حجم جسم الطيور يتنبأ بمعدل درجة حرارة العالم

باتت الطيور في جميع أنحاء الأمريكتين أصغر حجمًا وأطول جناحًا مع ارتفاع درجات الحرارة العالمية، والأنواع الأصغر حجمًا هي الأسرع تحولًا.

هذا ما كشفته دراسة جديدة بقيادة جامعة ميشيغان ومن المقرر نشرها عبر الإنترنت في 8 مايو في مجلة Proceedings of the National Academy of Sciences.

جمعت الدراسة بيانات من ورقتين بحثيتين منشورتين سابقًا قاستا التغيرات في حجم الجسم وطول الجناح لأكثر من 86000 عينة من الطيور على مدى أربعة عقود في أمريكا الشمالية والجنوبية. قيّمت إحدى الدراستين الطيور المهاجرة التي لقيت حتفها إثر اصطدامها بالمباني في شيكاغو. درست الأخرى الطيور غير المهاجرة المصطادة في الأمازون.

رغم عدم تداخل مجموعتي البيانات في تكوين الأنواع والجغرافيا، ورغم جمع البيانات بشكل مستقل باستخدام طرق مختلفة، إلا أن الطيور في كلتا الدراستين أظهرت انخفاضًا واسع النطاق في حجم الجسم مع زيادات متزامنة في طول الجناح.

كشف تحليل جديد للبيانات المجمعة عن نمط أكثر إثارة: ففي كلتا الدراستين، تضاءل حجم أنواع الطيور الأصغر وزاد طول أجنحتها بشكل أسرع نسبيًا.

قال عالم الطيور في جامعة ميتشيغن، بنجامين وينغر، مؤلف رئيسي للدراسة وأستاذ مساعد في علم البيئة وعلم الأحياء التطوري، ومساعد أمين متحف علم الحيوان «إن العلاقة بين حجم الجسم ومعدلات التغير متسقة وثابتة بشكل ملحوظ في مجموعتي البيانات. ومع ذلك، فإن فهم الآلية البيولوجية الكامنة وراء الرابط بين حجم الجسم ومعدلات التغير المورفولوجي يتطلب منّا مزيدًا من التحقيق».

عزت دراستا شيكاغو والأمازون التدني في حجم أجسام الأنواع إلى زيادة درجات الحرارة على مدار الأربعين عامًا الماضية، ما يشير إلى أن حجم الجسم قد يكون عاملًا مهمًا لاستجابات الأنواع لتغير المناخ.

ومع ذلك، يبقى التحول الأسرع للأنواع الأصغر حجمًا لغزًا محيرًا.

من المحتمل أن تكون الطيور الأصغر حجمًا تتكيف بسرعة أكبر مع الضغوط التطورية. لكن البيانات المتاحة لم تسمح لفريق جامعة ميتشيغن باختبار ما إذا كانت تحولات الحجم المرصودة تمثل تغيرات تطورية سريعة استجابة للانتقاء الطبيعي.

قال المؤلف الرئيسي المشارك بريان ويكس عالم البيئة في كلية البيئة والاستدامة بجامعة ميتشيغن «إن كان الانتقاء الطبيعي يلعب دورًا في الأنماط الملاحظة، فإن نتائجنا تشير إلى أن أنواع الطيور الأصغر تتطور بشكل أسرع كونها تختبر عمليات انتقاء أقسى، أو أنها أكثر استجابية للانتقاء، أو كلا التفسيرين معًا».

وفي كلتا الحالتين، يبدو أن حجم الجسم هو العامل الأساسي لاستجابات الطيور للتغير المناخي المعاصر.

لذا، إذا كانت الطيور الأكبر حجمًا تستجيب بشكل أبطأ للتغير العالمي، فما هي التكهنات في العقود القادمة مع الارتفاع المستمر لدرجات الحرارة؟

«تشير نتائجنا إلى أن حجم الجسم الكبير يمكن أن يزيد من تفاقم خطر الانقراض عن طريق الحد من إمكانية التكيف مع التغيرات البشرية السريعة والمستمرة» وفقًا للمؤلفة الرئيسية للدراسة ماركيتا زيموفا، باحثة سابقة في معهد بيولوجيا التغير العالمي التابع لجامعة ميتشيغن لمرحلة ما بعد الدكتوراه، وتعمل حاليًا في جامعة ولاية أبالاتشي.

«في المقابل، قد يؤدي أثر حجم-الجسم على المعدلات التطورية إلى زيادة استمرارية الأصناف الصغيرة الحجم في حال كان شكلها المتغير بسرعة يعكس استجابة تكيفية أسرع للظروف المتغيرة».

حللت الدراسة الجديدة بيانات من 129 نوعًا من الطيور: 52 نوعًا مهاجرًا يتكاثر في أمريكا الشمالية و77 نوعًا مقيمًا في أمريكا الجنوبية. جُمعت 86131 عينة خلال نفس الفترة تقريبًا باستخدام تقنيات مختلفة.

أصغر طائر من دراسة شيكاغو كان الصعو المتوج الذهبي(Regulus satrapa)  بمتوسط حجم 5.47 غرام، وأكبرها كان السوادية المألوفة (Quiscalus quiscula) بوزن 107.90 غرام. من بين الأنواع الأمازونية، حلَّت حورية الخشب شوكية الذيل(Thalurania furcata) بالمرتبة الأصغر حجمًا بوزن 4.08 جرام، وأكبرها المطموط الأمازوني (Momotus momota)  بوزن 131.00 غرامًا.

استُمدت مجموعة بيانات أمريكا الشمالية من الطيور التي جمعها الموظفون والمتطوعون من متحف فيلد في شيكاغو بعد اصطدامها بمباني المدينة. قام عالم الطيور بالمتحف الميداني ديفيد ويلارد بقياس طول المنقار، وطول الجناح، وكتلة الجسم، وطول عظمة الرصغ لكافة الطيور التي بلغ عددها 70716 طائر.

قال ويلارد، مدير فخري للمجموعات ومؤلف مشارك لدراسة PNAS الجديدة: «إن الطيور التي اصطدمت بالنوافذ في شيكاغو تقدم رؤى حول التغيرات المورفولوجية المتعلقة بتغير المناخ. إنه لمن الرائع أن ندرس بيانات هذه الطيور من أجل فهم أفضل للعوامل التي تقود هذه التغييرات».

تحتوي مجموعة البيانات الأمازونية على قياسات لـ 15415 طائر من الطيور غير المهاجرة التي التُقطت بالشبكات السديمية في الغابات المطيرة، ثم قيست وتم إطلاقها من جديد. تم تسجيل قياسين بشكل متسق طوال فترة الدراسة: الكتلة وطول الجناح.

قدمت مجموعات البيانات الكبيرة والمتكاملة فرصة فريدة لاختبار ما إذا كانت سمتان أساسيتان من سمات الكائنات الحية – كحجم الجسم وأمد الجيل – قد هيكلتا استجابات الطيور للتغير البيئي السريع.

يفترض علماء الأحياء على نطاق واسع أن أمد الجيل، الذي يُعرَّف بأنه متوسط عمر الأفراد الذين ينتجون ذرية، هو مؤشر مهم على قدرة النوع على التكيف مع التغير البيئي السريع.

من المتوقع أن تتطور الكائنات قصيرة العمر والتي تتكاثر على نطاقات زمنية قصيرة نسبيًا كالفئران، بشكل أسرع من الكائنات ذات الأجيال الأطول، كالفيلة، لأن الفئران لديها فرص أكثر تواترًا كي تستفيد من الطفرات الجينية العشوائية المتولدة أثناء التكاثر.

استخدم مؤلفو دراسة PNAS الجديدة نماذج إحصائية لاختبار أهمية أمد الجيل وحجم جسم النوع في تقدير متوسط معدلات التغير المورفولوجي في الطيور.

بعد ضبط حجم الجسم، لم يجدوا أي علاقة بين أمد الجيل ومعدلات التغيير في أنواع الطيور في أمريكا الشمالية، ولم تكن بيانات أمد الجيل متاحة لطيور أمريكا الجنوبية، لذلك لم يتم تضمينها في هذا الجزء من التحليل.

في الوقت نفسه، أظهر التحليل الجديد أن متوسط حجم الجسم للأنواع كان مرتبطًا بشكل كبير بمعدلات التغيير المقاسة في كل من طيور شيكاغو والأمازون.

كتب المؤلفون: «قد يكون حجم الجسم مؤشرا قيمًا على القدرة على التكيف، وإلى أي مدى قد يقلل التطور المعاصر من خطر الانقراض بين الأنواع».

 

ترجمة: حاتم زيداني

المصدر: phys.org

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *