قردة الشمبانزي المنسية في جزيرة تنريفي: قصة حيوانات أعادت تعريف الذكاء البشري

قردة الشمبانزي المنسية في جزيرة تنريفي: قصة حيوانات أعادت تعريف الذكاء البشري

تكريم الشمبانزي في أبحاث علم النفس في أوائل القرن العشرين على قدراتها في حل المشكلات من خلال مشروع بحثي يعرض قصص حياتها الكاملة والمأساوية في بعض الأحيان.

أدت تحريات الأستاذ المساعد خافيير فيرويس-أورتيغا إلى إعادة اكتشاف بقايا خمسة قرود من الشمبانزي في بحث عالم النفس الألماني فولفغانغ كوهلر، التي تُركت منسية في مخزن متحف برلين لمدة 100 عام.

يقول فيرويس-أورتيغا عالم النفس السلوكي في جامعة Waipapa Taumata Rau، جامعة أوكلاند «هذه هي قردة الشمبانزي المنسية في تنريفي». ويضيف «إن بحث كوهلر الثوري يرد ذكره في كافة كتب علم النفس، بيد أن الحيوانات تم نسيانها تمامًا».

يقوم فيرويس-أورتيغا بإخراج فيلم وثائقي وكتابة أوراق بحثية حول الشمبانزي الذي تمت دراسة قدراته على حل المشكلات في محطة أبحاث في جزيرة تنريفي في جزر الكناري الإسبانية قبالة غرب إفريقيا منذ عام 1914 حتى عام 1920.

يقول: «من خلال هذا العمل، سنحاول تكريم ذكرى هذه القرود التي أعادت تحديد طبيعة الذكاء البشري والحيواني؛ لقد لعبت دورًا حاسمًا في الدراسة الناشئة للذكاء وعلم النفس المقارن وعلم الرئيسيات».

بعد نشر نظرية التطور لداروين في منتصف القرن التاسع عشر، أراد العلماء اكتشاف ما إذا كان من الممكن تحديد الذخيرة السلوكية المعقدة في أقرب أقربائنا التطوريين، أي القردة العليا.

في واحدة من أشهر الحلقات خلال بحث كوهلر، أدرك شمبانزي يُدعى سلطان أن وضع قصبتين مجوفتين معًا مكنه من الوصول إلى الموز خارج قفصه. هذا العمل الفذ المتواضع يعني أن صناعة الأدوات لم تكن حكرًا على البشر.

اقترح كتاب كوهلر عام 1925 «عقلية القرود» أن قردة الشمبانزي قادرة على حل المشكلات على الفور (ما أسماه كوهلر «البصيرة»).

يقول فيرويس أورتيغا: «كان لهذه الفكرة تأثير هائل على علم النفس المقارن على امتداد القرن الذي تلاها وأثارت الكثير من الأبحاث». ويضيف «قدم كوهلر دليلًا على أن بعض السلوكيات الذكية والمعقدة لحل المشكلات يمكن ملاحظتها لدى أقرب أقربائنا وأنها ليست فريدة للبشر».

كانت الملاحظات الدقيقة للحيوانات من قبل كوهلر أساسًا لدراسات عالمة الرئيسيات جاين غودال حول الشمبانزي في البرية في الستينيات. استشهد العالم والمراسل العلمي كارل ساغان بعمل كوهلر في كتابه عن تطور الذكاء البشري «تنانين عدن».

ومع ذلك، فإن البحث في حياة الشمبانزي بأكملها يكشف عن «معاناة لا توصف» وفقًا لفيرويس أورتيغا.«إذ أُسرت من البرية في الكاميرون بعمر فتي يتراوح بين عامين و3 أعوام، ما يعني أنه من شبه المؤكد أن الأمهات قد قُتلن رمياً بالرصاص للحصول على الأطفال».

بعد إغلاق محطة الأبحاث في عام 1920، تم شحن ستة قرود شمبانزي على قيد الحياة بواسطة سفينة بخارية إلى أوروبا وبيعها لحدائق الحيوان في برلين، حيث استمرت الأبحاث، ولكن الحيوانات عوملت أحيانًا كعوامل جذب كوميدية.

عند دراسة الوثائق التاريخية، قام فيريوس أورتيغا ومؤرخ حديقة الحيوان كليمنس ماير-فولتهاوزن بتتبع أثر بقايا خمسة من الشمبانزي الستة إلى متحف التاريخ الطبيعي في برلين، حيث سجلت الفهارس أسماء الحيوانات دون ذكر أهميتها.

تشمل البقايا هيكلًا عظميًا كاملاً «تشيغو»، وجمجمة واحدة «رانا-لوكا»، وخمسة جلود لكامل الجسم (سلطان، وتشيغو، ورانا-لوكا، وتشيكا، وغراندي). ثمة أيضًا جنين ميت «يعود لتشيغو» محفوظ في الكحول.

كانت معاملة كوهلر للشمبانزي في تنريفي إنسانية وفقًا لمعايير ذلك الوقت، وفقًا لفيروس أورتيغا.

يقول: «لقد قدم مساهمات رائدة في رعاية الشمبانزي الأسرى من حيث الرعاية الطبية، والحجر الصحي، والملاعب الواسعة والمشتركة وأماكن النوم، والتفاعل غير القائم على العقاب مع البشر».

«لكن في حديقة الحيوانات، عاشت الحيوانات وقتًا عصيبًا. فلم يناسبها النظام الغذائي القائم على النشاء، ولم تحتوِ موائلها أي تدفئة، وهو الأمر الذي كان قاسيًا بشكل خاص في الشتاء، وسكنت في بيئات فارغة دون أي نشاطات».

ماتت جميعها قبل 20 عامًا على الأقل من متوسط العمر المتوقع للشمبانزي، مع وفاة آخرها، سلطان، عام 1923.

تربط فيريوس أورتيغا المنحدر من قادس في إسبانيا، علاقات وطيدة بجزر الكناري، وزار محطة أبحاث تنريفي المهجورة خلال جائحة كوفيد-١٩. يأمل أن يؤدي جلب الاهتمام لعمل كوهلر والشمبانزي إلى الحفاظ على المحطة.

في مسودة بحث، يقول فيرويس أورتيغا إن بحثه هو بمثابة «تكريم متواضع» للحيوانات. ومن بين المتعاونين معه خبير علم النفس المقارن الدكتور أليكس تيلور من جامعة أوكلاند، وعالم الآثار الأنثروبولوجي ديفيد غارسيا غونزاليس من جامعة غرناطة بإسبانيا، ومؤرخ حديقة الحيوان الدكتور ماير فولتهاوزن.

يستمر البحث في سلوك وإدراك الشمبانزي اليوم في أماكن كمركز فولفغانغ كوهلر لأبحاث الرئيسيات في لايبزيغ، ألمانيا.

ومع ذلك، فقد تم استخدام الشمبانزي أيضًا في الأبحاث الطبية الحيوية، وهي ممارسة مثيرة للجدل حظرتها بعض الدول أو قيدتها بشدة. في عام 1999، كانت نيوزيلندا أول دولة تفرض حظرًا على الأبحاث الغازية على القردة العليا.

 

ترجمة: حاتم زيداني

المصدر: phys.org

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *