيفة. في المقابل، تميل السحالي ذات الأطراف الأطول إلى الأشجار وأطراف النباتات الأكبر قطرًا. أظهر الباحثون أن سمة طول الطرف هذه يمكن أن تتطور بسرعة في سحالي أنول بنية اللون في غضون بضعة أجيال فقط.

أراد كولبي وفريقه من خلال هذه الدراسة الجديدة أن يروا كيف يمكن لهذه السمة المتطورة بطول الأطراف أن تؤثر على النظم البيئية في جزر الباهاما الصغيرة. كانت الفكرة هي فصل السحالي قصيرة وطويلة الأرجل على جزر خاصة بهم، ثم البحث عن الاختلافات في كيفية تأثير مجموعات السحالي على بيئة منازلهم على الجزيرة.

التقط الفريق البحثي المئات من سحالي الأنول البنية بمساعدة معداتهم المتخصصة. ثم قاسوا طول ساق كل سحلية، مع الاحتفاظ بالسحالي التي كانت أطرافها إما طويلة أو قصيرة بشكل خاص، وأعادوا الباقي إلى البرية. بمجرد حصولهم على مجموعات مميزة من السحالي قصيرة وطويلة الأطراف، أطلقوا سراح كل مجموعة في الجزر التي لم تحتوي على سحالي مسبقًا.

نظرًا لأن الجزر التجريبية كانت مغطاة في الغالب بنباتات ذات قطر أصغر، توقع الباحثون أن تكون السحالي قصيرة الأرجل أكثر تكيفًا مع تلك البيئة، أي أنها أكثر قدرة على المناورة وأكثر قدرة على اصطياد الفريسة في الأشجار والأغصان. كان السؤال الذي أراد الباحثون الإجابة عليه هو ما إذا كان يمكن اكتشاف الآثار البيئية لهؤلاء الصيادين ذوي الكفاءة العالية.

بعد ثمانية أشهر، راجع الباحثون الجزر للبحث عن الاختلافات البيئية بين الجزر المليئة بالمجموعات قصيرة وطويلة الأرجل. واتضح أن الاختلافات كانت كبيرة. في الجزر ذات السحالي قصيرة الأرجل، تراجعت أعداد عناكب الويب، وهي عنصر رئيسي لسحالي أنول بنية اللون بنسبة 41% مقارنة بالجزر ذات السحالي طويلة الأرجل. كانت هناك اختلافات واضحة في نمو النباتات أيضًا. ازدهرت النباتات لأن السحالي قصيرة الأرجل كانت أفضل في افتراس الحشرات العاشبة. ووجد الباحثون في الجزر ذات السحالي قصيرة الأرجل، أن براعم أشجار الصنار نمت أكثر من الأشجار في الجزر ذات السحالي طويلة الأرجل بمقدار الضعف.

يقول كولبي إن النتائج تبين وجود تفاعل متبادل بين البيئة والتطور.

قال كولبي: «تساعدنا هذه النتائج في إغلاق حلقة التأثير الراجع هذه. علمنا من الأبحاث السابقة أن العوامل البيئية تؤثر على طول الأطراف، والآن نظهر العلاقة المتبادلة لهذا التغيير التطوري على البيئة».

يقول الباحثون إن فهم النطاق الكامل للتفاعلات بين التطور والبيئة سيكون مفيدًا في التنبؤ بنتائج البيئات، خاصة وأن الأنشطة البشرية تسرع وتيرة التغيير التطوري والبيئي في جميع أنحاء العالم.

ترجمة: ولاء سليمان

المصدر: phys.org

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *