يهزم جينوم الذبابة الأسترالية البكتيريا القاتلة من خلال تطوره ليتعايش معها
كلما عرفنا المزيد عن العالم البيولوجي، كلما أصبح أكثر تعقيدًا.
لا يتجلى هذا في أي مكان أكثر من الاكتشافات الحديثة حول الطرق التي تؤثر بها الكائنات الحية الدقيقة على مضيفيها.
يمكن أن يؤثر تكوين الميكروبيوم، أي مجتمع الفطريات والبكتيريا والفيروسات الموجودة عادة في الأمعاء، على صحة الكائنات المضيفة. ويشمل هذا قدرتها على محاربة الأمراض ومستوى التغذية التي يمكن أن يستخلصوها من الطعام وغير ذلك.
يكون تأثير الميكروبيوم مثيرًا بشكل خاص في حالة الحشرات، إذ يمكن أن توجد الكائنات الحية الدقيقة ليس فقط في أمعاء الحشرة المضيفة، ولكن أيضًا داخل خلايا المضيف. تستطيع هذه الكائنات الحية الدقيقة الانتقال من الأمهات إلى نسلهم.
تُعرف هذه الأنواع من البكتيريا باسم التعايش الداخلي ويمكن أن يكون لها مجموعة كاملة من التأثيرات على مضيفيها.
تشمل هذه التأثيرات التي تساعد المضيف توفير التغذية للخلايا وحماية الخلايا المضيفة من الفيروسات. لكن يوجد أيضًا بعض النتائج المشكوك فيها بما في ذلك قتل أجنة المضيف وتغيير نسبة الجنس للذرية التي ينتجها المضيف.
عندما يكون التعايش الداخلي ضارًا بالمضيف، فقد يتطور جينوم المضيف لمنع هذه التأثيرات. يمكن أن يؤدي هذا إلى «سباق تسلح» تطوري بين المضيف والبكتيريا المتعايشة.
كشف فريق البحث لدينا الآن عن مثال معقد بشكل ملحوظ لعمليات مشابهة في ذبابة أسترالية مستوطنة تُعرف باسم ذبابة الفاكهة، وهي شائعة على طول الساحل الشرقي لأستراليا.
وجد عملنا المنشور في مجلة PLOS Biology، في البداية أن جميع أعضاء هذه الذبابة تحمل بكتيريا تعايش داخلي تُعرف باسم وولباكيا Wolbachia، والتي تنتقل من الأم إلى نسلها.
عندما نستخدم المضادات الحيوية لعلاج الذباب من سلالة وولباكيا، يبقى الذباب على قيد الحياة. ومع ذلك، في أي تزاوج يحدث بين الذكور الذين أصيبوا ببكتيريا وولباكيا والإناث التي لم تعد تحمل البكتيريا يموت نسل هذه الإناث.
ينتج عن هذا ميزة كبيرة للإناث التي تحمل البكتيريا لأنها هي التي تنتج النسل للذكور المصابة.
ومما يزيد الوضع تعقيدًا حقيقة وجود سلالة ثانية من بكتيريا وولباكيا يمكنها إصابة الذباب جنبًا إلى جنب مع السلالة الأولى.
عندما تكون السلالة الثانية موجودة، تنتج إناث الذباب ذرية إناث فقط، مما يجعلها «قاتلة للذكور» بشكل فعلي.
في بعض الحالات، قد يفيد هذا الذباب عن طريق تقليل التنافس على الموارد ومساعدتهم على تجنب زواج الأقارب. لكن قتل الذكور يمكن أن يعني تكلفة باهظة للذباب، لأن الذباب لا يستطيع أن ينتج نسلًا من دون التزاوج.
في غياب الذكور، سينقرض الذباب.
لذلك، يُنشئ هذا سباق تسلح آخر يجب على المضيف فيه أن يطور طريقة لقمع البكتيريا القاتلة للذكور.
رأينا عند ذباب دروسوفيلا سودوتاكاهاشي Drosophila pseudotakahashii سباق التسلح هذا قيد التنفيذ، مما أدى إلى حدوث تغييرات سريعة جدًا في منطقة معينة من جينوم الذبابة، وهي المجموعة الكاملة من الحمض النووي (المادة الوراثية) في الكائن الحي.
وبدأ الجينوم في الانتصار.
على مدى بضعة أسابيع، تمكنت مجموعات الذباب مع البكتيريا القاتلة للذكور من البدء في إنتاج الذكور مرة أخرى، على الرغم من وجود سلالة وولباكيا الثانية. وكنا قادرين على تحديد بعض الجينات التي من المحتمل أن تكون متورطة في هذا «قمع قاتل الذكور».
يمكن أن تزودنا أنواع الذباب المحلية بدرس في الطبيعة المعقدة للتفاعلات بين العوائل والكائنات الحية الدقيقة التي تشكل العديد من جوانب حياة الكائن الحي. علاوة على ذلك، فإنه يوضح التغييرات التطورية المستمرة التي يمكن أن تحدث بسرعة كبيرة لتغيير هذه التفاعلات الداخلية.
لكن هذه الدروس المحددة لها آثار أوسع بينما نتطلع إلى التلاعب بالميكروبيوم في الكائنات الحية لتشجيع التأثيرات المفيدة.
تنتشر سلالات وولباكيا التي تعيش داخل البعوض بشكل متعمد في جميع أنحاء العالم لأن البكتيريا يمكنها في الواقع منع انتقال بعض الأمراض التي ينقلها البعوض مثل حمى الضنك.
ولكن ماذا لو تطور جينوم المضيف لوقف هذه التأثيرات؟ أو ماذا لو أُطلقت البكتيريا التي تقتل الذكور لقمع تجمعات الآفات؟
نحن في بداية رحلة عندما يتعلق الأمر بالكائنات الحية الدقيقة وكلما تعلمنا أكثر، كلما احتجنا إلى توقع ما هو غير متوقع.
ترجمة: ولاء سليمان
المصدر: phys.org