التطور الاجتماعي في سعادين الكولبساوات الآسيوية

كيف تعزّزَ التطور الاجتماعي في سعادين الكولبساوات الآسيوية أثناء محاولتها التكيف مع المناخ البارد

الكولبساوات الآسيوية، المعروفة أيضًا باسم القرود الآكلة للأوراق، موجودة على هذا الكوكب منذ حوالي 10 ملايين سنة. شكّل أسلافهم جسورًا برية، ساعدوا على انتشارهم عبر القارات، ونجت هذه القرود من توسع وانكماش الصفائح الجليدية وتعلمت العيش في المناخات الاستوائية والمعتدلة والباردة.

كشفت دراسة جديدة نُشرت في مجلة Science عن أوجه تشابه بين التطور الاجتماعي والبيئي والجيني للكولبساوات الآسيوية، وكشفت لأول مرة أن الكولبساوات التي تعيش في المناطق الأكثر برودة شهدت تغيرات جينية وتغييرات في البنية الاجتماعية القديمة التي من المحتمل أن تعزز قدرتها على البقاء.

قال المؤلف المشارك في الدراسة بول أ. غاربر، وهو أستاذ فخري في الأنثروبولوجيا بجامعة إلينوي في أوربانا شامبين وخبير في بيولوجيا الرئيسيات وتطورها والحفاظ عليها: «تقريبًا جميع الرئيسيات اجتماعية وتعيش في مجموعات اجتماعية. لكن تختلف المجموعات عن بعضها البعض في الحجم والتماسك. هناك من يعيش في وحدات من شخصين أو ثلاثة أفراد وآخرون يعيشون في مجتمعات تصل إلى 1000 فرد».

طورت الكولبساوات الآسيوية مجموعة متنوعة من البُنيات الاجتماعية. ومع ذلك، تشير الدراسات الجينومية إلى أن «وحدة الحريم»، والتي تتكون من ذكر واحد مع اثنين من الإناث أو أكثر وذريتهم، كانت القاعدة عند أسلاف الكولبساوات الآسيوية. الذكور غير متسامحين مع الذكور الآخرين وسيقاتلون لحماية ممتلكاتهم. في بعض الأنواع، تبقى الإناث في مجموعة الولادة. وفي حالات أخرى، يغادر كل من الذكور والإناث للانضمام أو لتكوين وحدة حريم جديدة.

بمرور الوقت، تشكلت مجتمعات أكثر تعقيدًا. وقال غاربر إنه من بين مجموعة من الكولبساوات الآسيوية المعروفة باسم «القرود غريبة الأنف»، هناك جنسان «ما يزالان يشكلان حريمًا، لكنهما ليسا إقليميين. هذا يعني أن مناطق مجموعتهم يمكن أن تتداخل وهناك أوقات قد يجتمعون فيها للحصول على الطعام والراحة والسفر». فرع واحد من هذه القرود غريبة الأنف، وهو «القرد أفطس الأنف» تشكل ما يشار إليه على أنه مجتمع متعدد المستويات أو معياري تبقى فيها العديد من الحريم معًا على مدار العام وتشكل مجموعة تكاثر كبيرة ومتماسكة.

تشكل القرود ذات الأنف الأفطس الذهبية أكبر مجتمع سجله الفريق، حوالي 400 فرد، وكان التكاثر بين أفراد ينتمون إلى حريم مختلف أمرًا شائعًا، ويحدث في حوالي 50% من الوقت.

أراد الباحثون دراسة كيف سمح التفاعل بين البيئة والجينات والسلوكيات لسعادين الكولبساوات الآسيوية بالبقاء على قيد الحياة في مثل هذه الموائل المتنوعة.

قال غاربر: «استخدم الفريق مجموعات بيانات متنوعة للغاية، أنشأنا العديد منها بأنفسنا. وتشمل هذه البيانات بيانات بيئية وجيولوجية قديمة، وسجل الحفريات، والبيانات السلوكية والجينومية».

من خلال تراكب البنية الاجتماعية وبيانات الموائل، وجد الفريق أن مجموعات الكولبساوات الآسيوية التي تعيش في المناطق الأكثر برودة، والعديد منها على ارتفاعات عالية تميل أيضًا إلى تكوين مجتمعات أكبر وأكثر تعقيدًا تتكون من مجموعات حريم تنسق أنشطتها اليومية وغالبًا ما تتعاون مع مجموعة أخرى على الأقل. ووجد الباحثون أن التغييرات في البنية الاجتماعية بمرور الوقت تتوافق مع التغيرات الجينية. وطورت المجتمعات متعددة المستويات الأكثر تعقيدًا اجتماعيًا تغييرات في الجينات التي تنظم استقلاب الطاقة المرتبط بالبرودة والهرمونات العصبية المعروفة بأنها تلعب دورًا حاسمًا في الترابط الاجتماعي.

قال غاربر إن عدة عوامل ساهمت في التطور الاجتماعي للكولبساوات الآسيوية إلى مجتمعات أكبر وأكثر تعاونًا.

وقال «لأن هذه الرئيسيات طويلة العمر وقد يظل الأفراد في نفس النطاق لفترات من سنوات وحتى عقود، يوجد فرصة لمستويات عالية من التعاون المتبادل».

وقال إن الموئل لعبت دورًا أيضًا. يمكن للمجموعات الأصغر في المناطق الاستوائية أن تكون إقليمية بسبب إمكانية التنبؤ بالغذاء بشكل أكبر، ويمكنهم إعالة أنفسهم في منطقة محدودة إلى حد ما. ومع ذلك، فإن الحياة على ارتفاعات أعلى تمثل تحديًا أكبر.

فمثلًا، تعيش القرود ذات الأنف الأفطس الأبيض والأسود في بعض أجزاء الصين على ارتفاعات تصل إلى حوالي 13500 قدم.

قال غاربر: «إنها بيئات منخفضة الأكسجين. تنخفض أبرد درجات الحرارة في الليل إلى تحت الصفر. وبالنسبة إلى الرئيسيات، هذا بارد».

تاريخيًا، كانت الحيوانات المفترسة للقرود أفطس الأنف من الثدييات الكبيرة مثل نمور الثلج والنمور والدببة. وقال غاربر إنه من المحتمل انخفاض مخاطر الافتراس نتيجة الجهود التعاونية للذكور من عدة مجموعات حريم. بالإضافة إلى ذلك، فإن الموارد النباتية التي تستهلكها القرود ذات الأنف الأفطس منتشرة بشكل أكبر، مما يجعل مناطقها الكبيرة للغاية، والتي يمكن أن تمتد حتى 6-8 أميال مربعة (15-20 كيلومترًا مربعًا) أكثر جاذبية للدفاع عنها من قبل مجموعات صغيرة.

بالإضافة إلى التغييرات في الجينات التي ترمز لعملية التمثيل الغذائي للدهون والتكيفات المرتبطة بالإجهاد البارد، شهدت سعادين الكولبساوات التي تعيش على ارتفاعات عالية أيضًا تغيرات جينية عززت الهرمونات، مثل الأوكسيتوسين والدوبامين المعروف عنها أنها تلعب دورًا في سلوك الأم والعلاقات الاجتماعية.

قال غاربر: «يبدو أن القرود ذات الأنف الأفطس لديها رابطة أطول بين الأم والرضيع، مما يزيد على الأرجح من بقاء الرضع في البيئات الباردة. الأوكسيتوسين هو هرمون عصبي مهم في جميع الروابط الاجتماعية. نعتقد أنه يعزز الانتماء الاجتماعي والتماسك والتعاون بين البالغين أيضًا».

يبدو أن هذه التغييرات التكيفية عززت الانتماء بين مجموعات الحريم، مما سمح للكولبساوات الآسيوية بتكوين مجتمعات متعددة المستويات أكبر عندما اضطروا بسبب الظروف المحلية إلى التعاون من أجل البقاء.

المؤلفون المراسلون للدراسة هم تشاو غوانغ تشي من جامعة جامعة نورث ويستNorthwest University  في الصين، وسيريل سي. غروتر من جامعة أستراليا الغربية في بيرث، ودونغ دونغ وو من الأكاديمية الصينية للعلوم في الصين، وباوغو لي من جامعة نورث ويست في الصين.

ترجمة: ولاء سليمان

المصدر: phys.org

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *