دور جينات التكيف مع درجات الحرارة في القدرة على الحياة في الظروف القاسية

دور جينات التكيف مع درجات الحرارة في القدرة على الحياة في الظروف القاسية

كان تاريخ الأرض أحد الظواهر الفيزيائية المتطرفة، فالظروف الجوية القاسية، والبيئات الكيميائية القاسية، ودرجات الحرارة القصوى تؤكد ذلك. كانت الأرض في أحد الأوقات شديدة الحرارة، وكان كل الماء بخارًا، ولم يسقط المطر الأول إلا بعد أن برد الكوكب بدرجة كافية. بعد فترة وجيزة وجدت الحياة من خلال هذه الظروف طريقها.

توجد الحياة اليوم في كل مكان تقريبًا على الأرض، ومن الصعب العثور على أماكن لا توجد فيها حياة. تعد القدرة الرائعة للحياة على التكيف مع الظروف المتغيرة إحدى خصائصها المميزة. تعد قدرة الكائنات على التكيف مع درجات الحرارة المتفاوتة واحدة من أكثر التعديلات إثارة للاهتمام من بين العديد من تكيفاتها. تعتمد الحياة كلها على التفاعلات الكيميائية التي تكون بطبيعتها حساسة لدرجة الحرارة. ومع ذلك، توجد الحياة عبر طيف من درجات الحرارة، من الجرف الجليدي في القطب الجنوبي إلى حواف البراكين المغمورة. يطرح ذلك سؤال: كيف تتكيف الحياة مع درجات الحرارة المختلفة؟

لمحاولة كشف هذا اللغز، درس فريق بحثي بقيادة باولا بروندزينسكي وشون إيرين ماكغلين من معهد علوم الحياة الأرضية (ELSI) في معهد طوكيو للتكنولوجيا مجموعة من الكائنات الحية تسمى الميثانوجينات.

الميثانوجينات هي كائنات دقيقة وحيدة الخلية منتجة للميثان تنتمي إلى مجال أكبر من «العتائق» (كائنات قديمة وحيدة الخلية لا تحتوي على نوى خلوية ويُعتقد أنها كانت سلف الخلايا حقيقية النواة). كمجموعة فسيولوجية واحدة، يمكن أن تزدهر الميثانوجينات عبر مجموعة من درجات الحرارة القصوى، من -2.5 درجة مئوية إلى 122 درجة مئوية، مما يجعلها مرشحة مثالية لدراسة التكيف مع درجة الحرارة.

في هذا العمل، حلل الباحثون قارنوا جينومات الأنواع المختلفة من الميثانوجينات. قسموا الميثانوجينات إلى ثلاث مجموعات بناءً على درجات الحرارة التي ازدهرت فيها، مقاومة للحرارة (تعيش في درجات حرارة عالية)، ومقاومة للبرودة (تعيش في درجات حرارة منخفضة)، ومتوسطة (تعيش في درجات حرارة محيطة). ثم بنوا قاعدة بيانات تضم 255 جينومًا وتسلسلًا بروتينيًا من مورد يسمى قاعدة بيانات تصنيف الجينوم. بعد ذلك، حصلوا على بيانات درجة الحرارة لـ 86 ميثانوجين موجودة في مجموعات مختبرية من قاعدة بيانات درجات الحرارة لنمو بدائيات النوى الشائعة والنادرة. كانت النتيجة قاعدة بيانات ربطت محتوى الجينوم بدرجة حرارة النمو.

بعد ذلك، استخدم الباحثون برنامجًا يسمى أورثوفيندر OrthoFinder لإنشاء مجموعات تقويم مختلفة، بشكل مجموعات من الجينات تنحدر من جين واحد موجود في آخر سلف مشترك للأنواع قيد الدراسة. فصلوا بعد ذلك هذه المجموعات إلى: 1-نواة (موجودة في أكثر من 95% من الأنواع)، و2-مشتركة (موجودة في نوعين على الأقل ولكن في أقل من 95% من الكائنات الحية)، و3-فريدة (موجودة فقط في نوع واحد). كشفت تحليلاتهم أن حوالي ثلث الجينوم الميثاوجيني مشترك عبر جميع الأنواع. ووجدوا أيضًا أن كمية الجينات المشتركة بين الأنواع تتناقص مع زيادة المسافة التطورية.

ومن المثير للاهتمام، وجد الباحثون أن الكائنات الحية المقاومة للحرارة لديها جينومات أصغر وجزء أعلى من الجينوم الأساسي. كانت هذه الجينومات الصغيرة «أقدم» من الناحية التطورية من جينومات الكائنات الحية المقاومة للبرودة. وبما أن الكائنات الحية المقاومة للحرارة موجودة في مجموعات متعددة، تشير هذه النتائج إلى أن حجم الجينوم يعتمد على درجة الحرارة أكثر من اعتماده على التاريخ التطوري. يقترح العلماء أيضًا أنه مع تطور جينومات الميثانوجين، فإنها تنمو بدلًا من أن تنكمش، مما يتحدى فكرة تطور الجينوم الحراري، أي أن الكائنات الحية تزيل الجينات من جينوماتها أثناء تطورها إلى مواقع ذات درجات حرارة أعلى.

أظهرت تحليلات الباحثين أيضًا أن الميثانوجينات تنمو عبر هذا النطاق الواسع من درجات الحرارة من دون الحاجة إلى العديد من البروتينات الخاصة. في الواقع، كانت معظم البروتينات المشفرة بواسطة جينوماتها متشابهة. قادهم ذلك إلى النظر في إمكانية التنظيم الخلوي أو التكيفات التركيبية الدقيقة على أنها السبب الجذري للتكيف مع درجة الحرارة. وللتحقق من ذلك، نظروا في تكوين الأحماض الأمينية (اللبنات الأساسية للبروتينات) في الميثانوجينات.

لاحظوا زيادة أحماض أمينية معينة في مجموعات درجة حرارة معينة. ووجدوا أيضًا اختلافات تركيبية في الأحماض الأمينية تتعلق بشحنها البروتيني، وقطبيتها وكلها تؤثر على بنية البروتين، وبالتالي قدرتها على العمل. بشكل عام، وجدوا أن الميثانوجينات المتحملة للحرارة تحتوي على أحماض أمينية مشحونة وجينات وظيفية لنقل الأيونات، والتي لا توجد في الميثانوجينات المتحملة للبرودة. بينما تزداد الأحماض الأمينية غير المشحونة والبروتينات المتعلقة بالبنية الخلوية والحركية عند الميثانوجينات المتحملة للبرودة. ومع ذلك، لم يتمكن الباحثون من تحديد وظائف محددة يتقاسمها جميع أعضاء مجموعة درجات الحرارة، مما يشير إلى أن التكيف مع درجة الحرارة هو عملية تدريجية تحدث بخطوات دقيقة بدلاً من أن تتطلب تغييرات على نطاق واسع.

تقول باولا بروندزينسكي  «إجمالًا، يشير هذا إلى أن أول الميثانوجينات التي تطورت في وقت كانت فيه الظروف على الأرض معادية للحياة، ربما كانت مشابهة للكائنات الحية الموجودة حاليًا، ويمكن أن تشير النتائج التي توصلنا إليها إلى السمات والوظائف الموجودة في أقدم الميكروبات، وحتى تحمل أدلة حول ما إذا كانت الحياة الميكروبية نشأت في البيئات الحارة أو الباردة. يمكننا توسيع هذه المعرفة لفهم كيف يمكن للحياة أن تتكيف مع الأنواع الأخرى من الظروف القاسية، وليس درجة الحرارة فقط، وحتى كشف كيف يمكن أن تتطور الحياة على الكواكب الأخرى».

ترجمة: ولاء سليمان

المصدر: phys.org

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *