حل اللغز الكامن وراء البيوض العملاقة العتيقة في أستراليا

يمكننا باستخدام نظائر الكربون أن نعرف النظام الغذائي للطيور التي وضعتها.

إنها قضية تحقيق أسترالية طال أمدها. منذ ثمانينيات القرن الماضي فصاعدًا، اكتشف العلماء شذرات من قشور بيض وبيوض كاملة في حالات نادرة في الكثبان الرملية داخل المنطقة القاحلة في البلاد (والتي تغطي معظم كتلة اليابسة في أستراليا).

تطابقت نسبة من القشور مع بيوض طائر الإيمو، بينما تعود باقي الشذرات لنوع غامض. قرر العلماء في البدء أن قشور البيض تعود لطائر ضخم منقرض يدعى طائر الفك أو جنيورنيس. لكن مجموعة من العلماء تحدوا وجهة النظر هذه مؤخرًا.

استطاع فريقنا، بمساعدة أنظمة الذكاء الصنعي، أن يحل هذا الجدل عبر إظهار أن طائر الفك كان بالفعل من وضع تلك البيوض. نشرنا النتائج مع زملاء من حول العالم في مجلة Proceedings of the National Academy of Sciences.

جنيورنيس كان طائرًا لا يطير قاس بين مترين و٢.٥ طولًا وجاب قديمًا يابسة أستراليا. تعتبر شذرات قشور البيض دليلًا مهمًا على هذا النوع المنقرض، ولذلك تحديد هوية الطائر الذي وضعها يعتبر أمرًا غاية في الأهمية.

يبلغ عمر بعض الشذرات نحو ٤٠٠ ألف سنة بينما تقيس أصغرها عمرًا نحو ٥٠ ألف سنة. أظهرت أبحاث سابقة أن بعض من أصغر الشذرات عمرًا قد تعرضت للحرق لكن في غير سياق نيران طبيعية، إذ تشير اختبارات العلماء لبشر قد طبخوا البيض كي يتغذوا عليه.

تصادف الفترة التي تختفي فيها قشور بيض طائر الفك (منذ ٥٠ ألف سنة) الوصول المعتقد الأول للبشر إلى أستراليا. يثير هذا الاكتشاف احتمالية أن نوعنا قد ساهم بهذا الانقراض.

حصر المرشحين

حدد دوم ويليامز شذرات قشور البيض لأول مرة عام ١٩٨١، وهو عالم جيولوجيا وعالم إحاثة متخصص بالفقاريات من جامعة فليندرز في أديلايد. يناقش أن الشذرات تعود لطائر الفك الذي ينتمي لمجموعة من الكائنات المنقرضة تُعرف باسم طيور الرعد.

في التسعينيات، قدم فريق يضم جون ماجي من الجامعة الوطنية الأسترالية، وجيفورد ميللر، أحد مؤلفي هذه المقالة، تواريخ مؤكدة لشذرات قشرة مماثلة مأخوذة من آلاف المواقع في المنطقة القاحلة. كان طائر الفك من ضمن العديد من الحيوانات الكبيرة – المعروفة باسم «الحيوانات الضخمة» – التي استوطنت أستراليا قديمًا واختفت في نفس الفترة الزمنية تقريبًا. حدد العمل الذي قام به ميلر وماجي وآخرين تاريخًا واضحًا لواقعة الانقراض هذه منذ ٥٠ ألف عام.

قبل المجتمع العلمي الربط بين هذه القشور وطائر الفك القبول منذ ثمانينيات القرن الماضي حتى وقت قريب بعد أن تحدى فريق من العلماء من جامعة فليندرز في أستراليا هذا الافتراض.

ناقشوا أن قشور البيض تعود لنوع آخر مستندين إلى حجم وبنية قشور البيض. مرشحهم المفضل كان طائر الكافور القزمي العملاق أو البروغورا وهو طائر منقرض يزن ١٠ كغ وقريب من الطيور الحديثة كدجاج الأيكة وطائر الكافور القزمي.

تبني الطيور الحية المنتمية لهذه المجموعة – الشقبانيات – أكوام ترابية لتحضن بيوضها. اشتعل الجدل العلمي في المجلات الأكاديمية دون أن يقر أحد الطرفين بصحة ادعاء الآخر.

السعي للحل

في سعيهم لاتخاذ قرار نهائي، لجأ العلماء الذين ظنوا أن البيوض تعود لطائر الفك لتحليل الحمض النووي. ورغم نجاح استخراج المعلومات الوراثية من بيوض طائر الموا النيوزلندي المنقرض، فشلت تقنية سَلسَلة الدنا المتقدمة أمام هذه الحالة. إذ كانت الجزيئات متحللة للغاية بعد ٥٠ ألف سنة تحت شمس أستراليا الحارة.

لكن البروتينات -اللبنات الأساسية للخلايا- توفر معلومات مشابهة وتصمد أكثر من الحمض النووي. استخدمنا في دراستنا تقنية تُدعى ترازم الحمض الأميني لتحديد شذرات الحاوية على أفضل البروتينات المحفوظة جيدًا.

نجح فريقنا باسترجاع سلاسل بروتينية جزئية من قشور البيوض الأسترالية. ثم استخدمنا برنامج حاسوبي يُدعى AlphaFold التابع لمختبر الذكاء الصنعي DeepMind والمملوك من شركة غوغل لتوليد بُنى هيكلية مُتنبأة للجزيئات، وهي المرة الأولى التي تُستخدم فيها هذه التقنية على البروتينات القديمة.

تواصل اثنان منا، ماثيو كولينز وبياتريس ديمارشيه، مع مشروع جمع جينومات الطيور Bird 10,000 Genomes (B10K) Project. يهدف هذا المشروع لسَلسَلة جينومات كافة أنواع الطيور.

أخذت جوزيفين ستيلر، إحدى أعضاء المشروع، سلاسل البروتين المُعاد بناؤها ووضعتها ضمن «شجرة عائلة» تظهر كيف تختلف البروتينات ضمن أنواع الطيور. كانت البروتينات مكتملة كفايةً لتصنيف البيوض الغامضة في عمق أفرع شجرة السلاسل البروتينية هذه، لكنها لم تكن كافية وتشخيصية لتحديد هوية من وضع البيض بدقة.

بيد أن سلاسل البروتين كانت قادرة، كما ورد في ورقتنا البحثية الأخيرة، على نفي الشقبانيات بشكل حاسم. وفي ظل انعدام مرشح آخر، خَلَصنا -كما اقترح ويليامز بدايةً في الثمانينيات- أن قشور البيض تعود لطائر الفك.

وهذا يعني أننا قادرين الآن على توظيف أدلة أخرى مستمدة من القشور لفهم كيفية انقراض طائر الفك وكيف نجح طائر الموا في البقاء.

آكل انتقائي

النظائر عبارة عن أشكال مختلفة من العناصر الكيميائية تستطيع تسجيل معلومات حول عوامل كالنظام الغذائي والمناخ. توفر النظائر الكربونية في قشور البيض معلومات حول النظام الغذائي للطائر وتظهر كيف كان طائر الفك انتقائيًا في طعامه أكثر من طائر الموا. يمكن استخدام نظائر الأوكسجين لتتبع القحولة وتظهر أن الظروف كانت آخذة بالجفاف في زمن اختفاء قشور بيض طائر الفك.

حلل ميلر وزملاؤه في بحث سابق النظائر ذاتها في قشور بيض الموا على امتداد فترة انقراض طائر الفك ووجدوا أن أعشاب موسم الصيف اختفت فجأة من نظام الطائر الغذائي، وهذا يتماشى مع تناقص هائل في الأمطار الموسمية.

تقترح هذه النتائج أن طائر الفك كان بالفعل معرضًا لتغير في النظام البيئي، لكن ثمة عامل آخر قد يكون أساسيًا في انقراضه.

لدى قرن النتائج مع حقيقة افتقارنا للأدلة من هياكل طائر الفك للتنبؤ المباشر، تقترح قشور البيض المحروقة أن الضغوط البشرية -كما هو شائع في العالم- كانت على الأرجح عاملًا قاد هذه الطيور نحو الانقراض في نهاية المطاف.

ماثيو جيمس كولينز، أستاذ علم البروتيوميات الإحاقية، جامعة كامبريدج ؛ بياتريس ديمارشيه، أستاذ مشارك، جامعة تورينو، وجيفورد ميلر، أستاذ بارز في العلوم الجيولوجية، جامعة كولورادو بولدر

أُعيد نشر هذه المقالة من The Conversation بموجب ترخيص المشاع الإبداعي.

ترجمة: حاتم زيداني

المصدر: iflscience

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *