استطاع العلماء حل لغز عمره 500 مليون عام عن الهياكل الكمبرية الغريبة الموجودة في الصين

تظهر حفريات العصر الكمبري المفصلة للغاية أن الأنابيب الهيكلية الغامضة تنتمي إلى أسلاف قنديل البحر الحديث.

منذ أكثر من 500 مليون سنة، كانت اللافقاريات التي تعيش في البحر رائدة في تجربة تطورية جديدة: الهياكل العظمية. ولكن بينما صمدت تلك الهياكل المتينة الشبيهة بالأنابيب أمام اختبار الزمن ووصلت إلينا بشكل أحافير، تلاشت أجسام الحيوانات الرخوة واختفت، مما أدى إلى محو كل الأدلة التي قد تعطينا فكرة عن شكل هذه الحيوانات القديمة. الآن، كشفت إعادة فحص حديثة لتلك الأنابيب الهيكلية القديمة أخيرًا عن هوية أحد هذه الكائنات الغامضة.

تعود هذه الأنابيب «الهيكلية» المُعززة بالكالسيوم إلى فترة تُعرف باسم الانفجار الكمبري (منذ 541 مليون إلى 510 مليون سنة) ويبدو أنها كانت استراتيجية فعالة للبقاء، فقد ظهرت في مجموعات متعددة عبر فترة قصيرة نسبيًا من الزمن الجيولوجي (حوالي 50 مليون سنة). خلال هذه الفترة، شكل كل شيء من أسلاف ديدان الأرض إلى الأقارب القدامى الغريبين لبطيء الخطو (أو دب الماء) هياكل واقية تشبه الأنابيب.

ومع ذلك، فقد ثبت أن تتبع التاريخ التطوري لهذه الهياكل الخارجية المبكرة أمر صعب. قال شاويا ما، عالم الحفريات اللافقارية في جامعة يونان في الصين والمؤلف المشارك لدراسة تصف النتائج: «تميل الأنسجة الرخوة إلى الاضمحلال»؛ لهذا السبب، كان التعرف على الأنابيب الكمبرية الأحفورية يشبه إلى حد ما محاولة تخمين محتويات علبة فارغة غير مصنفة بناءً على شكل القصدير وحده، وكان بإمكان معظمهم بسهولة أن يحتوي على حساء الدجاج ويأخذ شكل الوعاء».

يسلط العلماء الضوء على أصحاب هذه الهياكل العظمية الغامضين. في الدراسة الجديدة، التي نُشرت في 2 نوفمبر في مجلة Proceedings of the Royal Society B، وصف فريق دولي من الباحثين أربع عينات كمبرية محفوظة جيدًا بشكل لا يصدق من مقاطعة يونان الصينية. تحتوي هذه الحفريات التي يبلغ عمرها 514 مليون عام لمخلوق غانغتوكونيا أسبيرا على طبعات الأنسجة الرخوة التي خلفتها أجسام الحيوانات. من خلال دراسة هذه الانطباعات عن كثب، قرر العلماء أن الأنابيب تنتمي، من بين كل الأشياء، إلى قناديل البحر القديمة التي تصنع الهيكل العظمي.

يصعب العثور على اللافقاريات رخوة الجسم في السجل الأحفوري، وقناديل البحر على وجه الخصوص لا تُحفَظ أبدًا. قال لوك بيري، عالم الأحياء القديمة في جامعة أكسفورد والمؤلف المشارك للدراسة، لـ Live Science في رسالة بريد إلكتروني: «كانت هذه الحفرية ضربة مزدوجة من حيث الندرة».

عادة، عندما يموت كائن بحري، تهضم الكائنات المُقتاتة والبكتيريا بسرعة أنسجته الرخوة. ولكن في كثير من الأحيان، تغطي موجة من الرواسب الدقيقة البقايا بسرعة كافية لمنع البكتيريا الهوائية من أداء عملها. هذه هي الطريقة التي تشكلت بها الرواسب الأحفورية الشهيرة في أمريكا الشمالية بورغيس شيل، وفقًا لمتحف سميثسونيان الوطني للتاريخ الطبيعي في واشنطن العاصمة، ومن المحتمل أيضًا أن موقع يونان تشكل بهذه الطريقة.

حُفظت الحفريات المكتشفة حديثًا، والتي اكتُشفت من قبل مؤلف الدراسة الرئيسي جوانجسو تشانغ، طالب الدراسات العليا في جامعة يونان، بتفاصيل مكنت علماء الأحافير من تحديد الأعضاء الداخلية للحيوانات. كانت أفواه المخلوقات محاطة بحلقة من المجسات، يبلغ طول كل منها حوالي 0.2 بوصة (5 ملم). وكان لديهم أمعاء تشبه الكيس بفتحة واحدة فقط (على عكس الفم والشرج المنفصلين اللذين تتميز بهما الفقاريات).

أدت هذه الخصائص إلى استنتاج أن اسبيرا ينتمي إلى شعبة سينداريا، والتي تضم قنديل البحر الحديث والشعاب المرجانية وشقائق النعمان البحرية. وأرسى نظرية قديمة مفادها أن المخلوق كان دودة علقية، بسبب جسدها المجزأ وأمعائها ذات الفتحتَين.

من المحتمل أن يكون اسبيرا معلقًا في المحيطات القديمة مع تثبيت أحد طرفي أنبوبه على أعضاء أخرى من نوعه أو بمخلوقات متحركة مثل ثلاثية الفصوص. فهو يتراجع إلى قوقعته عندما تسبح الحيوانات المفترسة. من المحتمل أنه كان يتغذى كثيرًا مثلما تفعل سلائل قنديل البحر الحديثة، إذ تمد مجساتها اللاذعة عندما تكون الفريسة قريبة.

تمتلك حاليًا يرقات مجموعة قنديل بحر واحدة فقط هي سيفوزوا هياكل خارجية. تحتفظ بعض الكائنات المجوفة الأخرى، مثل الشعاب المرجانية بهياكلها العظمية في مرحلة البلوغ. ومع ذلك، فإن الشعاب المرجانية اليوم تبني هياكلها العظمية من كربونات الكالسيوم. في المقابل، صنعت اسبيرا أنابيبها من فوسفات الكالسيوم، وهو نفس المركب الصلب الذي يتكون من مينا الأسنان والعظام.

ما يزال سبب تحول الكائنات المجوفة الحديثة من فوسفات الكالسيوم إلى الهياكل الخارجية لكربونات الكالسيوم لغزًا. وقال ما: «أحد الأسباب المحتملة هو أن البيئة قبل عصرنا الحالي كانت غنية بالفوسفور». ولكن يمكن العثور على الجواب في علم الوراثة أيضًا. يأمل ما وفريقه بالإجابة على هذا السؤال وغيره مع استمرار بحثهم. ويقول: «نأمل أن يكون لدينا المزيد للجميع في المستقبل القريب».

 

ترجمة: ولاء سليمان

المصدر: livescience

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *