الدارات العصبية في أدمغة الكلاب تقدم رؤىً جديدة حول تطور الثدييات

الدارات العصبية في أدمغة الكلاب تقدم رؤىً جديدة حول تطور الثدييات

تكشف دراسة عن الدارات العصبية في أدمغة الكلبيات أنه خلال فترة تطور دماغ الثدييات فإن الفصين الجبهيين الجانبيين المسؤولين عن حل المشاكل وتبديل المهام والسلوكيات الموجهة قد استوليا بشكل جزئي على القشرة الحزامية، وهي بنية ثنائية الجانب متموضعة عميقًا في القشرة المخية. تتكئ الدراسة على أطلس دماغ كلبيات مصور بالرنين المغناطيسي الوظيفي أثناء الراحة والذي يساعدنا في تحليل الأمراض التي تتميز بسوء وظيفة الدمج والتوصيل بين باحات الدماغ.

يمكن للباحثين المهتمين بكيفية تفكير الكلاب بالاستدلال على ذلك من سلوكها، ويمكنهم أيضًا فحص نشاطها الدماغي باستخدام الرنين المغناطيسي الوظيفي لتحديد ورؤية أي المناطق في الدماغ تتنشط عندما يتفاعل الكلب مع منبه خارجي. تحدد الطريقة الآليات الدماغية التي تؤثر على تعلم وذاكرة الكلاب، وهذا يوصلنا لطرائق أجدى بتدريب الكلاب وكذلك يمنحنا معرفة في الخطوات التطورية التي قادت لتنمية وظائف دماغ البشر.

تصدّر قسم سلوك الحيوان في جامعة إيتبوس لوراند منذ عام 2006 الجهود المبذولة في تنمية منهجية قياسات التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي للكلبيات. طورت مارتا فاسي منهجية تدريب الكلاب الأليفة وقدمت إسهامات مهمة لإدخال تدريب الكلاب المساعدة إلى هنغاريا. تبنت لوراند العديد من الطرق وتممتها بتدريبات محرضة اجتماعيًا بناءً على مبادئ التدريب التنافسي المكتشفة من خلال أبحاث علم سلوك الحيوان.

«في هذه المقاربة، يجد الكلب المتعلم دافعًا قويًا لتعلم المهام بمراقبة عمل كلب مُدرَّب آخر رغبةً بكسب المديح والثناء الذي يتلقاه الكلب المُدرَّب لقاء عمله. وكنتيجة للتدريب على التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي، يكون الكلب المُدرَّب قادرًا على – بل ومتلهفًا – للمكوث بلا حراك داخل جهاز الرنين المغناطيسي لمدة 8 دقائق ليحظى بالمداعبة المنتظرة والأطعمة اللذيذة».

تضمن التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي للكلبيات في السنوات الأخيرة تشغيل أصوات وتحري أي مناطق الدماغ يتم تنشيطها خلال معالجة الأصوات.

يتم إسقاط إشارات النشاط الدماغي على الأطلس التشريحي لتحديد المنطقة المتأثرة.

لكن المشكلة تكمن في أن النشاطات الوظيفية غير منتظمة ولا تتبع بالضرورة الحدود المنتظمة المرسومة تشريحيًا. تُعنى أجزاء من الدماغ بمعالجة إشارات خاصة بشكل مشترك، أي أنها تعمل بالتزامن وتشكل شبكة دماغية وظيفية. تقول دورا سزابو المؤلفة الرئيسية للدراسة المنشورة في مجلة Brain Structure and Function «قررنا تصميم أطلس دماغ للكلاب لتنظيم المناطق التشريحية ضمن شبكات وظيفية وتوضيح أي منطقة تعود لنوع المهام وتستعرض أمكنتها».

أطلس جديد للباحثين في أدمغة الكلاب

تم تضمين 33 عائلة كلاب مدربة في الدراسة لإنشاء أطلس الدماغ الوظيفي. خلال تسجيل التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي، لم تُعطى الكلاب أي مهام سوى المكوث بثبات ضمن الماسح، وهذا يدعى تصوير الرنين المغناطيسي الوظيفي بحالة الراحة، أو rs-fMRI اختصارًا، الذي يفحص النشاط الدماغي بدون انخراط الكلب بأي مهمة خاصة وبدون التركيز أو التفكير بأي شيء في «حالة راحة». يمكن للبيانات المستحصلة بهذه الطريقة أن تكشف المناطق الدماغية المرتبطة ببعضها وظيفيًا وأيها أكثر اتصالًا، وهذا ما مكن الباحثين من دراسة الشبكات والتوصيلات الدماغية.

تم تحسين المنهجية الأصلية بتطبيق نظرية الشبكات بمساعدة ميلان مانوسوف، عالم شبكات وبيانات في الجامعة الأوروبية المركزية. فيما أن الأبحاث السابقة لم تستطع توصيف سوى الشبكات القائمة على النماذج بغض النظر عن الحدود التشريحية، فقد قامت أطالس دماغ الكلبيات القائمة على التصوير بالرنين المغناطيسي والتي تعكس المناطق التشريحية بالدقة المطلوبة بتمكين العلماء من دراسة قوة التوصيلات بين عناصر الشبكات أو بين الشبكات نفسها، ومقارنة الأنواع تبعًا للعدد الكبير للكلاب المقاسة.

أدمغة الكلاب والبشر تهيمن عليها مناطق مختلفة

وفقًا للدراسة فإن الشبكات في الفص الجبهي الجانبي (الجبهي الجداري) المسؤولة عن حل المشكلات وتبديل المهام والسلوك الموجه تملك دورًا أصغر لدى الكلاب مقارنةً بالبشر. تلعب القشرة الحزامية، وهي بنية ثنائية الجانب متموضعة عميقًا في القشرة المخية، دورًا محوريًا عوضًا عن تلك الشبكات. فهي مسؤولة عن عدد من العمليات الحيوية إلى جانب معالجة مسارات نظام المكافأة وتنظيم المشاعر. القشرة الحزامية لدى الكلاب أكبر بالتناسب مع حجم دماغها مما هي عليه لدى البشر.

تأثير التقدم في العمر

قاس الباحثون الكلاب من عدة أعمار، أكبرها بلغ 14 سنة. وكما ذُكر سابقًا، توجب على الكلاب الاستلقاء بثبات للحصول على قياسات صحيحة.

يقول إنيكو كوبيني «كشفت البيانات أن الكلاب الأكبر سنًا كانت أقل قدرة بشكل طفيف في الحفاظ وضعيتها المبدئية. بيد أن هذا الاختلاف كان صغيرًا جدًا إذ لم يتجاوز مقدار إزاحة الرأس عن 0.4 مم. تتشابه الكلاب مع البشر في هذا الجانب، حيث يجد الأشخاص الأكبر عمرًا صعوبةً في المحافظة على الثباتية لفترات مطولة مقارنةً بالأفراد الأصغر».

تقدم الدراسة لمحة على تطور دماغ البشر وتقترح أن دور القشرة الحزامية قد تولته جزئيًا مناطق الفصين الجبهيين الجداريين أثناء تطور دماغ الثدييات. بالإضافة لذلك، يمكن لأطلس دماغ  rs-fMRIالجديد أن يساعد في تحري حالات كالتقدم في العمر والقلق والاضطرابات النفسية التي يتدهور فيها الدمج والتوصيل عبر مناطق الدماغ مؤديةً لتقسيم غير فعال للمهام.

 

ترجمة: حاتم زيداني

المصدر: phys.org

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *