هل اقتربنا من التخلص من طفيليات الملاريا؟

حدد الباحثون في المعهد الأوروبي للمعلومات الحيوية من خلال دراسة التنوع الجيني لطفيلي الملاريا البشري الأكثر فتكًا (وهو المتصورة المنجلية Plasmodium falciparum) آلية وراثة «النسخ واللصق» التي تزيد من التنوع الجيني للطفيلي على نطاقات زمنية متسارعة. سيساعد ذلك في حل لغز طويل الأمد يتعلق بالسبب الذي يجعل الطفيلي عرضة للتنوع الجيني في مشهد جيني غير ملحوظ.

تنتقل الملاريا بشكل شائع عن طريق لدغات أنثى بعوض الأنوفيلة المصابة بطفيلي المتصورة المنجلية P. falciparum. ويشير أحدث تقرير عالمي عن الملاريا إلى أنه في عام 2022، كان هناك ما يقدر بنحو 249 مليون حالة إصابة بالملاريا وأكثر من 600 ألف حالة وفاة بسبب الملاريا في جميع أنحاء العالم. وتوجد 94% من حالات الملاريا و95% من الوفيات الناجمة عن الملاريا في أفريقيا، مع تعرض الرضع والنساء الحوامل والمسافرين والأشخاص المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية لخطر أكبر.

توفر الدراسة الجديدة، التي نشرت في مجلة PLOS Biology، رؤى أساسية حول التاريخ التطوري لطفيلي المتصورة المنجلية P. falciparum من خلال تحليل جينين يشفران البروتينات السطحية المهمة للتهرب المناعي. الجينات المدروسة هي DBLMSP وDBLMSP2.

تعمل هذه النتائج على تعميق فهمنا لكيفية تطور طفيلي الملاريا ويمكن أن تساعد في توجيه أساليب جديدة لتطوير اللقاحات، مما يوفر الأمل في طرق وقاية أكثر فعالية ضد المرض الذي لا يزال يؤثر على الملايين على مستوى العالم.

علم الوراثة النسخ واللصق

عادة، يرث الفرد تسلسل جيناته من والديه، ولكن في بعض الظروف، يمكن نسخ جزء من تسلسل الجين بين جينات مختلفة على نفس جزيء الحمض النووي، ويعرف ذلك بـ «تحويل الجينات غير الأليلية». ورُبطت هذه العملية بتطور عائلات جينية مهمة، بما في ذلك تلك التي تشارك في عمل جهاز المناعة البشري.

أحد الاكتشافات الرئيسية لهذه الدراسة هو أن تحويل الجينات يحدث بين جينات المتصورة المنجلية DBLMSP وDBLMSP2 ويؤدي إلى زيادة التنوع الجيني داخل البروتينات السطحية للطفيلي. وبما أن هذه البروتينات تتعرض لجهازنا المناعي وتتفاعل معه، فهي أهداف محتملة للقاحات، وقد يكون الفهم الكامل لتنوعها الجيني ذا قيمة كبيرة لتصميم اللقاح.

وقال برايس ليتشر، باحث ما بعد الدكتوراه في مختبر بيولوجيا ونمذجة الخلية (LBMC، فرنسا): «إن اكتشاف علم وراثة النسخ واللصق داخل الحمض النووي للملاريا يكشف عن تأثير آلية تطورية استهنا بها سابقًا».

«يظهر بحثنا أن تحويل الجينات هي استراتيجية مهمة محتملة وراء قدرة الملاريا على التكيف والازدهار لدى البشر، والتهرب من جهاز المناعة البشري. إن فهم هذه المرونة الجينية يقدم وجهات نظر جديدة حول استمرار الملاريا في المضيف البشري والتكيف معه».

رسم خرائط التنوع الجيني الخفي في طفيليات الملاريا

من المحتمل أن يكون أي بروتين يتفاعل مع المناعة هدفًا للقاح، لكن معرفة التنوع الجيني العالمي أمر مهم لتطوير اللقاح. فمثلًا تُطوّر لقاحات الأنفلونزا والكورونا SARS-CoV-2 بناءً على معرفة كيفية تطور جينوماتها.

ومع ذلك، فإن النقاط الساخنة غير المعتادة للتنوع الجيني في جينات المتصورة المنجلية DBLMSP وDBLMSP2 شديدة للغاية لدرجة أن الخوارزميات الحالية لرسم خرائط المتغيرات الجينية فشلت في تحديدها، مما ترك الباحثين غير مدركين لنسبة كبيرة من التباين في هذه الجينات.

ولمعالجة هذه المشكلة، طور الباحثون برنامجًا جديدًا للمعلوماتية الحيوية يستخدم الرسوم البيانية للجينوم وحللوا عينة واسعة من الطفيليات من 29 دولة. كشف هذا النهج الجديد عن مجموعة واسعة من المتغيرات غير المعروفة سابقًا، ومعها، تمكنوا من إثبات حدوث العديد من أحداث تحويل الجينات. توفر هذه المتغيرات الجديدة، المتاحة للتنزيل من الموقع الإلكتروني المرتبط بالدراسة، مصدرًا قيمًا لمجتمع أبحاث الملاريا.

قالت سورينا ماسيوكا، مؤلفة مشاركة ودكتوراه سابقة، وطالبة في مجموعة عالم بيانات الجينوم في Genomics England: «إن الرسوم البيانية للجينوم هي طريقة رائعة للمعلوماتية الحيوية لمساعدتنا في فك رموز المناظر الجينية المعقدة الناشئة عن التفاعل بين مسببات الأمراض والمضيفين البشريين. إنها تسمح لنا أن نأخذ في الاعتبار نطاقًا أوسع من التنوع الجيني والحصول على رؤى جديدة حول كيفية تطور مسببات الأمراض مثل المتصورة المنجلية والتهرب من دفاعاتنا المناعية».

ما هي الرسوم البيانية الجينومية؟

النهج التقليدي في علم الجينوم هو تحديد جينوم مرجعي واحد ووصف أي جينوم آخر كمجموعة من الاختلافات الصغيرة عن هذا المرجع. ولكن لا يعمل ذلك بشكل جيد عندما تختلف الجينومات كثيرًا. تأخذ الرسوم البيانية للجينوم مجموعة من الجينومات وتبني مجموعة مرجعية تدرك كل التنوع الجيني في الأنواع.

قال زامين إقبال، قائد المجموعة في معهد المعلوماتية الحيوية الأوروبي EMBL-EBI وأستاذ علم الجينوم الخوارزمي والميكروبيال في جامعة باث: «يوفر هذا البحث خريطة شاملة للتنوع الجيني لهذين الجينين الرائعين في المتصورة المنجلية».

«لقد كنا نحاول فهم الأنماط غير العادية في هذه الجينات منذ ما يقرب من عقد من الزمن، وكانت أفضل فرضياتنا هي أن النسخ المختلفة حقًا من الجين محفوظة نتيجة الانتقاء الطبيعي، لأسباب غير معروفة».

«لقد لاحظنا في الدراسة أن آلية النسخ هذه (تحويل الجينات) هي التي كانت تخلق بشكل متكرر هذه «الإصدارات» الشاذة المختلفة من الجينات. وهذه البيانات لا تعزز فهمنا لبيولوجيا الملاريا فحسب، بل ستكون أيضًا ذات قيمة كبيرة للباحثين في جميع أنحاء العالم الذي يدرس هذه الجينات وتفاعلها مع جهاز المناعة لدينا».

ترجمة: ولاء سليمان

المصدر: phys.org

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *