أحافير جديدة تلقي الضوء على تطور الثدييات منذ العصر الترياسي

تجمّع يانليو الأحيائي (حيوم يالنليو) هو مجموعة أحافير محفوظة في شمال شرق الصين يعود تاريخها لما بين العصر الجوراسي المتوسط والمتأخر (174-145 مليون سنة)، وتوفر إضاءة جديدة على تطور الفقاريات. يُعرف الحيوم أيضًا باسم المكمن الأحفوري (بالألمانية: Lagerstätte) ويضم هذا الحيوم حشرات وديناصورات مكسوة بالريش وتيروصورات انتقالية، بالإضافة لسلف مبكر للسلمندر والثدييات، وجميعها في حالة حفظ ممتازة.

وفقًا لما ورد في مجلة Earth and Planetary Science Letters، فإن فهم توقيت الأحداث التطورية خلال تلك الفترات يعتبر أمر محوري في اكتشاف تنويعات الحياة عبر الزمن، ويستخدم العلماء الآن طبقات بركانية من الرماد، تعرف باسم الطفّة، لتأريخ الوحدات الحاوية على الأحافير.

تتواجد المواقع الأحفورية في مقاطعتي لياونينغ، وخبي شمال شرق الصين، وتشكل كهوف اصطناعية مكشوفة ضمن صخور رسوبية تراكمت في بيئة بحيرية. سقط الرماد في البحيرة خلال ثوران بركاني ولم يتم تحريكه بعدئذٍ، وهذا أمر ضروري، إذ يتيح للعلماء تحديد تاريخ الأحافير عبر هذه الطبقات بدقة أكبر.

استخدم باحثون في معهد الحفريات الفقارية والباليوأنثربولوجي في الصين تقنية تدعى الضيائية المهبطية. تتضمن هذه التقنية صقل حبيبات بلورية (كريستالية) وكشف مركزها باستخدام مجهر خاص لرؤيتها. يستخدم هذا المجهر الضوء للكشف عن خصائص معينة في البلورات، بينما تستفيد تقنية الضيائية المهبطية من جزئين من الذرة، الإلكترونات المقذوفة على الحببية البلورية والألق الضيائي الناتج عن انبعاث فوتونات بأطوال موجية مختلفة. وقد تنبه الباحثون أن البلورات لم تُنقل من مكانها الأصلي لأنها كانت في حالة مثالية تقريبًا.

تم تأريخ الطبقات الرسوبية باستخدام 129 حُبيية بلورية من الزركون، التي قيس فيها مستويات اليورانيوم والثوريوم والرصاص. تُدعى هذه الطريقة بنظرية التأريخ بنظائر اليورانيوم-رصاص، وتستخدم مبدأ أن اليورانيوم يتحلل بمرور الزمن لشكل أكثر استقرارًا وهو الرصاص. الوقت اللازم كي تتفكك كمية من اليورانيوم حتى النصف يُعرف باسم عمر النصف، وهذا مهم بالنسبة للعلوم، فللعناصر المشعة أعمار نصف معروفة يمكن استخدامها لتحديد كم عملية تفكك قد حدثت منذ تشكل العنصر. فمثلًا ثمة نظيران من اليورانيوم يُستخدما في التأريخ بالنظائر المشعة، وهما اليورانيوم 238 بعمر نصف 4.5 مليار سنة، واليورانيوم 235 بعمر نصف 704 مليون سنة. بناءً على ذلك، أرخ الباحثون مجمع يانلياو الأحيائي لما بين 164-157 مليون عام.

اكتُشفت 6 سمادل ضمن الطبقات التي أُخذت العينات منها ويعود تاريخها حتى 164 مليون عام. صرح الباحثون أن هذا يمثل أحد أبكر أحداث التنويعات ضمن ذوات الذيل وهي مجموعة من البرمائيات. وُجدت ديناصورات غشائية الأجنحة في الصخور الترسبية يعود عمرها بين 164-160 مليون عام، وهذا يتقاطع مع دراسات سابقة على تطور الطيران لدى الديناصورات وحشيات الأرجل، ومن ضمنها كانت المجنحات المتسلقة وهي من أولى المحلقات الشراعية. اليوهاراميدا تعتبر من أوائل أسلاف الثدييات وتم تأريخها ضمن وحدات عمرها بين 163-158 مليون عام.

استُخدمت هذا المعلومات ضمن تقنية تُعرف باسم تطور السلالة المؤرخة بالترجيحية البايزية وذلك لتثبيت التاريخ الأصلي للثدييات الحقيقية التي سبقت أسلاف الثدييات الأوائل. استُخدم برنامج لتوليد «شجرة عائلية» معقدة، وظهرت فيها الفروع ذات السمات المتشابهة بجانب بعضها وأمكن رؤية أنماط تطورية.

حدد الباحثون جذور تطور الثدييات رجوعًا حتى العصر الترياسي المتأخر (منذ 208 مليون عام)، وهو ما أسس للتنويعات في العصر الجوراسي. ويُعرف هذا بنموذج الفتيل الطويل، وكان مثار جدل إذ ساند بعض الباحثون النموذج الانفجاري الذي يقترح أن أولى الثدييات قد نشأت في العصر الجوراسي المتوسط ثم أخذت بالتنوع بسرعة. ورغم أن الباحثين يدعمون نموذج الفتيل الطويل، فهم يؤكدون على وجود تأخير في التنويع حتى العصر الجوراسي المتوسط، وبالتالي ما تزال ثمة سلالات مخفية على الأرجح لأسلاف ثدييات مفترضة تنتظر أن نكتشفها بجهود الباحثين ودأبهم على استكشاف أعاجيب الحياة في الماضي السحيق على سطح الأرض.

 

ترجمة: حاتم زيداني

المصدر: phys.org

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *