كم تحتاج الأنواع الجديدة كي تتطور؟

يمكن للأنواع الجديدة أن تنتوع بسرعة مدهشة أو قد تحتاج دهورًا لذلك

عُرف عن داروين اندهاشه من «الأشكال الجميلة اللامتناهية» الناتجة عن التطور، وبالفعل تعج الأرض في يومنا هذا بنحو تريليون نوع تقديريًا. لكن كم استغرق تطور هذه الأنواع؟

تتغاير الإجابة بتغاير أشكال الحياة «بناءً على الأصنوفات والظروف البيئية» وفقًا لتوماس سميث، أستاذ علم البيئة وعلم الأحياء التطوري في جامعة كاليفورنيا، لوس أنجلوس. تتراوح المدة الزمنية بين نطاقات زمنية قابلة للملاحظة بشريًا لعشرات الملايين من السنين.

نظرًا لأن التطور يحدث عبر تغيرات قابلة للتوريث، فإن سرعة تكاثر الكائن أو زمن الجيل، يحدّ من معدل ظهور الأنواع الجديدة -المعروف بمعدل الانتواع- وفقًا لجامعة كاليفورنيا، سانتا باربرا. فمثلًا نظرًا للتكاثر السريع لدى البكتريا، إذ تنقسم لاثنين كل بضع دقائق أو ساعات، يمكنها أن تتطور لتنوعات جديدة خلال سنوات أو أيام حتى وفقًا للمتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي في مدينة نيويورك.

إلا أنه ليس بالأمر البسيط تحديد أي من التنوعات البكترية جديرة بتصنيفها نوعًا جديدًا، وفقًا لسميث. يحدد العلماء الأنواع بناءً على قدرتها على التزاوج، والبكتريا لا تتكاثر جنسيًا. ومع ذلك، ذكرت دراسة أجريت عام 2008 في مجلة Proceedings of the National Academy of Sciences أن سلالة من بكتيريا الإشريكية القولونية التي روقبت لعقود قد طورت القدرة على استهلاك السيترات كمصدر غذائي ضمن بيئة مؤكسجة. انعدام هذه القدرة هو «سمة مميزة للإشريكية القولونية كنوع»، فإن التغيير يمثل البداية لنوع جديد – نوع تطور في غضون بضع سنوات.

يمكن للنباتات، في ظاهرة تُعرف باسم تعدد الصيغ الصبغية، مضاعفة جينوماتها بالكامل في البذور، ما يعطي نسخة إضافية من كل كروموسوم وأنواع جديدة في جيل واحد. قال سميث إن العزلة الإنجابية الناتجة «تعطي تلقائيًا نوعًا جديدًا».

ولأن العديد من النباتات تتكاثر ذاتيًا، يمكن للكائن الجديد متعدد الصيغة الصبغية أن يتسمر بتشكيل المزيد من الأنواع الجديدة. غالبًا ما تقوم النباتات بالتلقيح الذاتي، لذا يمكنها بعد ذلك أن تبتدئ جمهرة جديدة كليًا.

حتى في مملكة الحيوانات، يمكن أن يحدث الانتواع على امتداد نطاقات زمنية قابلة للملاحظة بشريًا، خاصة لدى الحشرات سريعة التوالد. معروف تاريخيًا أن نغفات التفاح(Rhagoletis pomonella)، على سبيل المثال، تتغذى على نباتات الزعرور، لكن بعضها تحول للتغذي على التفاح المستأنس بعد وصولها شمال شرق الولايات المتحدة في منتصف القرن التاسع عشر. منذ ذلك الحين، باتت المجموعتان معزولتين من ناحية القدرة التكاثرية، وفقًا لدراسة أجريت عام 2006 في مجلة Annals of the Entomological Society of America وتعتبر الآن «سلالات مضيفة» وهذه هي الخطوة الأولى ضمن أحد مسارات الانتواع بدون حواجز مادية.

يحدث الانتواع عمومًا بشكل أبطأ في الفقاريات ولكن مايزال ممكنًا أن يحدث بسرعة. ذكرت دراسة أجريت عام 2017 في مجلة Science أن عصفور غالاباغوس هاجر إلى جزيرة جديدة وتناسل مع طائر محلي، ما أنتج سلالة جديدة معزولة تكاثريًا في غضون ثلاثة أجيال. قال المؤلف المشارك في الدراسة ليف أندرسون، عالم الوراثة في جامعة أوبسالا في السويد، لـ Live Science إن هذه السلالة تمثل انتواع سريع عبر تهجين الأنواع، بدلاً من التراكم الأبطأ للتكيفات.

قال أندرسون: «يمثل هذا سيناريو محتمل لكيفية ظهور نوع جديد. إنما مدى استقراره على مدى فترة زمنية طويلة يبقى أمرًا غير مؤكد».

حدود السرعة

إن سجل السرعة الخاص بالانتواع الكامل بين الفقاريات يخص على الأرجح أسماك البلطية في بحيرة فيكتوريا بأفريقيا. إن هذه الأسماك قد أعطت 300 نوعًا «انطلاقًا من نوع واحد منذ قرابة 12 ألف سنة». إن بعض الأبحاث، كدراسة عام 2000 نشرت في مجلة Proceedings of the Royal Society B  شككت بهذا الجدول الزمني، لكن انتواع أسماك البلطية «استثنائي للغاية».

لإيجاد الحد الأعلى لأوقات الانتواع، علينا أن نبحث عن الانتواع الذي يحدث بسبب الحواجز المادية. على سبيل المثال، تباينت الأصلة العاصرة الموجودة بشكل أساسي في الأمريكتين، والثعابين المتوطنة في إفريقيا وآسيا بعد انفصال أمريكا الجنوبية عن إفريقيا. وهذا يمثل انتواع كامل ناتج عن عشرات الملايين من السنين وحتى 100 مليون سنة من الانقسام القاري. (عاش آخر سلف مشترك لهذه الثعابين منذ قرابة 70 مليون سنة خلال عصر الديناصورات، وفقًا لجامعة أستراليا الوطنية) بينما انقسمت إفريقيا وأمريكا الجنوبية منذ نحو 140 مليون سنة.

إن تحديد متوسط وقت الانتواع أو الوقت الأكثر شيوعًا يمثل تحديًا كبيرًا، لكن يمكن للعلماء تقدير أحدث الأسلاف وإعطاء فكرة تقريبية. «في الطيور والثدييات، نعتقد أن زمن الانقسام بين الأنواع المتطورة يبلغ تقريبًا مليون عام».

أعطت دراسة أجريت عام 2015 في مجلة Molecular Biology and Evolution تقديرًا آخر. بالاعتماد على بيانات مستمدة مما يزيد عن 50 نوعًا (من ضمنها عدد من البكتيريا)، وجد الباحثون أن الانتواع يتطلب عمومًا تراكم الطفرات على مدى مليوني سنة. ثبتت صحة هذا الأمر لدى الفقاريات ومفصليات الأرجل (مجموعة تضم الحشرات والعناكب والقشريات) والنباتات.

ومع ذلك، حذر باحثون آخرون في مجلة Quanta Magazine أن هكذا نماذج تتطلب العديد من الافتراضات. قال سميث إن العلماء يعتمدون على أسس أكثر صلابة فيما يتعلق بالعوامل التي تبطئ أو تسرع الانتواع بشكل عام – وهي الضغط البيئي والعزلة الإنجابية. «في جميع الأنواع… وكلما زاد ضغط الانتقاء وقل تدفق الجينات، تزداد احتمالية الانتواع».

 

ترجمة: حاتم زيداني

المصدر: livescience

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *