كيف أثر التنوع البيئي على انتشار البشر الأوائل

تلقي دراسة حديثة أجراها باحثون من جامعة هلسنكي ضوءًا جديدًا على القدرة على التكيف البيئي لدى البشر الأوائل في الوقت الذي وسعوا فيه نطاقهم لأول مرة خارج إفريقيا، من 2 مليون إلى مليون سنة مضت.

ارتبطت أصول جنس الهومو (أو الجنس البشراني) منذ فترة طويلة ببيئات السافانا والمراعي في أفريقيا. وبسبب هذا الارتباط، كان يُعتقد أن أول انتشار بشري في أوراسيا اتبع الممرات العشبية المؤدية من إفريقيا إلى آسيا وأوروبا.

يعتبر هذا الارتباط بين البشر والسافانا قوي جدًا لدرجة أنه أدى إلى تأخر ظهور البشر الأوائل في أوروبا مقارنة بآسيا، فقد ظهرت البيئات العشبية المفتوحة في أوروبا بعد ظهورها في آسيا. ووفقًا لوجهة النظر هذه، كان البشر الأوائل أقل تنوعًا من الناحية البيئية من الإنسان العاقل (نحن)، فقد استعمرنا تقريبًا جميع البيئات الأرضية على هذا الكوكب.

يقول المؤلف الرئيسي تيجان فويستر، وهو باحث دكتوراه في مجموعة علم بيئة أشباه البشر بجامعة هلسنكي: «لكن من الواضح أن هذه ليست القصة بأكملها. لأننا نعرف بعض الدراسات التي تشير إلى أن البشر الأوائل كانوا يعيشون في بيئات أخرى غير السافانا والأراضي العشبية، فقد اعتقدنا أنه سيكون من المثير للاهتمام إجراء تحقيق أكثر منهجية في البيئات التي من المعروف أن البشر قد احتلوها خلال هذه الفترة الزمنية الحاسمة».

البحث المنشور في مجلة «Evolutionary Anthropology: Issues, News, and Reviews» عبارة عن مراجعة منهجية لـ 121 بحث منشور مسبقًا عن الموائل البشرية المبكرة. ويكشف أن البشر، عندما انتشروا خارج أفريقيا لأول مرة، بدأوا في احتلال مجموعة متنوعة من البيئات من الأراضي العشبية إلى الغابات.

يقول فويستر: «لقد ربطنا منذ فترة طويلة بين البشر الأوائل والبيئات الشبيهة بالسافانا خارج القارة الأفريقية. ومع ذلك، عندما أعدنا دراسة الأبحاث المنشورة على مدى العقدين الماضيين معًا، استنتجنا أن البشر سكنوا في بيئات متنوعة في وقت مبكر من تطور جنس الهومو. قبل مليون سنة، سكن البشر في أوروبا في بيئات حرجية بالكامل».

على الرغم من أن التحليل يظهر أن الأراضي العشبية والسافانا كانت مكونات مهمة في الموائل البشرية المبكرة، لكنه يبين أن البشر انتشروا في مجموعة واسعة من البيئات، وفي كثير من الحالات بيئات ذات تكوين نباتي متنوع. يشير هذا إلى أن المعتقدات الشائعة حول البشر الأوائل ليست صحيحة تمامًا: لم يكن لدى البشر تلك المتطلبات الصارمة لموائلهم ويبدو أنهم كانوا أكثر تنوعًا من الناحية البيئية مما كان يُفترض سابقًا.

أشارت الدراسة أيضًا إلى الاختلافات الإقليمية في خصائص الموائل البشرية. تظهر الأراضي العشبية والسافانا أعلى معدل انتشار بين الموائل الأفريقية، في حين كانت الموائل الحرجية أكثر بروزًا في أوراسيا مما يجعل نطاق الموائل المختلفة أوسع في أوراسيا. يشير هذا إلى احتمال أن يكون التوسع البشري الأول في أوراسيا مصحوبًا وربما حدث نتيجة توسع البيئة البشرية.

يعد هذا البحث جزءًا من مشروع يبحث في تطور البشر على مدار المليوني سنة الماضية. على الرغم من أن الدراسة الحالية تركز على البشر الأوائل، لكن نتائجها مهمة أيضًا لفهم أصول مكانة واسعة وفريدة من نوعها لجنسنا البشري.

تقول المؤلفة المشاركة ميكا تالافارا، قائدة المشروع ومجموعة علم البيئة لأشباه البشر: «إن قدرة الإنسان العاقل على احتلال معظم النظم البيئية الأرضية مكّنتنا من تحقيق هيمنتنا البيئية وأثارت أزمة التنوع البيولوجي الحالية. إن اكتشافنا بأن الأنواع البشرية في العصر الجليدي المبكر كانت أيضًا قادرة على الازدهار في أنواع بيئية متعددة يوفر هدفًا مثيرًا للبحث المستقبلي في الأصول التطورية للدونة البشرية والنجاح البيئي».

ترجمة: ولاء سليمان

المصدر: phys.org

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *