عندما نتطرق للفيروسات، فإنّ تلك المنتقلة عن طريق الخفافيش فتاكة بشكل عجيب – بالنسبة للبشر على الأقل.
يمكن أن تنقل الثدييات العديد من الفيروسات التي قد تسبب أمراض خطيرة عند البشر، بما فيها داء الكلب والإيبولا والنيباه والمتلازمة التنفسية الحادة الشديدة (SARS) وغيرها. نادرًا ما تؤذي هذه الفيروسات الخفافيش. وكان السبب الذي يجعل هذه الفيروسات خطيرة عندما تصيب حيوانات أخرى يمثل لغزًا.
تقترح الدراسات السابقة أنّ الجهاز المناعي للخفافيش قد تأقلم بشكل خاص بحيث يتحمل الفيروسات ويعود ذلك جزئيًا لقدرته على الحد من الالتهاب. تشير دراسة حالية تستخدم الخلايا المزروعة في المختبر أنّه وبهدف مجابهة الدفاعات المناعية للخفاش، تطورت قدرة هذه الفيروسات على الانتشار السريع من خلية لأخرى. ما يعني أنه عند انتقالها لحيوانات لا تتمتع بذات الجهاز المناعي القوي، فإنها تُحدِث أذيات خطيرة.
يقول Kevin Olival عالم البيئة المرضية في اتحاد EcoHealth في مدينة New York (لم يشترك في البحث) أنّ هذه الدراسة مهمة في سياق فهم أحجية سبب نشوء الفيروسات (من الخفافيش) وإصابتها البشر والحيوانات الأخرى. ويشرح بأنه هنالك الكثير لنتعلمه عن الجهاز المناعي للخفافيش والتفكير بهذه المعلومات في سياق صحتنا الشخصية وتطوير العلاجات المضادة للفيروسات.
سلّط العلماء الضوء على الخفافيش بصفتها مصدرًا محتملًا للعديد من الأمراض الفيروسية عند البشر. قد تكون الخفافيش الآكلة للحشرات مصدرًا لجائحة الإيبولا عام 2014 في أفريقيا الغربية، في حين حملت خفافيش الفاكهة المصرية (Rousettus aegypticaus) فيروس ماربورغ (عبارة عن فيروس نزفي مرتبط بالإيبولا). تمثل الأنواع الأخرى للخفافيش مستودعات للفيروسات التاجية الشبيهة بالـ SARS، والتي غالبًا ينتمي إليها الفيروس الذي أشعل فتيل الجائحة الفيروسية الحالية في الصين.
قامت Cara Brook عالمة البيئة في جامعة California, Berkely مع زملائها في هذه الدراسة الجديدة بتقصي كيفية انتشار اثنان من فيروسات الخفافيش – الإيبولا وماربورغ – بإصابتها خلية من أصل ثلاث في المختبر.
تشرح Brook بأنّ أحد أنماط الخلايا والذي يعود للقردة الخضراء الأفريقيةCercopithecus) aethiops) يفتقر للاستجابة المناعية المضادة للفيروسات، في حين كان النمطان الآخران للخلايا من الخفافيش: يُفعّل أحدهما – وهو يعود لخفاش الفاكهة المصري – استجابة مناعية فقط في حال أصيب بكائن ممرض، في حين غالبًا ما يكون الآخر، والذي يعود لخفاش الفاكهة الأسود (Pteropus alecto)، دائمًا في حالة مضادة للفيروسات ويحاول محاربة الفيروسات على الدوام.
قام الفريق بحقن الخلايا بفيروسات معدّلة بحيث تصبح مغطاة بالبروتينات التي يستخدمها فيروس الإيبولا أو ماربورغ ليدخل إلى الخلايا ويصيبها. ومن ثم راقب الباحثون انتشار الفيروسات بين الخلايا. وفي حين تدمرت خلايا القردة بالكامل، نجا عدد كبير من خلايا الخفافيش.
أعاد الفريق بعدها إنتاج تجاربهم المخبرية باستخدام محاكاة رياضية لحساب السرعة التي اصابت بها الفيروسات الخلايا الأخرى وما إذا لعبت الدفاعات المضادة للفيروسات دورًا في انتشارها. أظهرت عمليات المحاكاة أنّ الفيروسات التي تتكاثر تحت ضغط الجهاز المناعي لخفاش تتمتع بمعدل انتقال خلوي أعلى داخل المضيف.
يساعد الانتشار السريع في خلايا الخفاش الفيروسات على مواجهة الخصائص المضادة للفيروسات التي تتمتع بها خلايا الخفاش. وعلى الرغم من أنّ انتشار الفيروسات في خلايا القردة كان أبطأ، كانت الخلايا تُقتَل بسرعة.
تشرح Brook أنه يمكن للكائنات المسببة للمرض (مثل الفيروسات) أن تنتقل بسرعة فقط داخليًا وذلك قبل أن تقتل المضيف، ولكن في حال استطاع الجهاز المناعي للمضيف مواجهة الفيروسات سريعة الانتشار، عندها يمكن أن يتطور الفيروس بحيث يصيب خلايا جديدة أسرع مما قد يفعل في بيئة مختلفة، في ما قد يُعرّف بكونه سباقًا للتسلّح. وإذا ما أصاب فيروس الخفافيش سريع الانتشار أنواع أخرى تفتقر لدفاعات شبيهة بتلك الخاصة بالخفافيش، فإنه سيكون غالبًا شديد الإمراضية.
يقول Olival أنّ هنالك أكثر من 1400 نوع من الخفافيش في العالم، وركزت هذه الدراسة على نوعين فحسب. ولا بدّ من تذكّر أن الأنواع الأخرى للخفافيش قد تمتلك استجابات مختلفة تمامًا. كما أنّه يشعر بالفضول فيما يتعلق بكيفية انطباق هذه الموجودات على الحيوانات الأخرى التي تحمل فيروسات مميتة مثل القوارض، حيث أنّ الخفافيش ليست الثدييات الوحيدة التي تمثل مستودعًا لفيروسات حيوانية المصدر البشرية. ويضيف بأنّ السؤال لا يقتصر على كيفية تعامل الخفافيش مع الفيروسات، بل وكيف تتعامل الأنواع الأخرى من الثدييات التي تعمل كمستودع مع فيروساتها.
تقول Brook بأنه وفي الوقت الذي تحمل فيه الخفافيش حقًا الكثير من الفيروسات، فإننا لا نريد من البشر التفكير في قتل كل الخفافيش، حيث تميل الحيوانات وثيقة الصلة لأن تنقل الفيروسات لبعضها، وذلك ما لا ينطبق على البشر والخفافيش. وبالتالي من غير المحتمل أن تنتشر فيروسات الخفافيش بين البشر، ولكنها تكون فتاكة إن فعلت.
ترجمة: كوين الخوري
المصدر: sciencenews