كيف يساهم أقرب أقربائنا – البونوبو والشمبانزي – بإغناء معرفتنا بأنفسنا

كيف يساهم أقرب أقربائنا – البونوبو والشمبانزي – بإغناء معرفتنا بأنفسنا

البشر مزيج مثير للاهتمام من الإيثار والمنافسة. نتعاون معًا في بعض الأحيان، وفي أوقات أخرى نكافح لنحظى بما نريد. لمحاولة شرح هذه الميول المتضاربة، لجأ الباحثون لدراسة الشمبانزي والبونوبو لفهم أعمق.

من بين القردة العليا، يعتبر الشمبانزي والبونوبو الأكثر ارتباطًا وراثيًا بنا، إذ نتشارك معهم حوالي 98.7٪ من حمضنا النووي، بالإضافة لسلف مشترك والسمات التشريحية والتسلسلات الهرمية الاجتماعية المعقدة ومهارات حل المشكلات.

قد يكون البونوبو أحد أقرب أبناء عمومتنا، بيد أن الأبحاث صبت اهتمامها على الشمبانزي بعد أن اكتشفت جاين غودال في الستينيات أن الشمبانزي يصنع الأدوات ويستخدمها. مهد هذا الاكتشاف الطريق لدراسة الشمبانزي لفهم أي الجوانب البشرية هي فطرية وليست مكيفة اجتماعيًا. منذ ذلك الحين، نُسبت مجموعة من الخصائص البشرية، بما في ذلك التعاطف والمرح واحترام كبار السن إلى أسلافنا المشتركين مع الشمبانزي.

الشمبانزي العدواني القابع داخلنا

ومع ذلك، تبرز خاصية واحدة مزعجة. تصبح قردة الشمبانزي شرسة وتهاجم بعضها البعض في هجمات منسقة. تضمن كتاب «سياسة الشمبانزي» Chimpanzee Politics  لخبير الرئيسيات الهولندي فرانس دي وال وصفًا غنيًا لكيفية تحالف لويت ونيكي، قردا شمبانزي فتيّان، لنزع سلطة يروين، الذكر ألفا. عضّا واقتلعا خصيتي يروين الذي نزف حتى الموت.

إحدى الحجج التي قدمها العلماء هي أن هذه الميول الحربية مزروعة فينا كما الشمبانزي، ما يتحدى وجهة النظر القائلة بأن الحروب هي ظاهرة من صنع الإنسان. يمكن أن تساعدنا الشمبانزي أيضًا في التعرف على الظروف التي قد تشجع على العدوانية عندما يفوق يكون المنافسين أكثر عددًا أو عندما يتم التفاوض على المناصب في التسلسل الهرمي.

ومع ذلك، يعتقد جي بي مولكاهي، المدير المشارك في محمية الشمبانزي الشمالية الغربية في الولايات المتحدة، أن العدوانية «تشكل جزءًا يسيرًا جدًا من نشاطها اليومي». لذلك قد يكون بعض العلماء بالغوا في تأكيدهم على هذه السمة. في الواقع تظهر الأبحاث بشكل متزايد كيف يمكن أن تكون حيوانات الشمبانزي حيوانات متعاونة.

البونوبو اللطيف

يرى الباحثون أن قردة البونوبو أنها تشبه البشر أكثر من الشمبانزي. وهو أمر جيد بالنسبة لنا، نظرًا لسمعتها الودية الحسنة.

على عكس مجموعات الشمبانزي التي يهيمن عليها الذكور، تعيش قردة البونوبو ضمن مجتمعات مسالمة حيث تتولى الأنثى الزعامة. في الواقع، تميل المجتمعات البشرية إلى أن تكون أمومية عندما يكون هناك القليل من المنافسة المباشرة على الموارد.

في مجتمعات البونوبو، تلعب العلاقات الجنسية دورًا مهمًا في الحفاظ على العلاقات وحل النزاعات. على سبيل المثال، يمكن أن تثير فرص الغذاء حالة جنون عدائية لدى الشمبانزي، لكن قرود البونوبو تتخذ نهجًا أكثر تناسقًا وتتجمع في ما يتحول غالبًا إلى نزهة متعددة الزوجات. ثمة الكثير من المتع الجنسية والإغواء التي تذكرنا بسلوكيات الحب الحرة الخاصة بنا في ثقافة الهيبيز. في حين أن الأنثى ألفا عادة ما تكون أصغر من الذكور، فإن جميع الإناث تلتف حولها لدحر الذكور بعيدًا إذا أظهروا سلوكيات عدوانية.

تحرص قردة البونوبو أيضًا إلى حد ما على المشاركة. أظهرت تجارب عام ٢٠١٠ أُجريت في Lola ya Bonobo، وهو محمية للبونوبو في جمهورية الكونغو الديمقراطية، أنه عندما يتم وضع قرود البونوبو في غرف مجاورة ويتم تقديم الطعام لأحدها، فتفضل مشاركة الطعام بدلاً من تناوله بمفردها. كما لوحظ أنها تشاركو الطعام مع الأفراد من خارج مجموعتها لتكوين صداقات جديدة ربما. وتظهر قردة البونوبو استعدادها لمساعدة الآخرين في الحصول على الطعام حتى لو لم تتمكن من مشاركته.

من الممكن أن قردة البونوبو تتمتع بذكاء اجتماعي أفضل من الشمبانزي. في التجارب التي تم فيها تقديم أكواب مقلوبة مع حلوى مخبأة تحت أحدها للحيوانات المختلفة، ظل الشمبانزي يختار الأكواب بشكل عشوائي، لكن قردة البونوبو (والكلاب) أمعنت النظر في الإنسان الذي يجري التجربة لاستحصال معلومات عن الكوب الصحيح. تمتلك البونوبو أيضًا دارات دماغية تبدو أكثر ميلًا للمشاركة والتسامح والتفاوض والتعاون مقارنةً الشمبانزي.

إذن أين يمكن تصنيف البشر بالضبط؟ يبدو أننا قمنا بدمج سمات كلا النوعين، ما خلق توتر بين ميولنا العدوانية والمتناغمة. يعكس ميلنا للنزاع القدرة التنافسية للشمبانزي، ومع ذلك تعلمنا قرود البونوبو أننا مجبولون على الإيثار وأن المجتمع يمكن تنظيمه بطرق أكثر سلمية. يكمن هذا الإيثار في التعاون الواسع النطاق الذي ساعد الإنسان العاقل على مشاركة الأفكار، وتكوين الأمم، واستكشاف الكون، والصمود أمام البشر الأوائل الآخرين كالإنسان المنتصب.

وعلى الرغم من أن فكرة المجتمعات المبنية على الحب الحر قد تبدو وكأنها حكاية خيالية طوباوية، يبدو أننا ننفتح على ممارسات تزاوج بديلة مثل الزواج متعدد الشركاء بالتراضي استجابة لعالم سئم من المفاهيم التقليدية للجنس وهيكلية العلاقات. مرونة السلوك البشري تعتبر حجر الزاوية في قدرتنا الرائعة على التكيف. لذلك لا ضير من الانفتاح على الاحتمالات الجديدة.

 

ترجمة: حاتم زيداني

المصدر: phys.org

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *