حقق باحثون في مركز كيل للتطور لأول مرة بالتفصيل في قدرة فطرٍ مهم في مجال الحماية البيولوجية للنباتات على نقل صبغي مفيد أفقيًا، باستخدام طريقة لتبادل المعلومات الجينية لم تكن مدروسة بشكل وافٍ في السابق.
تعتمد تدابير حماية النباتات المستدامة، غير المعتمدة على المبيدات الحشرية الكيميائية، على كائنات حية مختلفة ومركبات بيولوجية لحماية المحاصيل من الآفات. تعد الفطريات المجهرية من جنس Metarhizium من الأمثلة على الكائنات الحية المستخدمة في الحماية البيولوجية للنباتات، يمكن لهذه الفطريات مهاجمة وقتل مجموعة متنوعة من الحشرات المسببة للأمراض النباتية، وتستخدم على سبيل المثال في زراعة قصب السكر في أمريكا الجنوبية.
تشهد الآليات الجزيئية لإصابة الفطريات والاستجابة المناعية للحشرات عملية تكيف تطورية متبادلة ومستمرة. حقق فريق بحثي من جامعة كيل في التغييرات الجينية التي تحدث للفطريات أثناء إصابتها لنملة الأرجنتين الغازية (Linepithema humile)، في مشروع مشترك مع زملاء من معهد العلوم والتكنولوجيا في النمسا (ISTA).
فحص الباحثون جينومات سلالات مختلفة من فطريات (Metarhizium robertsii) و(Metarhizium brunneum) من تجربة سابقة للعدوى المشتركة أُصيب بها النمل بمزيج الفطرين.
استخدمت في هذه الدراسة الجراثيم النامية لإصابة مجموعة نمل جديدة على مدى 10 دورات متتالية من العدوى. عند تحليل الجينومات الفطرية لسلسلة العدوى هذه، لاحظ عالم الوراثة الفطرية والمؤلف الأول للدراسة، الدكتور مايكل هابيج من جامعة كيل، ملاحظة مثيرة للاهتمام، إذ أظهرت تحليلاته التبادل الأفقي لصبغي واحد بين سلالتين مختلفتين بصورة متكررة.
يحمل هذا الصبغي جينات معينة يشتبه العلماء في أنها قد تمنح الفطر ميزة في إصابة العائل. نادرًا ما يوصف النقل الأفقي للصبغيات بأكملها علميًا، وجرت دراسته الآن بالتفصيل لأول مرة. نشر الباحثون من مركز كيل للتطور (KEC) وISTA نتائجهم في مجلة وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم.
اكتشاف الانتقال الأفقي للصبغي في الفطريات الضارة بالحشرات
يستخدم العلماء مصطلح «الانتقال الجيني الأفقي» لوصف كيفية انتقال المادة الوراثية بين الكائنات الحية المختلفة، بما في ذلك تلك التي تنتمي إلى أنواع أخرى. تتبادل البكتيريا بهذه الطريقة معلومات وراثية واسعة النطاق، غالبًا ما تكون على شكل بلازميدات، من أجل التكيف بسرعة مع الظروف البيئية المتغيرة أو التكيف مع العائل. يستند التطور السريع لمسببات الأمراض المختلفة على مثل هذه الآليات، من بين أمور أخرى.
يقول الدكتور مايكل هابيج، الباحث المشارك في جامعة كيل: «مع ذلك، يعد الانتقال الجيني الأفقي على شكل صبغيات كاملة نادرًا جدًا في الفطريات والعديد من الكائنات الحية حقيقية النواة الأخرى، ولم يُبحث في الموضوع بشكل معمق حتى الآن».
تابع هابيج قائلًا: «يُظهر تحليل المعلومات الوراثية للسلالات الفطرية أن الفطر المتعايش M. Robertsii نقل بشكل مستقل صبغيًا واحدًا خمس مرات خلال تجارب العدوى المشتركة، ولكن لم تُنقل أي معلومات وراثية أخرى من سلالة إلى أخرى من خلال النقل الأفقي».
أشارت تحليلات إضافية إلى إمكانية العثور على نفس الصبغي في فطريات Metarhizium Guizhouense ذات الصلة البعيدة والضارة بالنسبة للحشرات، والتي يعود أصلها التطوري المشترك مع (M. Robertsi) إلى حوالي 15 مليون سنة.
أكد هابيج أن الصبغي الموجود في فطر M. Guizhouense كان أقل تحوراً بشكل ملحوظ مما كان متوقعًا لفترة طويلة من التطور المنفصل لنوعي الفطر. لذا يبدو أيضًا أن الصبغي قد مُرر بشكل طبيعي بين هذه الأنواع الفطرية المختلفة، وربما بشكل أفقي.
تحليل الصبغي يشير إلى مزايا البقاء المحتملة للفطر
يُدعى الصبغي الذي دُرس بالصبغي الإضافي، بمعنى أنه لا يوجد لدى جميع أفراد النوع ذاته ويحوي معلومات وراثية غير أساسية.
يقول هابيج: «أظهرت التجارب أن الفطر الذي تلقى الصبغي الإضافي تمتع، في ظل ظروف معينة، بمزايا تنافسية بالمقارنة مع فطر السلالة نفسها الذي لم يتلق الصبغي وتمكن من التفوق عليه. نرغب بدراسة تفاصيل هذه المزايا بشكل أكثر تفصيلاً في المستقبل».
تمكن فريق البحث في كيل بالفعل من استنتاج مؤشرات أولية من تحليل الجينات الموجودة على الصبغي. يوضح هابيج قائلًا: «يحتوي الصبغي على مئات الجينات التي لن نتمكن من فك تشفير وظائفها المحتملة إلا في المستقبل. مع ذلك، تمكنا بالفعل من تحديد 13 جينًا مرشحًا يُحتمل أن تكون مسؤولة عما يسمى ببروتينات المستجيب، والتي يمكنها التفاعل مع الجهاز المناعي للحشرات، على سبيل المثال».
قد يكون لنقل الصبغي مزايا بالنسبة للفطر، لكن الأساس الوظيفي لها غير واضح. تتمثل إحدى الاحتمالات المعقولة في نقل جينات معينة تنتج إنزيمات تشطر الكيتين ويمكن أن تحسن القدرة على إصابة الحشرات.
تقول الأستاذة سيلفيا كريمر، المؤلفة الأخيرة للدراسة، من معهد العلوم والتكنولوجيا في النمسا: «من المثير للاهتمام حقًا عثورنا على جينات لثلاثة إنزيمات من هذا القبيل، من بين أمور أخرى، يُفترض أنها تلعب دورًا في تحلل البشرة الكيتينية للحشرات العوائل. يمكن أن يؤثر هذا على خطوة مهمة في عملية العدوى، إذ تعتمد الجراثيم الفطرية على اختراق الهيكل الخارجي الواقي للعائل من أجل إصابته».
يقدم العمل البحثي بشكل عام جوانب جديدة ومثيرة للاهتمام حول طريقة تبادل المعلومات الجينية التي لم تُدرس بشكل وافٍ في الفطريات حتى الآن.
أوضح الدكتور هابيج قائلاً: «يوضح عملنا الجديد حدوث النقل الأفقي للصبغيات بشكل منتظم في الفطريات وإمكانية أن تمنح هذه الآلية السلالة المتلقية ميزات إضافية، على الأقل في التجارب تحت ظروف معينة». يصف فريق البحث في كيل وشركاؤه المتعاونون من معهد علوم وتكنولوجيا الزراعة لأول مرة وبشكل تفصيلي جانباً جديداً في تطور جينوم الفطريات، والذي قد يكون قادراً على استخدام آليات تشبه البكتيريا للتكيف التطوري السريع، على سبيل المثال لزيادة ضراوة هذه الفطريات أو ضررها بالكائن العائل لها ونقل المعلومات الجينية عبر حدود الأنواع.
يعتزم الباحثون في المستقبل الاستعانة بحالة فطر (M. robertsii) كنموذج لدراسة العلاقة بين النقل الأفقي للصبغيات والمزايا المحتملة للبقاء والتكيف المتبادل بين الفطريات والحشرات بشكل تفصيلي. يهدف هذا البحث إلى اكتساب المزيد من المعرفة حول هذا الكائن الحي الذي يعتبر مهمًا في مجال حماية النباتات.
الصورة: حقق فريق البحث في التغييرات الجينية التي تطرأ على فطريات المتارريزيوم أثناء إصابتها للنمل الأرجنتيني الغازي، والذي تظهر عاملاته في الصورة على اليسار، و يرقاته على اليمين. المصدر: سينا ميتزلر ورولان فيريجاتو، معهد العلوم والتكنولوجيا في النمسا (ISTA).
ترجمة: علاء شاهين
المصدر: phys.org