أدلة السلف المشترك – أدلة من التوزيع الجغرافي

بيانات وجود الأنواع أو غيابها في القارات والجزر المختلفة (الجغرافيا الحيوية) يمكن أن تقدم أدلة على اشتراك السلف وأن تسلط الضوء على أنماط الانتواع.

التوزيع القارّي

كل المتعضيات متكيفة لبيئاتها بدرجات متفاوتة. إذا كانت العوامل الأحيائية وغير الأحيائية في موطن ما قادرة على دعم نوع معين في منطقة جغرافية ما، فقد يفترض المرء أن النوع ذاته سيوجد في بيئة مشابهة في منطقة جغرافية مشابهة، مثلًا: أفريقيا وأمريكا الجنوبية. الأمر ليس كذلك. توزيع أنواع النباتات والحيوانات متقطع حول العالم:

يمكن ملاحظة اختلافات أكبر إن وضعنا أستراليا في الحسبان؛ فبالرغم من أنها تقع في دوائر العرض نفسها التي تقع عليها أجزاء كبيرة من أفريقيا وأمريكا الجنوبية، نجد أن الجرابيات كالكنغر والبندقوط والكوول تشكل قرابة نصف الأنواع الثديية أصلية الموطن في أستراليا.

يقابل هذا الغياب التام للجرابيات في أفريقيا وجزءًا صغيرًا من الحيوانات الثديية في أمريكا الجنوبية حيث يوجد الأبصوم والأبصوم الزبابي وقرد الجبل. الممثل الحي الوحيد للثدييات البدائية التي تضع البيض (أحاديات المسلك) هو خلد الماء وفصيلة النضناض. يعيش النضناض قصير الأنف بأنواعه في أستراليا، وتسمانيا، وغينيا الجديدة، وجزيرة الكنغر، أما النضناض طويل الأنف فيعيش فقط في غينيا الجديدة. يعيش خلد الماء في مياه شرق أستراليا، وأُدخل إلى تسمانيا، وجزيرة كنج، وجزيرة الكنغر.

أحاديات المسلك هذه لا وجود لها في أي مكان آخر في العالم. من ناحية أخرى تفتقد أستراليا إلى الكثير من مجموعات الثدييات المشيمية المنتشرة في القارات الأخرى (اللواحم، وشفعيات الأصابع، والزباب، والسنجابيات، وأرنبيات الشكل)، إلا أن بها خفافيش وفئران متوطنة. ووقد أدخل البشر أنواعًا أخرى كثيرة من المشيميات إلى أستراليا مثل الأرانب والثعالب.

من الأمثلة الأخرى توزيع الحيوانات الدب، حيث يوجد في جميع القارات باستثناء أفريقيا وأستراليا والقارة القطبية الجنوبية، والدب القطبي لا يوجد إلا في الدائرة القطبية الشمالية وما جاورها من يابسة. البطريق يوجد حول القطب الجنوبي فقط بالرغم من تشابه ظروف الطقس في القطب الشمالي. عائلات الخيلانيات موزعة حول مياه الأرض بطريقة خاصة، حيث يتواجد خروف البحر في مياه غرب أفريقيا وشمال أمريكا الجنوبية والكاريبي، بينما قريبه الأطوم لا توجد إلا في مياه أوقيانوسيا شمال أستراليا وسواحل المحيط الهندي. كما أن بقرة بحر ستلر المنقرضة كانت تعيش في بحر بيرنغ.

يمكن العثور على أحافير النوع الواحد في مناطق يُعرف أنها كانت متجاورة في الماضي ثم أصبحت الآن في مواقع جغرافية متباعدة بفعل الانجراف القاري. مثلًا: توجد أحافير للأنواع القديمة نفسها من البرمائيات، والمفصليات، والسراخس في أمريكا الجنوبية وأفريقيا والهند وأستراليا والقطب الجنوبي، وتعود للحقبة الأولية حين كانت هذه المناطق متحدة في كتلة يابسة واحدة تسمى غندوانا. أحيانًا يمكن التعرف على السلالة الحية لهذه المتعضيات ويظهر التشابه بينها جليًا بالرغم من كونها تسكن الآن مناطق مختلفة جدًا جغرافيًا ومناخيًا.

الجغرافيا الحيوية للجزر

لعبت الأدلة المستمدة من علوم الجغرافيا الحيوية للجزر دورًا مهمًا وتاريخيًا في تطوير علم البيولوجيا التطورية. تنقسم الجزر بحسب الجغرافيا الحيوية إلى فئتين. الجزر القارية وهي جزر مثل بريطانيا العظمى واليابان التي كانت فيما مضى جزءًا من قارة. والجزر المحيطية مثل جزر هاواي وجزر غالاباغوس وسانت هيلينا وهي الجزر التي تشكلت في المحيط ولم تكن أبدًا جزءًا من أي قارة.

تملك الجزر المحيطية توزيعًا غير متوازن للنباتات والحيوانات المحلية بطرق تجعل هذه الأنواع متميزة عن الكائنات الحية الموجودة في القارات أو الجزر القارية. لا تحتوي الجزر المحيطية على ثدييات أصلية (تحتوي في بعض الأحيان على الخفافيش والفقمات) أو برمائيات أو أسماك المياه العذبة.

تملك الجزر المحيطية في بعض الحالات زواحف أرضية (مثل الإغوانة والسلاحف العملاقة في جزر غالاباغوس) ولكنها في اغلب الأحيان لا تحوي زواحف (مثل جزر هاواي). وذلك على الرغم من حقيقة أنه عندما يتم إدخال أنواع مثل الجرذان والماعز والخنازير والقطط والفئران وعلجوم القصب إلى مثل هذه الجزر من قبل البشر فهي تزدهر غالبا.

أجرى العديد من العلماء بدءًا من تشارلز داروين تجارب وسجلوا ملاحظات أظهرت أن أنواع الحيوانات والنباتات التي لم يتم العثور عليها في هذه الجزر تتفق مع نظرية أنه تم استيطان هذه الجزر عن طريق الصدفة بواسطة النباتات والحيوانات التي كانت قادرة على الوصول إليها. يمكن أن يحدث هذا الاستيطان المفاجئ عن طريق الجو مثل البذور النباتية التي تحملها الطيور المهاجرة أو الخفافيش والحشرات التي يتم دفعها فوق البحر عن طريق الرياح أو عن طريق الطفو من قارة أو جزيرة أخرى فوق البحر (بعض أنواع بذور النباتات مثل جوز الهند التي يمكن أن تطفو في المياه المالحة)، والزواحف التي يمكن أن تعيش لفترات طويلة فوق نباتات طافية تحملها العواصف إلى البحر.

التوطن

إن العديد من الأنواع الموجودة على الجزر النائية هي أنواع متوطنة في جزيرة معينة أو مجموعة من الجزر، وهذا يعني أنها لا توجد في أي مكان آخر على وجه الأرض. من الأمثلة على الأنواع المتوطنة في الجزر العديد من الطيور غير القادرة على الطيران في نيوزيلندا، والليمور في مدغشقر، وتنين كومودو في كومودو، شجرة دم الأخوين في سقطرى، والطراطرة في نيوزيلندا وغيرها. ومع ذلك ترتبط العديد من هذه الأنواع المستوطنة بأنواع موجودة في جزر أو قارات أخرى قريبة، ومن الأمثلة المعروفة على ذلك علاقة الحيوانات الموجودة في جزر غالاباغوس بتلك الموجودة في أمريكا الجنوبية.

يمكن شرح كل هذه الدلائل (أنواع النباتات والحيوانات الموجودة في الجزر المحيطية، والعدد الكبير من الأنواع المستوطنة الموجودة في الجزر المحيطية وعلاقة هذه الأنواع بتلك التي تعيش في القارات القريبة) بسهولة من خلال فرضية استعمار الجزر من قبل بعض الأنواع الموجودة في القارات القريبة والتي تطورت فيما بعد إلى أنواع متوطنة موجودة الآن هناك.

لا ينبغي أن تشمل انواع التوطن الأخرى (بالمعنى الحرفي للكلمة) الجزر. يمكن أن تدل الجزر على البحيرات المعزولة أو المناطق النائية. وتشمل بعض الأمثلة على ذلك المرتفعات في إثيوبيا وبحيرة بايكال وفنبوس في جنوب إفريقيا، وغابات كاليدونيا الجديدة وغيرها. بعض الأمثلة عن الكائنات الحية المستوطنة التي تعيش في مناطق معزولة: الكاغو في كاليدونيا الجديدة، والجرذان في غابات الصنوبر الاستوائية في لوزون في الفلبين،شجرة بوجوم في شبه جزيرة باخا في كاليفورنيا، فقمة بايكال وسمك أومول في بحيرة بايكال.

التشعبات التكيفية

غالبًا ما يسكن الجزر المحيطية مجموعات من الأنواع متصلة بشكل وثيق والتي تمثل مجموعة متنوعة من الأنماط الحياتية، غالبًا ما تكون هذه الأنماط الحياتية مملوءة بأنواع مختلفة تمامًا في القارات. وتسمى هذه المجموعات مثل عصافير غالاباغوس وطائر هاواي الباحث عن العسل وأفراد عائلة عباد الشمس في أرخبيل خوان فرنانديز وسوس الخشب في سانت هيلانا تشعبات تكيفية لأن أفضل تفسير لذلك هو أن نوع واحد يستعمر جزيرة (أو مجموعة من الجزر) ثم يتنوع لملء البيئات الحيوية المتاحة.

يمكن أن تكون هذه التشعبات مذهلة: مثل كون 800 نوع من عائلة ذبابة الفاكهة (وهو ما يقارب نصف المجموع العالمي) مستوطنة في جزر هاواي. مثال توضيحي آخر من هاواي هو نبات السيوف الفضية وهي مجموعة من ثلاثين نوعًا من النباتات توجد فقط في تلك الجزر.

يتراوح افرادها من (السيوف الفضية) التي تزهر بشكل خاص على المنحدرات البركانية العالية إلى الأشجار والشجيرات والكروم التي تزهر على ارتفاعات مختلفة من أعلى الجبل إلى مستوى سطح البحر وفي بيئات هاواي التي تختلف من الصحارى إلى الغابات المطيرة. أقرب الأنواع إليهم خارج هاواي (استنادا إلى الدراسات الجزيئية) هي من أعشاب القطران الموجودة على الساحل الغربي لأمريكا الشمالية. تملك هذه الاعشاب بذور لزجة يسهل نشرها بواسطة الطيور المهاجرة.

ويمكن بالإضافة إلى ذلك ان تتكاثر جميع الأنواع الموجودة في الجزيرة بشكل متبادل وغالبًا ما تكون الكائنات الهجينة خصبة، وقد تم بالفعل تهجين بعض الانواع تجريبياً مثل نوعين من أنواع أعشاب القطران من الساحل الغربي أيضًا.

تحتوي الجزر القارية على الكائنات الحية قليلة الانعزال، ولكن تملك الكائنات التي انفصلت لفترة طويلة عن أي قارة أنواع مستوطنة وتشعبات تكيفية، مثل وجود 75 نوعًا من حيوان الليمور في مدغشقر، وأنواع طيور الموا الإحدى عشرة المنقرضة في نيوزيلندا.

الأنواع الحلقية

إن الأنواع الحلقية عبارة عن سلسلة متصلة من مجموعات الأفراد يمكن لكل منها أن تتزاوج مع جيرانها، مع ما لا يقل عن جماعتين نهائيتين تختلفان بشكل كبير من ناحية التهجين على الرغم من إمكانية تبادل الجينات بين كل المجموعات.

تمثل الأنواع الحلقية نمطًا من الأنتواع وقد تم الاستشهاد بها كدليل على التطور. فهي توضح ما يحدث بمرور الوقت حين تتباعد المجموعات جينيا، خاصة لأنها تمثل ما يحدث عادة في المجموعات الحية مع مرور الزمن بين مجموعات الأسلاف المتوفين منذ فترة طويلة والأفراد الأحياء حيث انقرض الأفراد الوسطاء. يقول ريتشارد دوكينز إن الانواع الحلقية «تظهر لنا شيئًا في البعد المكاني فقط يجب أن يحدث دائمًا في البعد الزماني».

أمثلة من التوزيع الجغرافي

توزع السرخس اللساني

يمكن في بعض الأحيان استخدام كل من الانجراف القاري والتطور للتنبؤ بما يمكن العثور عليه في السجل الأحفوري. السرخس اللساني هو نوع منقرض من نباتات سرخس البذور من العصر البرمي. يظهر السرخس اللساني في السجل الأحفوري في بداية العصر البرمي في قارة غندوانا القديمة.

يشرح الانجراف القاري الجغرافيا الحيوية الحالية للنبات. وجدت مستحاثات السرخس اللساني اليوم في طبقات العصر البرمي في جنوب شرق أمريكا وجنوب شرق إفريقيا وكامل جزيرة مدغشقر وشمال الهند وكامل أستراليا ونيوزلندا ووجدت منتشرة على الأطراف الجنوبية والشمالية للقارة القطبية الجنوبية.

كانت هذه القارات متصلة خلال العصر البرمي وحملت اسم غندوانا (الشكل 4c) يتفق ذلك مع الشريط المغناطيسي وتوزيع المستحاثات الأخرى والشقوق الجليدية التي تشير إلى عدم اعتدال المناخ في القطب الجنوبي أثناء العصر البرمي.

توزيع بعد الوحشيات

يقدم تاريخ بعد الوحشيات (القسم الذي يحتوي على الشقبانيات وأسلافها البدائيين المنقرضين) مثالًا على كيفية دمج النظرية التطورية وحركة القارات في صياغة تنبؤات تتعلق بطبقات المستحاثات والتوزع. توجد أقدم مستحاثات كائنات بعد الوحشيات في الصين.

انتشرت بعد الوحشيات غربًا إلى أمريكا الشمالية الحديثة (لا تزال مرتبطة بأوراسيا) ثم إلى أمريكا الجنوبية التي كانت مرتبطة بأمريكا الشمالية منذ حوالي 65 مليون عام. وصلت الجراثيم إلى أستراليا عبر القارة القطبية الجنوبية منذ 50 مليون عام بعد وقت قصير من انقسام أستراليا مما يشير إلى حدوث انفصال لنوع واحد فقط.

تشير النظرية التطورية إلى أن الجرابيات الأسترالية تنحدر من اسلافها في الأمريكتين. وتشير الدلائل الجيولوجية إلى أن أمريكا الجنوبية وأستراليا كانتا منذ ما بين 30 و 40 مليون عام لا تزالان جزءًا من قارة غندوانا العظمى في نصف الكرة الجنوبي وأنهما كانتا مرتبطان بأرض أصبحت الآن جزءًا من القارة القطبية الجنوبية.

لذلك يمكن للعلماء عند الجمع بين النماذج أن يتنبؤوا بأن الجرابيات هاجرت مما يعرف الآن بأمريكا الجنوبية عبر القارة القطبية الجنوبية ومن ثم إلى أستراليا الحالية منذ ما بين 30 و 40 مليون عام. تم العثور على أول مستحاثة للجرابيات في جزيرة سيمور في شبه الجزيرة القطبية الجنوبية في عام 1982. وتم العثور على مستحاثات أخرى في وقت لاحق تشمل افراد من فصيلة الأبسوم وقرود الجبل، وكذلك الحافريات وأفراد النوع المنقرض الغريب غوندوانا تيريا، وربما ثدييات أمريكا الجنوبية.

هجرة وانعزال وتوزع الجمليات

يقدم تاريخ الجمليات مثالاً على كيفية استخدام الأدلة الأحفورية لإعادة تشكيل أحداث الهجرة والتطور اللاحق. يشير السجل الأحفوري إلى أن تطور الإبل بدأ في أمريكا الشمالية (انظر الشكل 4e) حيث هاجرت منها منذ 6 ملايين عام عبر مضيق بيرنغ إلى آسيا ثم إلى إفريقيا، وقبل 3.5 مليون سنة عبر مضيق بنما لتصل لأمريكا الجنوبية. وما إن تم عزلهم حتى تطوروا وفقًا لمصلحتهم الخاصة، مما أدى إلى ظهور الجمل ذو السنمين والجمل العربي في آسيا وإفريقيا واللامة في أمريكا الجنوبية. ثم انقرضت الإبل في أمريكا الشمالية في نهاية العصر الجليدي الأخير.

تم نقل المقال من ويكيبيديا بالتصرف.

اقرأ أيضًا: أدلة السلف المشترك – أدلة من علم وظائف الأعضاء المقارن والكيمياء الحيوية المقارنة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *