جينات حيوانات المُدرع والقنفذ والأرنب تكشف كيف تطور الحمل

يتميز البشر والكلاب وما يقرب من 4000 نوع آخر من الثدييات المشيمية بالقدرة على تنشئة جنين وتنميته داخل أجسادها لفترات طويلة من الزمن. وهذه القدرة التكيُّفية الحيوية تتيح الفرصة للتطور البطيء للأدمغة كبيرة الحجم. وثمة دراسة حديثة للتعبير الجيني في المراحل الأولى من الحمل، عندما ينغرس الجنين في الرحم، تشير إلى أن الثدييات المشيمية طورت القدرة على تحويل الاستجابة الالتهابية المضادة للجنين إلى ميزة لصالحها.

Credit: Fernando Trabanco Fotografía Getty Images
Credit: Fernando Trabanco Fotografía Getty Images

يقول أرون تشافان، عالِم الأحياء التطورية في جامعة ييل في نيو هيفن بكونيتيكت: “إن انغراس البويضة بالرحم يشبه الالتهاب لأن مصدره التهاب”، وقد قدم تشافان النتائج التي توصل إليها في اجتماع جمعية علم الأحياء التكاملي والمقارن في سان فرانسيسكو بكاليفورنيا بتاريخ 5 يناير. ويضيف تشافان: “أجرينا هذه الدراسة لنعرف كيف تغير الالتهاب إلى عملية انغراس”.

يعتقد علماء الأحياء التطورية أن الثدييات القديمة كانت تضع بيضًا، كما تفعل حيوانات خلد الماء في الوقت الحاضر. وقد تطورت الجرابيات، متضمنةً الأبسوم والكنجر، لاحقًا؛ إذ تفقس الأجنة من بيض ذي قشرة داخل جسد الأم، ثم تخرج من جسد الأم بعد ذلك بفترة قليلة. ولكن يبدو أن هذا الفقس الأولي يستثير النظام المناعي. وقد وضح تشافان وزملاؤه في تقرير نُشر في شهر يوليو 2017 في دورية “بروسيدنجز أوف ذا ناشونال أكاديمي أوف ساينسس” Proceedings of the National Academy of Sciences أن خروج جنين الأبسوم الرمادي قصير الذيل من البويضة وتمسُّكه ببطانة الرحم يُنشط مجموعة من جينات الالتهاب. كما أظهرت دراسات سابقة على الثدييات المشيمية وجود إشارات لاستجابة مناعية عندما يتعلق الجنين بالرحم.

ولكن في الثدييات المشيمية لا يتعلق الجنين بالرحم فحسب، وإنما يدمر بطانة الرحم وهو يخترق الأنسجة، مما يطلق فيضانًا غزيرًا من البروتينات الالتهابية. عند التعرُّض لعدوى أو إصابة، عادةً ما تهاجم هذه البروتينات الأجسام الغريبة وتساعد على التئام الجروح. ويُمكن أن يكون بعض هذه البروتينات ضارًّا على شكل الحياة الناشئ داخل الجسم، ولكن تشير الدراسات إلى أن هذا الالتهاب ضروري للجنين. على سبيل المثال، ترتفع احتمالية حدوث إجهاض عند النساء اللاتي يتناولن أدويةً مضادةً للالتهابات في الأيام الأولى من الحمل لأن الجنين لا ينغرس بنجاح في الرحم. ويقول المتخصصون في علم الأحياء التكاثري بأن بعض سمات الالتهاب المحددة، مثل نمو أوعية دموية جديدة، تساعد الجنين في طور النمو على الحصول على الأكسجين والعناصر الغذائية التي يحتاج إليها.

التصدي للهجوم

للتوصل إلى كيفية تمكُّن الثدييات المشيمية من التصدي لهجوم البروتين في هذه الأيام الأولى، حلل تشافان الاستجابة الالتهابية في ثلاثة من هذه الثدييات: الأرنب الأوروبي، والمدرع ذي الأشرطة التسعة، والتنريق القنفذي الصغير. وقد وجد أن البروتين الالتهابي إنترلوكين-17، الذي كان موجودًا بمستويات مرتفعة في حيوانات الأبسوم، بدا غير نشط في الثدييات المشيمية، كما لو أنه تم إيقافه. وعادةً ما يستدعي هذا البروتين خلايا الدم البيضاء التي تقتل الأجسام الدخيلة إما عن طريق هضمها أو تدميرها بالإنزيمات. ويقول تشافان: “ربما يكون من الضروري إيقاف عمل هذه البروتينات قبل أن تتمكن من الإضرار بالجنين”.

توصلت الدراسات المبدئية التي قام بها تشافان إلى أن الخلايا التي تبطن رحم الثدييات المشيمية تثبط إنتاج بروتين إنترلوكين-17، كما تتراجع جوانب أخرى من الاستجابة الالتهابية في وقت لاحق من فترة الحمل، رغم أنه من غير الواضح ما الذي يتسبب في هذا. وتشير النتائج إلى أن الثدييات المشيمية تمكَّنت من إدخال تعديلات على الاستجابة الالتهابية على مدار فترة الحمل بحيث أصبحت تزيد وتضمحل في الأوقات المناسبة. ويقول جونتر فاجنر، عالِم الأحياء التطورية في جامعة ييل والباحث الأول في هذه الدراسة: “لقد توصلت الثدييات إلى طريقة للاحتفاظ ببعض عناصر عملية الالتهاب التي تساعد الجنين، وكذلك لإيقاف الجوانب المُدمرة من الاستجابة”.

يرى جيل مور، أخصائي علم المناعة التكاثرية في جامعة ييل، أن هذه النتائج مذهلة، ويأمل أن تأتي هذه الدراسات بنتائج تفصيلية تساعد الأطباء السريرين في نهاية المطاف على تقليل معدلات الإجهاض وتحسين معدلات نجاح انغراس البويضة المُخصبة عند النساء اللاتي يخضعن لعمليات التلقيح الصناعي. وعلى الرغم من أن الالتهاب يبدو ضروريًّا في أثناء انغراس البويضة، فإنه أحد الأسباب الرئيسية في الإجهاض والابتسار في الثلثين الثاني والثالث من فترة الحمل. ويقول مور: “إننا بحاجة إلى التوصل إلى طرق للانتقال من حالة تنشيط الالتهاب إلى مقاومة الالتهاب؛ حتى تتمكن النساء من الاحتفاظ بأطفالهن”.

اقرأ أيضًا: هل تدعو نظرية التطور إلى الإلحاد؟

تم نقل المقال من Scientific American بالتصرف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *