جينات الصيادين-الملتقطين ساعدت المزارعين الأوروبيين الأوائل على النجاة من الأمراض

عندما انتقل مزارعو العصر الحجري في وقت مبكر إلى أوروبا من الشرق الأدنى منذ حوالي 8000 عام، التقوا وبدأوا في الاختلاط بالسكان الصيادين-الملتقطين الموجودين مسبقًا. تُظهِر الآن الدراسات التي أجريت على نطاق الجينوم لمئات الجينومات القديمة من تلك الفترة وجود المزيد من سلف الصيادين-الملتقطين في جينات المناعة التكيفية في المجتمع المختلط أكثر مما هو متوقع.

تشير النتائج، التي نُشرت في مجلة Current Biology في 23 آذار (مارس)، إلى أن الاختلاط بين المجموعتين أدى إلى فسيفساء من التنوعات الجينية التي تم العمل عليها عن طريق الانتقاء الطبيعي، وهي عملية تتكيف من خلالها جميع الكائنات الحية، بما في ذلك البشر، وتتغير بمرور الوقت.

ظهرت التغييرات في جينات المناعة في منطقة معقد التوافق النسيجي الأعظمي (MHC)، وهي مجموعة من الجينات التي ترمز للبروتينات السطحية على الخلايا وتساعد أجهزة المناعة لدينا على التعرف على مسببات الأمراض. اكتشف الباحثون أيضًا المزيد من أسلاف المزارعين في جين يسمى  SLC24A5الذي يساهم في عملية تصبغ الجلد.

قال توم ديفي من مختبر الجينوم القديم التابع لمعهد فرانسيس كريك في لندن: «هذا يخبرنا أن هذه المناطق من الجينوم كانت تختبر الانتقاء الطبيعي». ويضيف «إن المتغيرات الجينية لدى الصيادين-الملتطقين في منطقة MHC والمزارعين في SLC25A5 قد زاد تواترها في السلف المنحدر منهم».

في السنوات الأخيرة، سمحت دراسة الجينوم القديم بالعودة بالزمن لتتبع تطور البشر والكائنات الحية الأخرى. في حين ركزت معظم دراسات الحمض النووي القديمة على الأسئلة الأثرية، أدرك ديفي وبونتوس سكوغلوند من معهد فرانسيس كريك وإيان ماثيسون وزملاؤه من جامعة بنسلفانيا أن التوافر المتزايد لبيانات الجينوم القديم الموحدة والمشتركة يسمح الآن بطرح أسئلة جديدة حول الانتقاء الطبيعي والتكيف البشري في عصور ما قبل التاريخ.

قاموا بتحليل الحمض النووي على مستوى الجينوم من 677 فردًا من العصر الحجري المتوسط والعصر الحجري الحديث في أوروبا. كان هدفهم البحث عن أي انحرافات عن السلف في جينومات الأفراد المختلطين واختبار ما إذا كانت هذه الانحرافات تبدو نتيجة الانتقاء الطبيعي عوضًا عن كونها مجرد تغييرات العشوائية.

وجد تحليلهم أن الجين المرتبط بالتصبغ كان الأكثر تمثيلًا من السلف المحلي من العصر الحجري الحديث. في المقابل، احتفظت المجموعة المختلطة بمزيد من الجينات من الموضع المناعي لمعقد التوافق النسيجي الأعظمي الخاص بالصيادين-الملتقطين. يقول الباحثون إن النتائج يمكن أن تعكس ببساطة ميزة وجود تنوع أكبر في الاستجابة المناعية. من ناحية أخرى، ربما تم اختيار أليلات MHC من الصيادين-الملتقطين بشكل إيجابي لأنها سهلت قدرًا أكبر من البقاء والتكيف مع العوامل الممرضة في مجموعة العصر الحجري الحديث.

على الرغم من أن العوامل الأخرى قد تلعب دورًا، إلا أن النتائج تسلط الضوء على الوظيفة المناعية كهدف رئيسي للانتقاء الطبيعي في المجموعات المتأخرة في العصر الحجري. يقول الباحثون إن التمثيل المناعي المتزايد لدى الصيادين-الملتقطين كان أمرًا مفاجئًا لهم.

وقال سكوغلوند: «ثمة فكرة قديمة تقول أن أساليب الحياة الزراعية أدت إلى التكيف المناعي بسبب المستوطنات الأكثر كثافة، والأنظمة الغذائية الجديدة، والقرب من الماشية». ويضيف «عندما توسعت المجموعات الزراعية من الشرق الأدنى إلى أوروبا واختلطت مع الصيادين المحليين، فإن التنبؤ الطبيعي سيكون أن جينات مناعة المزارعين ستكون أفضل تكيفًا مع نمط الحياة الزراعية وبالتالي سيتم انتقاؤها. ومع ذلك، فإننا نرى العكس، إذ أن الموضع المناعي MHC غني لدى سلف الصيادين-الملتقطين. قد يكون هذا، على سبيل المثال، لأن الصيادين-الملتقطين قد تكيفوا بالفعل مع العوامل الممرضة الموجودة في أوروبا، أو يمكن أن يكون نتيجة الانتقاء الطبيعي لصالح التنوع في جينات المناعة».

بالنسبة للتغيرات في التصبغ، أظهرت الدراسات السابقة أيضًا الانتقاء لأسباب غير مفهومة تمامًا. يقول ماثيسون: «تقول إحدى الفرضيات أن الجلد الفاتح سمح للمزارعين بتجميع فيتامين (د) أكثر من الأشعة فوق البنفسجية، بينما تمكن الصيادون من الحصول على ما يكفي من فيتامين (د) من نظامهم الغذائي».

بشكل عام، تربط الدراسة الجديدة النتائج الأخيرة للمزيج التكيفي في منطقة MHC بالانتقاء لدى مجموعة بشرية من العصر الحجري لأول مرة. يقول الباحثون إن اكتشاف تنوع أكبر في موقع MHC يفتح آفاقًا جديدة لفهم التكيفات التي جاءت بالتزامن مع التحول إلى نمط الحياة الزراعية، والذي لاحظ الباحثون أنه تحول أساسي حدث في جميع أنحاء العالم في تاريخ البشرية.

قال سكوغلوند: «كشفت هذه الدراسة عن الانتقاء الطبيعي أثناء التحول الزراعي في منطقة واحدة من العالم، وهي أوروبا، لكن المناطق الأخرى ما تزال غير مفهومة جيدًا». ويضيف «ستتمكن دراسات الحمض النووي القديم المستقبلية أيضًا من معالجة إلى أي مدى كانت المناعة هدفًا رئيسيًا أيضًا في فترات أخرى من التغيير البيئي ونمط الحياة أثناء التطور البشري».

ترجمة: حاتم زيداني

المصدر: phys.org

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *