بحسب نظريّة التطور يعود أصل الكائنات البريّة إلى الأسماك التي قررت مغادرة المياه تحت وطأة الضغوط التطوريّة قبل (390-370) مليون عام. هذا الأمر يثير سخرية البعض ، فكيف يمكن لسمكةٍ أن تخرج من الماء و أن تتأقلم على العيش خارج الماء؟؟.
لكن هل يوجد اليوم أسماكٌ تعيش خارج الماء و متأقلمةٌ على التنفس خارج الماء و استخدام زعانفها للزحف على اليابسة؟؟
الجواب : نعم !!
تُعرف هذه الأسماك بالأسماك البرمائية amphibious fish و هي تضم 11 جنساً تربطها قرابةٌ تطوريّةٌ بعيدةٌ و قد طوّرت هذه الأسماك مزايا برمائية فهي قادرةٌ على الخروج من الماء و الانتقال إلى اليابسة لفترات طويلة من الزمن ، و تستعمل هذه الأسماك طرقاً متعددةً من الحركة على اليابسة مثل التموج الجانبي lateral undulation الذي تستعمله الأفاعي أو التنقل على ثلاثة ( باستخدام الزعنفتين و الذيل) أو بالقفز.
امتلكت العديد من الأسماك البدائية أعضاءً شبيهة بالرئة و بعضها ما زال موجوداً إلى اليوم كالسمكة الرئوية Lungfish و بعض هذه الأسماك “الرئوية” تعدُ أسلافاً لرباعيات الأطراف و التي من ضمنها الثدييات.
هذه الأعضاء الشبيهة بالرئة تطوّرت في الأسماك الحالية إلى الأكياس الهوائية التي تساعدها على الطفو ، و لم تعد الأسماك البرمائية تملك شبيهات الرئة تلك بل تعتمد كما العديد من الأسماك على التنفس في المياه الفقيرة بالأوكسجين من خلال الخياشيم الموجودة في جلدها.
كما تملك الأسماك البرمائية عيوناً متكيفة على الرؤية فوق الماء على الرغم من اختلاف الكثافة بين الماء و الهواء.
يوجد عدّة أجناس من الأسماك البرمائيّة لكن أشهرها و أكثرها تأقلماً على الحياة خارج الماء هو سمكة نطّاط الطين Mudskipper ،و هي تنتمي لعائلة أسماك الجوبي Gobies ، و هي برمائيّة بشكل كامل و تقضي 90% من الوقت على اليابسة ، و تستخدم زعانفها الصدرية للتنقل فوق اليابسة و تنشط خارج الماء حيث تتغذى و تتفاعل مع بعضها البعض و تدافع عن مناطقها حتّى!
تتواجد هذه الأسماك في المناطق الاستوائية و شبه الاستوائية و المعتدلة و يتراوح طولها بين 7 إلى 25 سم.
ما التكيفات التي تملكها هذه السمكة نطّاط الطين؟
يظهر على أسماك نطّاط الطين تكيفاتٌ سلوكية و جسمانية غريبة على الحياة البرمائية:
– تمتلك سمكة نطّاط الطين زعانف تمكّنها من القفز و المشي و السباحة ، فالزعنفتان الصدريتان تتيح لها المشي على اليابسة و هو في الحقيقة ليس بمشيٍ بل قفزات صغيرة كما هو واضحٌ من اسمها ، كما تستخدم هذه الأسماك أجسامها العضليّة للقفز عمودياً إلى ارتفاع 60 سم في الهواء.
– سمكة نطّاط الطين قادرةٌ على التنفس من خلال جلدها و الغشاء المخاطي للفم و البلعوم و هذا الأمر غيرُ ممكنٍ إلّا عندما تكون السمكة رطبة و مبللة بالماء ما يجعل موطنها قاصراً على المناطق الرطبة ، كما تمتلك هذه الأسماك تكيفاً مهماً جداً يمكنها من البقاء خارج الماء ألا و هو التجاويف الخيشومية المتضخمة و التي تخزّن كمية من الهواء و تسمح ببقاء الخياشيم رطبة خارج الماء و بالتالي مستمرةً بعملها و هي أشبه بإسطوانات الأوكسجين التي يستعملها البشر عند الغوص.
– تقوم سمكة نطّاط الطين بحفر جحورٍ صغيرة في الرمال و الرواسب الناعمة و هذا يسمح بتنظيم حرارة جسمها و الاحتماء من المفترسات البحريّة أثناء المد العالي كما تستخدم الجحور لوضع البيوض فيها و هذا يعتبر تأقلماً سلوكياً على الحياة البريّة ، كما أنّ طريقة بنائها للجحر مميزة حيث تقوم بابتلاع الطين أو الرمل و تخرجه ثانيةً في الخارج جاعلةً منه جداراً يحيط الجحر و يحدد مناطق سيطرتها.
اقرأ أيضًا: ربما استطاعت الفقاريات الأولى المشي في أعماق المحيط قبل الانتقال إلى اليابسة